يعد وجود منتخب كولومبيا في نهائيات كأس العالم 2018، هو الحضور السادس للمنتخب اللاتيني طوال تاريخه الكروي، وسيلعب منتخب كولومبيا في المجموعة الأخيرة إلى جانب منتخبات بولندا والسنغال واليابان، ويأمل في أن تكون مشاركته تحت قيادة مديره الفني الأرجنتيني خوسيه بيكرمان، مشاركة مختلفة عن النسخ الخمسة التي سبق له الحضور فيها، متسلحاً بهذه الأمنية وبعدد من نجوم الكرة الكولومبية، والذين يمثلون ثقلاً كروياً في خارطة كرة القدم العالمية. كولومبيا، دولة تتخذ موقعها في الجزء الشمالي الغربي، من قارة أميركا الجنوبية، حيث تحاط بالبحر الكاريبي شمالاً والمحيط الهادي غرباً، وهي بهذه الحدود الجغرافية باتت الدولة الوحيدة في قارة أميركا الجنوبية، التي تمتلك سواحل على اتجاهين بحريين، وكولومبيا أول حكومة دستورية في القارة الجنوبية، ويعود أصل تسميتها إلى اشتقاقاً من الاسم الأخير للرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس، وهو الذي اكتشف القارتين الأميركيتين وفقاً لما يدعيه بعض المؤرخين، وكان اقتراح تسمية الدولة اللاتينية بهذا الاسم، هو اقتراح الفنزويلي فرانسيسكو دي ميراندا، وتسلسلت مراحل الاسم تاريخياً حتى استقر في عام 1886م على اسم كولومبيا. البدايات الكروية في كولومبيا توجد منطقة تسمى بالبحر الكاريبي، وهي منطقة ساحلية تزخر بقرابة ثمانية مدن إدارية، في هذه المنطقة كان مولد كرة القدم فوق الأراضي الكولومبية، حيث وصلت كرة القدم إليها رفقة المهندسين البريطانيين الذين كانوا يعملون في شركات السكك الحديدية، وذلك في عام 1900م تقريباً وكانت هذه اللعبة الوافدة حديثاً مع المهندسين البريطانيين، لعبة جاذبة للكثير من الشبان الكولومبيين، الذين أمضوا الكثير من أوقاتهم عاكفين على تعلمها وفهم قواعدها وأنظمتها، لكن وبالرغم من هذا الاهتمام إلا أن كرة القدم ظلت في كولومبيا مقتصرة على ملاعب الحواري، متجردة عن الإطار الرسمي لإقامة المنافسات الكروية، والتي ظلت غائبة حتى بدء عملية تأسيس الأندية الكولومبية. دوري تنشيطي لم تكن هناك أندية رسمية قد ولدت في كولومبيا بعد، لكن الرغبة بإقامة منافسات كروية هو شعور قد تولد لدى الكثير من المتابعين والمهتمين بهذه اللعبة الوافدة إلى بلادهم، لذلك جاءت إقامة دوري تنشيطي في عام 1918م، وأقيم بين فريقين أحدهما يمثل مدينة بوغوتا، والفريق الآخر عبارة عن طلاب مدرسة حكومية، لعبوا وانتهت المباراة بفوز فريق مدينة بوغوتا بنتيجة 3/2، وصاحب هذا الحراك الكروي إنشاء فريق يوفنتوس الكولومبي، وهو فكرة عدد من المهاجرين الإيطاليين للأراضي الكولومبية، الذين استنسخوا اسم الفريق الإيطالي العريق، على فريقهم الذي أسسوه في كولومبيا، وكان ذلك في بدايات القرن العشرين، لكن النادي المسمى على الفريق الإيطالي، مر بالكثير من التحولات والتغيرات، التي ساهمت في اندثاره واختفائه عن مشهد الكرة الكولومبية بعد ذلك. ولادة الأندية ساهمت الحركة الرياضية النشطة الكولومبية، في إنشاء عدد من الأندية الرياضية، والتي جاءت لتكون هي حجر الأساس لولادة كرة القدم بشكلها الرسمي في الملاعب الكولومبية، ويعتبر نادي إنديبيندينتي ميديلين من أقدم أندية كولومبياً تأسيساً، حيث تم إنشاؤه عام 1913م وهو من أكثر أندية كولومبيا تحقيقاً للقب الدوري المحلي، حيث حقق اللقب 11 مرة، فيما يعتبر أتلتيكو جونيور من أوائل الأندية التي تأسست في كرة القدم الكولومبية، حيث تمت عملية التأسيس عام 1924م، ومن بين أندية كولومبيا الشهيرة يعد فريق أتلتيكو ناسيونال الذي تأسس عام 1947م، أحد هذه الأندية التي ذاع صيتها واشتهر اسمها، حيث استطاع تحقيق لقب الدوري المحلي 11 مرة، ورغم تأخر عملية تأسيس فريق أتلتيكو هويلا والذي جاء في عام 1990، إلا أنه استطاع أن يكون منافساً شرساً على تحقيق لقب الدوري المحلي، ونجح حتى الموسم الماضي بالتتويج باللقب 11 مرة كذلك، حيث تغلب على تأخر تأسيسه واستطاع أن يلحق بالأندية التي سبقته بسنوات التأسيس، من حيث عدد البطولات التي توج بها. منتخب وطني في ظل تطور وصعود الحركة الرياضية في كولومبيا، كان المتبقي هو إنشاء منتخب وطني، يجتمع تحت ألوانه أبرز نجوم الكرة الكولومبية، وذلك لتمثيل بلادهم في البطولات القارية والدولية، وحدث هذا الأمر حين أقيمت دورة ألعاب أميركا الوسطى والجنوبية عام 1938م، حيث تم الإعلان عن إنشاء منتخب وطني لدولة كولومبيا، واستطاع هذا المنتخب الذي تشكل على وجه السرعة أن يظهر بقميص المنافس في البطولة، حيث احتل المرتبة الثالثة، وكانت خسارة كولومبيا أمام منتخب المكسيك بنتيجة 3/1، هي المباراة الأولى التي يخوضها منتخب كولومبيا بتاريخه الكروي، ولأن عملية تأسيس المنتخب تمت على وجه العجالة، بهدف اللحاق بدورة الألعاب الأميركية التي أقيمت عام 1938م، فقد توقف منتخب كولومبيا عن اللعب حتى عام 1945م، وهو العام الذي شهد عودة المنتخب الكولومبي للمشاركة في بطولة أميركا الجنوبية، وانتهت مشاركة كولومبيا إلى احتلال المركز الخامس في سلم الترتيب النهائي. أول ظهور للمنتخب كانت نهائيات كأس العالم عام 1962م، والتي أقيمت في تشيلي، هي الموعد الأول لظهور منتخب كولومبيا في نهائيات كأس العالم، وجاء المنتخب الكولومبي في مجموعة منتخبات الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا والأوروغواي، وفشلت كولومبيا من تحقيق أي انتصار في هذه النسخة، حيث تعادلت في مباراة واحدة، وخسرت مباراتين، لتغادر البطولة متذيلة مجموعتها، وغاب منتخب كولومبيا عن التواجد في كؤوس العالم، منذ نسخة مونديال تشيلي، وكان غيابه طويلاً إلى حدٍ كبير، حيث عاد في عام 1990م، ليظهر من جديد في النهائيات التي استضافتها ألمانيا الغربية، وبالرغم من أن كولومبيا استهلت مشوارها بتحقيق الانتصار على منتخب الإمارات، إلا أنها فشلت من تحقيق الفوز في المباراتين الباقيتين في دور المجموعات، حيث تعادلت أمام منتخب ألمانيا الغربية 1/1، وذلك بعد الخسارة بهدف يتيم أمام منتخب يوغوسلافيا، في دور ال16 كان موعدها أمام منتخب الكاميرون، وسعى الكولومبيون لاستكمال مسيرتهم في البطولة، إلا أن هذه المغامرة انتهت على يد المنتخب الكاميروني بعد أن تعادل المنتخبان في الأشواط الأصلية واحتكما لأشواط إضافية، استطاع المنتخب الأفريقي أن يكسب المباراة لصالحه بتحقيقه الفوز 2/1. مشاركة أخيرة مميزة كانت مشاركات كولومبيا في كؤوس العالم متواضعة على الدوام، ففي نهائيات كأس العالم صيف 1994م، والتي أقيمت في الولاياتالمتحدة الأميركية، كان منتخب كولومبيا من أوائل المغادرين للأراضي الأميركية، وذلك بعد أن رمت بها قرعة البطولة في مجموعة واحدة إلى جانب الولاياتالمتحدة الأميركية ورومانيا وسويسرا، وخسرت مواجهتي أميركا ورومانيا، ورغم أنها كسبت مباراة سويسرا إلا أنها غادرت متذيلة سلم ترتيب المجموعة، وبعد أن قدمت أداءً هزيلاً في نهائيات كأس العالم 1998م بفرنسا، غادر المنتخب الكولومبي من دور المجموعات كذلك، وابتدأ رحلة غياب عن كؤوس العالم، استمرت حتى نهائيات كأس العالم 2014م التي احتضنتها ملاعب البرازيل، حيث عادت كولومبيا للظهور من جديد، وقدمت واحدة من مشاركاتها التاريخية في كؤوس العالم، بعد أن تصدرت مجموعتها محققة 3 انتصارات على منتخبات اليونان وساحل العاج واليابان، والتقت بمنتخب الأوروغواي في دور ال16، ونجحت في إقصائه خارج البطولة والعبور إلى دور الثمانية، إلا أنها اصطدمت بمنتخب البرازيل المتسلح بجماهيره وملاعبه، وخسرت كولومبيا أمام السامبا 2/1، وودعت كأس العالم بعد أن قدمت أفضل مشاركة لها في نهائيات كأس العالم. ترقب في روسيا لم يكن طريق المنتخب الذي يشرف عليه المدير الفني الأرجنتيني خوسيه بيكرمان، إلى نهائيات كأس العالم 2018 معبداً وممهداً، بل أحاطه الكثير من الشكوك والمخاوف، فكان منتخب كولومبيا حتى الجولة الأخيرة، يلعب في مصير مجهول وأمام جميع الاحتمالات الثلاث، إما الوصول المباشر لنهائيات روسيا، أو التوجه إلى مباراة الملحق، أو عدم التأهل بشكل رسمي إلى المونديال، لكن مواجهتهم الأخيرة أمام منتخب بيرو، هي التي لعبت دور الحسم في مصير كولومبيا، وهي المباراة التي انتهت بالتعادل 1/1، وأحاطها الكثير من الشكوك والشبهات حول التلاعب بنتيجتها، باعتبار أن هذه النتيجة كانت في مصلحة كلا المنتخبين، فقد ضمن منتخب كولومبيا الوصول لنهائيات المونديال بشكل مباشر، وخطف منتخب بيرو مقعداً لمباراة الملحق، فيما كان ضحية هذه النتيجة هو منتخب تشيلي، وهو الذي طالب في فتح تحقيقات حول مباراة المنتخبين الأخيرة، إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم تجاهل هذه المطالب، وفضل عدم إثارة الموضوع قبل أشهر من انطلاقة صافرة نهائيات المونديال الروسي، والذي يأمل قائد كولومبيا خيميس رودريغيز أن يقدم هو وزملاؤه مشاركة أخرى مثالية، بعد الأداء المميز الذي قدموه في ملاعب البرازيل صيف 2014، لا سيما في ظل امتلاك منتخب كولومبيا لعدد من الأسماء المميزة كالهداف رادميل فالكاو، والذي استعاد مستواه وتوهجه في الموسمين الماضيين. إنديبيندينتي أول الأبطال في كولومبيا تأسس الاتحاد الكولومبي لكرة القدم عام 1936، وكان تاريخاً باكراً بالنسبة لدولة لم تكتمل فيها عملية بناء الأندية الرياضية، وقص لافوري رونكالو شريط أول رؤساء الاتحاد الكولومبي، إذ ترأسه 12 سنة، ورغم طول المدة التي عمل بها في رئاسة الاتحاد، إلا أنه فشل في إضافة أي جديد للاتحاد، الذي التحق بعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم في العام ذاته الذي تأسس فيه، وذلك بخلاف الجهد الذي قدمه خلفه في رئاسة الاتحاد الكولومبي جاراميلو جارسيا، والذي تقلد مهام الرئاسة عام 1948م، ونجح في العام ذاته من إقامة الدوري الكولومبي للمرة الأولى بالتاريخ، وهو الدوري الذي ذهب من نصيب فريق إنديبيندينتي كأول فرق كولومبيا تحقيقا للقب المحلي. «كوبا أميركا» الإنجاز الوحيد كانت مخاوف كبيرة تحيط بإمكانية استضافة كولومبيا بطولة كوبا أميركا عام 2001م، إذ تشتهر كولومبيا بسيطرة كثير من العصابات على أمنها، وكان من الصعب على منتخبات القارة الأميركية أن ترحل بمنتخبها الأول إلى ملاعب كولومبيا، لذلك قررت الأرجنتين أن تنسحب من البطولة نهائيا، وذلك قبل أيام من بدء المباريات، وخاضت كثير من منتخبات أميركا البطولة بالمنتخبات الرديفة، وكانت هناك محاولات جادة لنقل البطولة إلى فنزويلا، إلا أن هذه المحاولات انتهت بمجرد إطلاق صافرة مباراة الافتتاح، التي استهلها منتخب كولومبيا بتحقيق الانتصار على نظيره الفنزويلي 2/0، ثم انتصرت على منتخبي تشيلي والإكوادور، وفي ربع النهائي التقت كولومبيا منتخب بيرو، وتمكنت من هزيمته بنتيجة 3/0، وفي نصف النهائي ضربت موعداً مع منتخب هندوراس وانتصرت عليه 2/0، لتخوض المباراة النهائية أمام المكسيك أمام 47 ألف متفرج، كانوا مساندين وداعمين لمنتخب كولومبيا الذي استطاع تحقيق فوزه باللقب بشق الأنفس، بعد أن هزم المنتخب المكسيكي 1/0، لتتوج كولومبيا للمرة الأولى بطلاً لكوبا أميركا. رودريغيز يحمل قيادة كولومبيا في مونديال روسيا