تشهد أروقة المسجد الحرام هذه الأيام أحد أهم الأحداث التاريخية في عمارته وبنائه وتوسعته منذ بداية إنشائه وحتى الآن، وهو مشروع توسعة صحن المطاف المشرف، وهو السوار الذي يحيط بالكعبة المشرفة من جميع اتجاهاته بتكلفة أربعين مليار ريال في مدة تنفيذ تصل إلى 1080 يوما. ويعد المشروع أحد أهم التحديات التي تسعى الحكومة السعودية إلى إنجازها بعد مشروع جسر الجمرات، رغبةً منها في توفير أقصى درجات الراحة وأداء نسك الحج والعمرة للحجاج والمعتمرين. وخلال جولة نفذتها “الشرق” ظهر أمس على موقع العمل، شاهدت منظومة كاملة من الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة تعمل على إتمام هذا المشروع التاريخي، وأسهمت في انسيابية متسقة أظهرتها قوافل المعتمرين وهي تطوف بالبيت الشريف دون أي مشكلات أو عوائق أو صعوبات، رغم أن معول البناء بدأ ينخر بآلته في جسد الصحن الشريف بهدف التطوير والتوسعة وخلق مساحات من الفضاءات لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الطائفين. وسجلت الجولة أمس قرب انتهاء الشركة المسؤولة عن إنجاز المشروع “شركة بن لادن” من العمل على إزالة الرواق العثماني الذي بني منذ أكثر من مائة عام، بعد تكسير كافة جوانب الأرضية الواقعة فوق بئر زمزم، والمقابلة للكعبة المشرفة من جهة الداخل للمسعى الشريف، في تقسيم هندسي يضمن السرعة والجودة في الإنجاز لعدم إشغال المصلين والطائفين عن أداء نسكهم بكل هدوء وتؤدة. ويهدف المشروع إلى رفع الطاقة الاستيعابية لصحن المطاف حول الكعبة إلى 130 ألف طائف في الساعة بدلا من 52 ألفاً حالياً، في مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أعوام، وتشمل إحداث دور لذوي الاحتياجات الخاصة في ميزاني الدور الأول، وربطه بمنظومة من المصاعد والمنحدرات التي تكفي لاستيعاب حركة الدخول والخروج منه وإليه. كما تم ربطه بمسار ذوي الاحتياجات الخاصة في المسعى الذي تم توفيره في مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة وتطوير خدمات المسعى، وسيتضمن المشروع كافة الخدمات التشغيلية والوظيفية الخاصة بالمستخدمين، ومقدمي الخدمة كنوافير الشرب والوضوء ونقاط التعبئة والغسيل وكافة المتطلبات المتجددة، في ميكنة عمل يشرف عليها نحو عشرة آلاف عامل يعملون أيضاً على تنفيذ ثمانية مشروعات جديدة في ساحات المسجد الحرام، منها تطوير دورات مياه في عدة أجزاء من الساحات وإنشاء أخرى حديثة. وكشفت جولة “الشرق” أمس أن عدداً كبيراً من الجهات تشرف وتقف مباشرةً على سير العمل خلافاً عن الشركة المشغلة، ففضلاً عن الجهة الرئيسة المشرفة على المشروع ممثلاً في الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين، حيث يقف على أعمال المشروع ورصد سير العمل فيه خبراء وأكاديميون بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي وفق دراسة معتمدة، إضافةً إلى عدد من الجهات الأمنية ذات العلاقة بدءاً من قيادة قوة أمن الحرم وقيادة الحج والعمرة، بهدف تأمين سلامة المصلين والمعتمرين وفق خطة شاملة. وأكد قائد قوة أمن الحرم العقيد يحيى مساعد الزهراني أن الاتفاق مع الجهات المعنية بالمشروع يقضي بإيقاف العمل منتصف شهر شعبان. مشيراً إلى أن هذه المشروعات الجاري تنفيذها لن تؤثر على انسيابية الحركة بين المصلين والمعتمرين خلال الأيام المقبلة، حيث تم تكثيف الخطط الأمنية لإدارة الحشود البشرية وفق المتغيرات الميدانية لاسيما مع المشروعات الجديدة. والتقطت عدسة “الشرق” خلال جولتها أمس مئات الزوار والمعتمرين الذين امتلأت بهم جنبات الحرم المكي الشريف هذه الأيام، وهم يلتقطون بكاميرات جوالاتهم صورا لأعمال المشروع للفوز بلقطات تاريخية تسجل لهم وتوثق موعد زيارتهم الذي لا ينسى.