بحثت ذات يوم مع زميل لي من الأطباء أنواع النشاط التي يجب أن يقوم بها المركز الصحي لتطوير الوضع الصحي في المنطقة التي يعمل بها الزميل، فكان جوابه "حسناً هذا يعطي للطبيب فكرة عن ما يدور في المركز من نشاطات" .. عجبي !! إنه لا يرى نفسه كطبيب مسئولاً عن تطوير الرعاية الصحية في المجتمع الذي يعمل فيه . مهمته العلاج فقط، أما الوقاية والتطوير فهي مسئولية الآخرين... ومع طبيب آخر أثرت موضوع التطعيم الواقي من أمراض الطفولة، وكيف أنه لا يقدم بشكل كاف في بعض المراكز الصحية. فكان جوابه "التطعيم مسئولية المراقب الصحي" ! مرة أخرى .. الطبيب هنا لا يرى نفسه مسئولاً عن تطوير الصحة بقدر ما هو مسئول عن علاج المرضى فقط. المسئول الأول عن هذا الاتجاه النفسي والفكري لكثير من الأطباء هو نوعية التعليم الطبي الذي يتلقاه الطبيب. منظمتا الصحة العالمية واليونيسيف تؤكدان أن لا سبيل لتطوير الرعاية الصحية إلا بتطوير أهداف التعليم الطبي بحيث تتحول اهتمامات الطبيب وأعضاء الفريق الصحي من مجرد علاج المرضى إلى الرعاية الصحية التي تشمل الوقاية والعلاج وتعزيز الصحة. بدءً من الخمسينات في القرن الماضي تسارعت حركة التجديد في التعليم الطبي في اتجاه التعليم الإبداعي. من أوائل الجامعات التي بدأت حركة التجديد جامعات ماكماستر في كندا وماسترخت في هولندا ونيوكاسيل في أستراليا وبينانج في ماليزيا. وفي البلاد العربية خطت الخطوات الأولى في هذا الاتجاه كليات الطب في جامعة قناة السويس في مصر , والجزيرة في السودان , والخليج العربي في البحرين، وأبها في المملكة العربية السعودية. كل واحدة من هذه الكليات الطبية أخذت منحى في التعليم الإبداعي قد يختلف عن الكليات الأخرى ولكنها جميعها تلتقي في بضعة أمور : 1- الخروج بطلاب الطب من قاعة المحاضرات وعنابر المستشفى إلى البيئة. ليتعرفوا على أسباب المشاكل الصحية وسبل الوقاية منها قبل حدوثها. فالأمراض منشؤها البيئة وليس فصول الدراسة أو عنابر المرضى . يقوم الطلاب أثناء تدريبهم الميداني بدراسة الوضع الغذائي في المجتمع، ومصادر التلوث فيه، ويتعرفون على الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بمشاكل صحية مثل السكري وضغط الدم والسمنة وحوادث المرور. حتى يكونوا مهيئين في حياتهم العملية فيما بعد لإعطاء الرعاية الصحية الشاملة. 2- المنهج الدراسي لا يصوغه أستاذ المادة وحده ، وإنما يصوغه مجموعة من الأساتذة، يتشاورون فيما بينهم بحيث يتلاقى المنهج مع احتياجات الطالب ولا ينحصر في اهتمامات الأستاذ. ولأضرب لذلك مثلاً .. أستاذ في الأمراض الباطنية تخصصه الدقيق في الغدد الصماء. ولأن الإنسان بطبيعته البشرية يظن أن محور الأرض يمر من خلال اهتماماته الشخصية فإن الغدد الصماء وحدها قد تستأثر بالنصيب الأوفى من (المحاضرات !) التي يلقيها الأستاذ على طلابه. ولتفادى هذا يجب أن يصاغ المنهج بواسطة لجنة مشتركة تراعى احتياجات الطالب. 3- التعليم عن طريق حل المشاكل ( problem based leasning) وفيه يدرس الطلاب مشكلة صحية يغوصون في أعماقها ويقرؤون ويبحثون عنها ويلمون بأطرافها , ثم يجتمعون في الفصل الدراسي على هيئة مجموعات لإدارة حوار حولها ، وأستاذهم معهم يدلهم على مصادر المعرفة ليستقوها منها , ويشجعهم على الحوار، ولكنه يحاذر أن يزودهم بالمعلومة ذلك حتى يتدربوا على الاعتماد على أنفسهم والتعاون فيما بينهم في البحث والاستقصاء. 4- غرس عادة التعلم المستمر مدى الحياة لدى الطالب. حتى إذا ما خرج إلى الحياة العملية داوم على الإطلاع والدراسة. علوم الطب متغيرة ومتطورة. فبعد سبع سنوات من تخرج الطبيب من كلية الطب إذا لم يجدد معلوماته بالقراءة المستمرة وحضور الندوات والمؤتمرات سوف تتضاءل معلوماته، وقد يكون في ممارسته الطبية شيء من الخطورة. هذا الاستعداد للتعلم المستمر يجب أن ترسى قواعده أثناء فترة الدراسة. وليس هناك أفضل من تدريب الطالب على أن يبحث عن المعلومة بنفسه ثم يأتي لمناقشتها مع زملائه ومدرسيه. قد يكون من المفيد أن القي الضوء على أسلوب التعليم الطبي في واحدة من الكليات التي انتهجت الأسلوب الإبداعي في تدريس الطب. كلية الطب في جامعة ماكماستر بكندا. وأنبه الأذهان مسبقاً إلى أن ما قد يناسب كلية طب في كندا قد لا يكون صالحاً بحذافيره لكلية طب في مجتمعاتنا، بيد أن علينا أن نتعلم من تجربتهم، ولا نخشى أن نجرب كما جربوا. قد نخطئ ونصيب .. ولكن أذهاننا تظل مفتوحة لتحرى الأفضل. طرح المسئولون في كلية الطب في جامعة ماكماستر على أنفسهم بضعة أسئلة قد تبدو غير مألوفة للبعض منا , ولكن العقل والمنطق يقتضي طرحها ومحاولة الإجابة عليها. سألوا أنفسهم ما الذي يمنع من أن نستقبل في كليتنا الطبية طلاباً من خريجي الكليات الأدبية؟ (لاحظ أن دراسة الطب تبدأ لديهم بعد الدراسة الجامعية). بل وما الذي يمنع من أن نقبل في كلية الطب محاميا أو رجل أعمال أو مهندسا في أواسط العمر إذا أراد تغيير مسار حياته وممارسة الطب؟ جربوا أن يجيبوا على هذين السؤالين عملياً ولم توقفهم النظم والقوانين. ونجحت التجربة. وجدوا أن خريجي الكليات الأدبية إذا ما التحقوا بكلية الطب قد يجدون صعوبة في السنة الأولى من الدراسة، ولكنهم فيما بعد قد يتفوقون على زملائهم الدارسين من خريجي الكليات العلمية. ووجدوا أن المحامي أو رجل الأعمال إذا كانت لديه دوافع قوية لدراسة الطب قد يتفوق على زملائه. بيت القصيد أنهم أعطوا لأنفسهم مساحة من حرية التفكير ولم يقيدوا أنفسهم بقيود جامدة لا يملكون الفكاك منها. طالب الطب في ماكماستر منذ أن يلتحق بكلية الطب إلى أن يتخرج منها لا يتلقى إلا القليل من المحاضرات ولا يؤدي امتحانات فصلية أو سنوية أثناء دراسته. تسألني كيف؟ ينتظم الطالب منذ بداية السنة الأولى في حلقة دراسية مع مجموعة من الطلاب لا يزيد عددهم عن أثنى عشر طالبا يرافقهم أستاذ مهمته تسهيل حواراتهم وليس تزويدهم بالمعلومات. أستعرض هنا نموذجاً للتعليم من خلال البحث والاستقصاء و الحوار. مجموعة من الطلاب الجدد في الكلية تعرض عليهم حالة طفل مصاب بإسهال وهم بعد لا يعرفون شيئاً من أساسيات الطب. يبدؤون في طرح أسئلة على أنفسهم ما هو الإسهال؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ يناقشون هذه القضية لمدة ساعتين ثم ينفرط عقدهم ليبدؤوا في القراءة والبحث والاستقصاء و محاولة الإجابة على الأسئلة التي طرحوها على أنفسهم. بعضهم يذهب فيقرأ عن أسباب الإسهال، وآخر يدرس تشريح وفسيولوجية الجهاز الهضمي، وثالث يذهب إلى بيت الطفل بحثاً عن الظروف البيئية التي قد تكون أدت إلى الإسهال، وغيره يسارع إلى المستشفى ليتعرف على وسائل العلاج الذي أعطى للطفل. ومنهم من يلم بالمختبر ليتعرف على الفحوصات التي أجريت له. يعطى الطلاب لأنفسهم أياماً للقراءة والبحث والتحري يعودون بعدها ليجتمعوا في حلقة نقاش. كل منهم يدلي بما عرف وبما وجد. وفي نهاية الجلسة يجدون أنفسهم ما زالوا في حاجة إلى مزيد من المعلومات، فيضعون ثبتاً بها ثم يوزعون المهام فيما بينهم وينفضون لجمع المزيد من المعلومات. قد يمضون شهراً في دراسة مشكلة واحدة. هم الذين يديرون حلقات النقاش وهم الذين يوزعون المهام فيما بينهم. دور أستاذهم يقتصر على تسهيل العملية التعليمية إذا تعثرت. يتركهم يبحثون ويتعلمون بأنفسهم. ومن هنا لقب الأستاذ بالمساند Facilitator . والقاعدة هي أن الأستاذ المتميز هو الذي يكاد ينسى الطلاب وجوده بينهم. شاركت في ندوة عقدت في كلية الطب بجامعة الينوي بالولاياتالمتحدةالأمريكية مع مجموعة من عمداء وأساتذة كليات الطب من بلدان مختلفة . جعلونا نشاهد ثلاث جلسات حوار لثلاث مجموعات من الطلاب ومع كل مجموعة أستاذهم . استغرقت كل جلسة ساعتين . طلب منا في نهاية الجلسات أن نقوم الأساتذة الثلاث , وكان معيار التقويم هو : من من الأساتذة نسى طلابه وجوده معهم!! تسألني وكيف لا يخضع الطلاب لامتحانات تفرق بين الشاطر والخائب ؟ القضية بسيطة .. إذا ما وجدت المجموعة أن أحد أفرادها بليد أو كسول من حقهم إذا اجتمعت كلمتهم أن يخرجوه من مجموعتهم. وفي هذه الحالة من الصعب أن تتقبله مجموعة أخرى ، ومن هنا فهم ليسوا في حاجة إلى من يمتحنهم. هم رقباء على أنفسهم. أريد أن أكرر ما سبق إن قلته. لسنا ملزمين بإتباع مدرسة ما شرقية أو غربية. ولكن علينا أن نستفيد من تجارب الآخرين وأن تعطى أنفسنا الفرصة لكي نجرب كما جربوا. ونتعلم من أخطائنا. هذه الاتجاهات التي ندعوها حديثة في التعليم الطبي , بما في ذلك التعليم الذاتي والتعليم المستمر والتعليم عن طريق حل المشاكل , لها جذور في تاريخنا . هذا أبو بكر بن زكريا الرازي (235 320ه ) كان يعلم تلاميذه الطب عن طريق الممارسة العملية و التصدي لحل المشاكل. يجلس إلى دروسه و دونه تلاميذه ، ودونهم آخرون ، فكان يجيء الرجل فيصف ما به من عله لأول من يلقاه منهم ، فإن كان عنده علم وإلا تعداه لغيره، فإن أصابوا، وإلا تكلم الرازي في ذلك. وهذا صنوه في الموسوعية الرئيس ابن سيناء (371ه 428ه ) الذي ألف في الطب ، والميتافيزيقا، والفلك، والفلسفة، والشعر. من أقواله " كنت أرجع بالليل إلى داري، و أضع السراج بين يدي، وأشتغل بالقراءة والكتابة، فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف ، عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إليّ قوتي ، ثم أرجع إلى القراءة ". وهذا الطبيب موفق الدين عبد اللطيف البغدادي يرسي قواعد العلاقة بين الطالب و أستاذه فيقول : " عليك بالأساتذة في كل علم تطلب اكتسابه، و لو كان الأستاذ ناقصاً، فخذ عنه ما عنده، حتى تجد أكمل منه، وعليك بتعظيمه وترحيبه، وينبغي أن تعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم، وتتثبت ولا تعجل، ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء، لم يعرف الفضيلة ولم يبجله الناس، ومن لم يتحمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم، ومن لم يكدح لم يفلح "و بعد : على الطبيب أن يدرك أنه مهما بلغ علمه ، فإن أسرار الجسم البشري لا يزال أكثرها مغلقاً ، والنفس البشرية لا زالت أبعد غوراً من مداركنا المحدودة و لعل شاعرنا القديم يعبر أصدق تعبير عن ذلك حين يقول : يقول لك الطبيب دواك عندي إذا ما جس كفك و الذراعا و لو عرف الطبيب دواء داء يرد الموت ما قاسى النزاعا علنا إذا تذكرنا ذلك عرفنا معشر العاملين في الحقل الصحي حدود قدراتنا، واطرحنا ما قد يلم ببعضنا من غرور، وظننا بأنفسنا خيراً. مشاكل التعليم الطبي في بلادنا العربية متعددة الجوانب. اذا جاز لي ان ألخصها فهي : 1- غياب الهدف من التعليم الطبي في أكثر الكليات الطبية. وإذا ما وجدت هدفاً مكتوباً فهو في أكثر الأحوال لا يعدو أن يكون "إنشاء كلية متميزة يقبل خريجوها للدراسات العليا في الجامعات الغربية" ونادراً ما تجد الهدف ينطق ويقول "بأن يكون الخريج مهيئاً لرفع المستوى الصحي في المجتمع". تحضرني هنا كلمة الأستاذ العقاد رحمه الله "غناك في نفسك، وقيمتك في عملك، ودوافعك أولى بالتحري من غاياتك". يجب أن نسأل أنفسنا لماذا ننشئ كلية طب و ماذا سيفعل خريجوها؟ أذكر أني عندما كلفت بإنشاء كلية الطب بابها كنا نستضيف عمداء وأساتذة من كليات الطب في أمريكا و كندا وبريطانيا لنتشاور معهم في وضع المنهج التعليمي ومع كل زيارة لمجموعة منهم كنا نطلب من سمو أمير منطقة عسير أن يوفر لنا طائرة هيلوكبتر تأخذنا من مدينة أبها على قمم الجبال إلى تهامة بمحاذات ساحل البحر. نزور القرى ونلتقي بالسكان ونتفقد ظروف البيئية. لنعطى زوارنا الانطباع بأننا ونحن نتطلع إلى إنشاء كلية طب متميزة نضع في اعتبارنا أن بعض خريجيها قد يعملون في مثل هذه البيئات , وعلينا أن نهيئهم لرفع مستوى الصحة فيها بالعلاج والوقاية والتطوير. 2- التعليم التقليدي الذي ينتقل فيه العلم من الأستاذ المحاضر إلى الطالب المستمع يجب أن يكون الاستثناء وليس القاعدة في التعليم. نحن محتاجون إلى جرعة أكبر من الحوار والنقاش أو ما يسمى بالتعليم النشط. لن نستغني عن المحاضرة الجيدة ولكن يا حبذا لو كانت المحاضرة منطلقاً للحوار. لا بد لي أن أقول أن أعداداً متزايدة من الكليات الطبية في المملكة وفي بقية الدول العربية أصبحت تعني بصور متفاوتة بتوجيه الطالب للحصول على المعلومة بنفسه ومن ثم المشاركة في حلقات نقاش مع زملائه. إلا أننا ما زلنا في حاجة إلى المزيد. 3- كثير من كليات الطب لا تعطى أهمية كافية للتدريب الميداني الذي يخرج فيه الطلاب إلى المجتمع ليتعرفوا على المشاكل الصحية فيه .. أسبابها ونتائجها , وعلاقاتها المتداخلة مع العوامل البيئية والاقتصادية والثقافية والعادات والتقاليد. وليتدربوا على جمع الإحصاء الحيوي وتحليله وتطبيق نتائجه. هذا الاتجاه نرجو أن يسود ليس فقط في السنوات النهائية و إنما بدءً من السنوات الأولى من التعليم الطبي. 4- يعتقد الكثيرون أن التدريب السريري أفضل مكان له هو المستشفى الجامعي. إلا أن الدراسات تشير إلى أن طالب الطب إذا أقتصر تدريبه السريري على المستشفى الجامعي فلن يتعرف إلا على جزء من المشاكل الصحية الموجودة في المجتمع. فالمستشفى الجامعي لا تصله كل الأطياف من المشاكل الصحية. ولذا فالتوجه الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية هو أن لا يقتصر التدريب السريري على المستشفى الجامعي وإنما يجب أن يتدرب الطالب أيضاً في المستشفيات العامة والمراكز الصحية والصحة المنزلية , حتى يتسنى له الإلمام بأكبر قدر من المشاكل الصحية وطرق حلولها. 5- تفتقد كثير من كليات الطب إلى مختبرات المهارات( Skill Labs) . في هذه المختبرات يتدرب الطالب على المظاهر الإكلينيكية لكثير من الأمراض باستخدام المجسمات البلاستيكية وغيرها قبل أن يذهب إلى التدريب السريري في المستشفى. وهو بهذا يكتسب الدربة على الفحص السريري قبل أن يتعامل مع المريض. 6- المبالغة في صرف الموارد المالية المحدودة على المباني والأجهزة والمعدات . في حين أن الأساس والركيزة للتعليم الجيد ليس البناء الفخم وإنما هو الأستاذ القدير، والمنهج الدراسي الملائم، ومدى حماس الطالب لتلقي العلم. يذكرني هذا بما ذكره السير ونستون تشر شل في كتابه عن تاريخ الثورة المهدية. وكيف أن القوات البريطانية عندما أرادت أن تمد خطاً للسكة الحديد أنشأت مدرسة لإمداد الأهالي بالخبرة اللازمة لإدارة سكك الحديد. أنشأتها في الريف في ظلال النخيل . وكان تعليق المؤلف أن حماس الطلاب وسرعة استيعابهم تحت ظلال النخيل ليفوق استيعاب رصفائهم في أعظم المدارس في البلاد المتقدمة اقتصادية. هذا الأمر أكدته دراسة أجرتها جامعة أريزونا عن العوامل التي أدت إلى نجاح التعليم الأهلي الجامعي في الولاياتالمتحدة الأهلية وذكرت من بينها التركيز على المنهج الجيد واستخدامات تقنيات التعليم، وليس المباني الضخمة * - الحديث لا يكاد ينتهي عن أساليب التعليم الطبي ولكن آن الأوان لننتقل إلى قضية أخرى .. بأي لغة يجب أن نتعلم الطب ؟كتبت كثيراً عن هذا الموضوع وتحدثت فيه بإسهاب في كتابي "تجربتي في تعليم الطب باللغة العربية".** أنني أكاد أجزم بأننا لن نتقدم علمياً وحضارياً وثقافياً إلا إذا احترمنا لغتنا العربية وعلمنا وتعلمنا بها. كلما أثريناها أثرتنا، فاللغة وعاء للمعرفة والثقافة. هذا الأمر لا يتعارض مع إجادة اللغات الأجنبية فهذا أمر حتمي تتطلبه طبيعة العصر الذي نعيشه. المشكلة تتلخص فيما يلي: يعتقد التعض أننا إذا علمنا علما من العلوم مثل الطب أو الهندسة باللغة الإنجليزية فإن هذا يساعد الطالب على إجادة اللغة الإنجليزية . وهذا خطأ بين . فالوسيلة المثلى لتعلم لغة أجنبية هي أن يتعلمها الدارس كلغة. يتعلم مفرداتها وقواعدها ونحوها وصرفها. وهذا ما تفعله دول صغيرة نسبياً مثل فنلندا والسويد والدانمرك والنرويج وهولندا وإسرائيل. جميعها تعلم الطب بلغاتها . ولكن على الطالب أن يجيد لغة أو أكثر من اللغات الحية - يعتقد البعض أن التعابير الطبية في كتب الطب من الكثرة بمكان بحيث يتحتم علينا التعلم باللغات الأجنبية .. ولمن شاء أن يفتح صفحات أي مرجع طبي ويحسب نسبة التعابير الطبية فيه (بعد حذف التكرار) سيجدها لا تزيد عن 3.5% . ------------------------------------------------------ - F. Craig Baker, College of Business and Public Administration,* - University of Arizona. The Establishment of a Private University in the Kingdom of Saudi Arabia. Report, 2000 - * زهير أحمد السباعي. تجربتي في تعليم الطب باللغة العربية. نادي المنطقة الشرقية بالدمام: الطبعة الثانية 1996 - الطالب الذي يدرس بلغة لا يجيدها من البدهى أن يتعثر في القراءة والتعبير، ويلجأ إلى الدراسة من الملخصات بدلاً من المراجع، ويحجم عن النقاش والحوار خشية الخطأ. أرجو من المسئولين عن التعليم الطبي في البلاد العربية أن تجتمع كلمتهم ليبحثوا هذا الأمر بجدية وأن يصدروا قراراً بتعليم العلوم الطبية وغير الطبية باللغة العربية مع إلزام الطلاب بإجادة لغة أو أكثر أجنبية.