يفني الأطباء المبتعثون زهرة شبابهم في دراسة التخصصات الطبية الدقيقة في أرقى الجامعات الأجنبية، ثم يعودون إلى بلدهم، مفعمين بالحماس، مزودين بمهارات عالية، وتحدوهم آمال كبيرة لرد جميل مجتمعهم عليهم. وليت الحال يقف عند معاناة كثير منهم من صدمة اجتماعية كبيرة لدى عودتهم إلى ديارهم، نتيجة السلوكيات المنفلتة، لكن معظمهم يصدم بواقع مهني وإداري أليم، نتيجة خلل في بعض الأنظمة الطبية، وبيروقراطية عتيقة، ونقص الوسائل التقنية والإمكانيات العلاجية، وتقصير الهيئة السعودية للتخصصات الصحية في حمايتهم من الأخطاء الطبية، إضافة إلى تسلط بعض الإداريين من زملائهم غير المتميزين، الذين فطنوا إلى اهتزاز البنية المهنية، فآثروا التواري خلف مكاتبهم ووهج المنصب. هناك ضياع للطاقات، ومضيعة للأوقات، لا تقرهما الدولة، ولا يرضاهما المسؤولون الصحيون، ولا الأطباء والطبيبات، الذين يتطلعون من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إلى تحقيق رؤية والدهم الملك عبد الله وأهدافه الطموحة، وخدمة وطنهم وأهلهم، وتحقيق مزيد من الأمان الوظيفي والإبداع المهني. هناك انخفاض في مستوى بيئة العمل، وعجز معظم الإدارات الطبية عن التعامل مع الكوادر السعودية المبتعثة بشكل يضمن حقوقهم، ويحفزهم على الإبداع، ويوفر لهم الراحة النفسية، والإمكانيات التقنية، إضافة إلى وجود من يسيء تقديرهم، ويتفنن في مضايقتهم. يتردد في الوسط الطبي، أن هناك خطة إدارية، في شركة وطنية كبرى، لتقليص خدماتها الطبية بشكل كبير، والاستغناء عن (187) طبيبا سعوديا، رغم استثمارها بلايين الريالات في ابتعاثهم على مر العقود الماضية، وبالتالي دفع معظمهم إلى الاستقالة، ومواجهة مستقبل مجهول، كما يتردد أن الشركة عازمة على «التبرع بهم» لبعض المستشفيات الخاصة للعمل لديها «بنظام السُّخرة»، حتى تتخلص من هم إدارة مواردهم، وتتملص من مسؤولية العناية بمرضاها بصورة مباشرة. وإلى أن تتوافر الأرض الخصبة لازدهار الغرسات الصالحة من أبناء الوطن من الأطباء والطبيبات، وحتى يتم تطوير الأنظمة المراعية لحقوقهم، المحفزة على أدائهم لواجباتهم، أقترح تفادي الإحباطات المتوالية التي تصدم معظم من عاد متسلحا بالتخصصات الطبية النادرة، وإرجاء مشروعات ابتعاث الأطباء السعوديين، تجنبا لكسر المعنويات، وهدر الأموال والقدرات. *استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم