الطبيبة هي المرحومة الدكتورة نور ابنة الصديق والزميل محمد علي البار. توفاها الله إلى رحمته منذ أسابيع مضت ولم تتعد الثلاثين سنة من عمرها بسرطان الثدي وهي تكمل دراستها العليا في الطب النفسي في أمريكا. أثناء صراعها مع المرض وضعت كتابا (رحلة البحث عن معنى) تحكي فيه قصتها مع السرطان، وتصف مشاعرها حيال ما حولها من أحداث ومن حولها من بشر. قدرت وأنا أتصفح كتابها أني سوف أشير إليه في حلقة واحدة من «في ركني»، ولكني وجدت نفسي أستطرد في الكتابة عنه في أكثر من حلقة، لما وجدت فيه من لمسات إنسانية ومن عظة وعبرة للقارئ . إنسانة تواجه الموت بشجاعة وتسليم بقدر الله. في مقدمة الكتاب يذكر لنا والدها د. محمد علي البار أنها حفظت أجزاء من القرآن وهي بعد صبية في مقتبل العمر، وأنها كانت الأولى على دفعتها في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز، كما حصلت على لقب الطالبة المثالية في الجامعة. أصيبت نور بالمرض في أمريكا وهي حامل فنصحها الأطباء بإنهاء حملها حتى لا تضيف إلى أعباء المرض أعباء الحمل والولادة، بيد أنها أصرت على استمرار حملها إلى أن وضعت طفلتها مريم. ثم توفاها الله إلى رحمته. تقول نور في تمهيدها لكتابها : «في هذا الكتاب أشاطر قارئي جزءا من روحي خلال تجربة فريدة. تجربة إصابتي بالسرطان وأنا حامل.. حيث يصبح الموت قريبا جدا والخيارات شائكة.. وحيث يصبح الإيمان بخالق عظيم مدبر وقادر هو طوق النجاة.. وضعته في مقالات قصيرة وبأسلوب قصصي سلس لتكون قراءته ميسرة لأي أحد.. أرجو أن يجعله الله بلسما ونورا لكل قلب متألم يمر بمحنة أيا كانت.. ومن منا لم يمر قط بمحنة». أخذت تناجي ربها فتقول «أردت أن أكتب إليك قبل كل شيء.. لأقول لك (ياربي).. لا أدري حقا كيف أشكرك.. ما أعظم هذه النعمة التي أوقفتني عن الركض الأعمى. إنك أخذتني من وسط كل الضوضاء.. والركض.. الأنفاس المتسارعة...لأقف في سكون بين يديك.. وأنعم بقربك.. وتغمرني برحمتك.. وأستعيد لذة مجالستك. وحشتني يارب. حقا وحشتني. كم من زمن مر دون علاقة حقيقية وإن كنت أصلي لك خمس مرات. كم من زمن مر. والصور والناس والأحداث توقف كل محاولة مني للقرب منك. فلا أجد نفسي إلا أغوص أكثر وأكثر في وحل الغفلة. فقد كل شيء طعمه بدونك. وصارت كل الألوان باهتة. فيالفرحتي بهذا المرض الذي أعطاني الفرصة لأقف وأترك كل شيء خلفي، وأجلس إليك كما كنت قبل سنين. حقا اشتقت إليك». بمثل هذه الروح قابلت نور خبر إصابتها بالسرطان. وعلها تأست بقصة الزميلة الدكتورة سامية العامودي التي أصيبت هي الأخرى بسرطان الثدي _ نسأل الله أن يمن عليها بالصحة والعافية _ فأذاعت الخبر بين أفراد أسرتها، ثم عبر وسائل الإعلام على مستوى العالم، لتقول للسيدات.. جميع السيدات.. رجاء لا تهملن الفحص الدوري للثدي. فالتشخيص المبكر للمرض كفيل بعلاجه مبكرا، والوقاية من مضاعفاته.. بقلم زهير أحمد السباعي