من بين التوصيات التي خرج بها المشاركون في المؤتمر الصحي الدولي الذي عقد في جامعة الجزيرة بالسودان. كانت هناك توصية رئيسة حظيت بالإجماع. تدعو التوصية إلى تأكيد أهمية الشراكة بين مقدمي الرعاية الصحية وأفراد المجتمع في تخطيط وتنفيذ ومتابعة وتقييم البرامج الصحية. خاصة في المجتمعات التي تحيط بمراكز الرعاية الصحية. هذه التوصية تأكيد للتوصية التي تمخض عنها مؤتمر الما آتا الذي عقدته منظمة الصحة العالمية في السبعينات من القرن الماضي، وأكدت فيه أن نجاح برامج الرعاية الصحية لا يتأتى إلا بمشاركة أفراد من المجتمع في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم. كثيرا ما تسمع تعابير سلبية تقول بأن أفراد المجتمع لا يملكون المشاركة في وضع الخطط والبرامج الصحية، لأن ليس لديهم الإدراك الكافي، أو لأنهم مشغولون بتدبير أمور حياتهم.. أما أن الفرد في المجتمع ليس لديه الإدراك الكافي فما ذلك إلا لأننا كمسؤولين ومخططين صحيين قصدنا أن نقوم نيابة عنه بالتخطيط والتدبير، ثم أليست الصحة على رأس الأمور الحياتية للفرد؟ سوف أتجاوز الأدبيات الصحية التي تراكمت عبر السنين، والتي أثبتت أن مشاركة أفراد من المجتمع في تخطيط وتنفيذ البرامج الصحية خاصة على المستوى المحلي (مستوى المستشفى والمركز الصحي) من أهم العوامل التي تسهم في نجاح البرامج الصحية، لآتي إلى ذكر بعض تجاربي الشخصية مما قد يلقي بعض الضوء على ذكرت. كنت في زيارة استطلاعية لبعض المراكز الصحية في الباحة. لاحظت أن طبيب المركز الصحي مشغول بتطبيب ما لا يقل عن 50 مريضا في اليوم ولا يقوم بأى دور يذكر في الاكتشاف المبكر للأمراض، أو التثقيف الصحي، أو إصحاح البيئة، أو برامج التغذية. سألته لماذا؟ قال ليس لدي وقت فأنا أعالج مرضاي. ذكرت له أن البحوث العلمية تقول أن 80% من مراجعي العيادات الخارجية في المراكز الصحية لا يحتاجون فعلا إلى رعاية الطبيب. إذ إن أمراضهم إما بسيطة يمكن للمساعد الصحي أن يتصدى لعلاجها بكفاءة إذا ما درب على ذلك، أو أنها لا تحتاج أساسا إلى علاج وستختفي بدون حبة دواء. بعد شيء من الاستنكار أعقبه بعض القناعة أستدرك قائلا بأن المسؤولين لا يوافقون على أن تقوم الممرضة أو المساعد الصحي بعملية الكشف المبدئي على المرضى، وعلاج الحالات البسيطة، وإحالة الحالات التي تستدعي تدخل الطبيب إليه. كما أن المجتمع نفسه لا يوافق على ذلك. لو أن القضية بحثت من جميع جوانبها علميا وعمليا لاقتنع النظام الصحي بأن من الأولى لوقت الطبيب في مراكز الرعاية الصحية أن يصرفه بتوازن يجمع بين علاج الحالات المرضية التي تستدعي تدخله، والخروج بفريقه الصحي إلى خارج جدران المركز الصحي.. إلى المجتمع.. للإكتشاف المبكر للإمراض، والتثقيف الصحي، ورعاية الأمهات والأطفال وغير هذا وذاك من النشاطات الوقائية. أما عدم موافقة المجتمع فموضوع آخر قابل للنقاش... وللحديث بقية. بقلم زهير أحمد السباعي