رأى باحث ألماني أن الجسم البشري ليس مهيئاً بطبيعته للعبور من حيز زمني إلى آخر من دون الشعور بالتعب والإعياء والغثيان وهي... أعراض تحصل بسبب اضطرار الكثيرين للقيام برحلات جوية طويلة تنقلهم من بلد إلى آخر تختلف فيه الأوقات من أجل متابعة أعمالهم التجارية أو غير ذلك. وقال الباحث من معهد ماكس بلانك للكيمياء البيوفيزيائية في غوتنغن بألمانيا غريغو ايشيلي لموقع "لايف ساينس" إن الإنسان المعاصر مضطر لدفع ثمن "بيولوجي" إذا أراد العمل في عالمنا المعاصر، موضحاً أن كل عضو في الجسم يتبع توقيتاً معيناً حسب ساعة منفصلة به. وأضاف ايشيلي " إن الاضطرابات التي تحدثها الرحلات الجوية الطويلة تسبب فوضى عارمة للساعات " البيولوجية" المختلفة"، مشيراً إن هذا ما أثبتته دراسة أجريت على فئران مختبر حرمت من النوم وتم اختيارها لأن ساعاتها البيولوجية الداخلية شبيهة بالتي لدينا. وقال ايشيلي إن دماغ المسافر عبر القارات قد يتأقلم مع توقيت باريس مثلاً بعد يوم من وصوله إليها ،ولكن بنكرياسه قد يواصل العمل وفق توقيت نيويورك، في حين أن كليتيه تحسب الثواني كما لو أنها في مكان آخر فوق المحيط الأطلسي. ومن أجل معرفة الطريقة التي تعمل فيها هذه الساعات البيولوجية أيقظ ايشيلي مجموعة من فئران المختبر من نومها قبل ست ساعات من وقت استيقاظها المعتاد، وهي الفترة الزمنية التي يتطلبها السفر من مدينة شيكاغو الى لندن، ثم سجل التغيرات التي في نشاطها الجيني خلال تأقلم أجسامها أثناء الأيام الثمانية أو التسعة التي أعقبت ذلك. ووصف ايشيلي الجينات بأنها المحرك المسؤول عن ساعاتنا البيولوجية الداخلية، موضحاً أن جميع أعضاءنا تمتلك الساعات الجينية العشرة تقريباً والتي تتحكم في إنتاج الجزيئات التي تجعل الوقت يسير وفق إيقاع منتظم، لافتا ً إلى أنه على الرغم من أن الكبد والجلد والدماغ تتشارك الساعات الجينية نفسها إلا أنها تسيّر ساعاتها بشكل منفصل عن الأخرى. وتبين لفريق البحث بقيادة ايشيلي أنه عند حرمان الفئران من النوم تأقلمت بعض هذه الجزيئات بسرعة أكثر من غيرها. وقال ايشيلي إن الساعات البيولوجية في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الطاقة مثلاً قاومت التغيرات لعدة أيام ولفترة أطول مقارنة بتلك التي للكليتين. وأضاف ايشيلي في الدراسة التي نشرت أمس الأربعاء في مجلة الاستقصاءات السريرية "إنها أول خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل إيجاد علاج لهذه المشكلة". و رأى إن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن أدوية لذلك في وقت قريب. من جانبه قال الاختصاصي في علوم الأعصاب في جامعة بريستول ببريطانيا الذي اكتشف هذه التأثيرات كي تشو " نعرف أن الاضطرابات التي تحدثها الرحلات الجوية الطويلة تسبب الضغط النفسي وتؤثر على صحتنا". وأضاف" إن هذا البحث الجديد يطرح تساؤلات عن أحد أكبر الأسئلة في البيولوجيا وهي كيف تتغير الجينات بسبب اضطرابات النوم والاستيقاظ". وقال " إننا بكل صدق لا نعرف ماذا تفعل هذه الجينات في الجسم وإذا حاولنا التلاعب بشيء ما فقد تكون العوارض الجانبية أسوأ مما كنا نعتقد".