أعود مرة أخرى إلى الاجتماع الذي ضمنا نحوا من 15 طبيبا التقينا لكي نناقش مستقبل الرعاية الصحية في بلادنا. تسامع معالي وزير الصحة المكلف المهندس عادل فقيه باجتماعنا المرتقب فطلب من بعض مستشاريه أن يشاركونا فيه لتبادل الرأي والمشورة. استعرضنا في لقائنا من بين ما استعرضناه قضية الرعاية الصحية الأولية (والتي آمل أن نسعى إلى تسميتها بالرعاية الصحية الأساسية إذ أن هذا أجدر بتقريب أهدافها ومفاهيمها إلى الناس)، وأهميتها في توفير الرعاية الشاملة التي تجمع بين الوقاية والعلاج والتأهيل على أن يكون ذلك بالتعاون الوثيق مع أفراد المجتمع (بدلا من دورها الذي يركز حاليا على العلاج ولا يتعداه إلى الوقاية والتأهيل إلا في حدود ضيقة لا تفي بالحاجة)، كما تحدثنا عن أهمية تطوير التعليم الطبي في كليات الطب والعلوم الصحية والمعاهد الصحية من أجل تخريج أجيال من العاملين الصحيين المهيئين فكرا وممارسة لإعطاء الرعاية الصحية الشاملة. وفي نهاية المطاف تطرقنا إلى الحديث عن الإدارة الصحية واجتمعت آراء المشاركين في اللقاء على أن لا سبيل إلى التطوير الصحي في ظل مركزية القرار التي تمارس حاليا في أكثر مؤسسات الرعاية الصحية. لعله مما يبعث الأمل في النفوس التوجه الذي نراه لدى معالي وزير الصحة وزملائه في الوزارة حيال تطبيق أسلوب اللامركزية في الإدارة. وأرجو أن لا يظن ظان أن تحقيق اللامركزية أمر سهل بل هو أمر تكتنفه صعوبات جمة. صعوبات يمكن التغلب عليها بالصبر والحكمة والتخطيط السليم. على رأس هذه الصعوبات حرص بعض المسؤولين على المركزية. سيئو الظن يعزون هذا الحرص إلى تمسك المسؤول بالسلطة وما يتصل بها من وجاهة. بينما حسنو الظن من أمثالي يعزونها إلى عدم ثقة المسؤول في قدرات الآخرين على تحقيق ما يستطيع هو تحقيقه. أضف إلى ذلك قناعته بأن الآخرين ليسوا مهيئين بعد لتحمل المسؤولية. إذا ما أخذنا الأمر على محمله الحسن فإننا نستطيع أن نسأل المسؤول.. وهل تراها أعقمت ؟، وماذا عن التدريب ثم التدريب ثم التدريب؟، وماذا عن وضع الإنسان موضع المسؤولية وإحاطته بالبيئة الصالحة للإنتاج. ثم محاسبته على النتائج. كم يحز في النفس أن تجد كثيرا من المشاريع الصحية الواعدة تتأخر عن موعدها المقدر لأن المسؤول عن التنفيذ ليس لديه الصلاحية لأخذ القرار المناسب في الوقت المناسب وتحمل مسؤوليته. كثيرا ما تراه حسب النظام يحيل اتخاذ القرار إلى مستوى أعلى وقد يرفع الأمر إلى مستوى أعلى فأعلى، والنتيجة تعثر المشروع، وقد يحبط المسؤول عن التنفيذ وينتهي به الأمر إلى أن يهمس لنفسه بالمقولة التقليدية.. وأنا مالي !.. نتمنى لوزارة الصحة التوفيق في هذا الاتجاه الذي نرى بوادره في التخلص من مركزية القرار. بقلم زهير أحمد السباعي