إعتاد كثير من الناس العيش ضمن هامش الحياة، والسير في الظل، متجنبين الأضواء، ملتحفين بالخفاء، اختاروا الخمول والصمت، تنازلوا عن أهدافهم، ودفنوا أحلامهم. ولعل ذلك يعود إلى غياب طموحهم، أو تمكن الإحباط من نفوسهم في خضم معترك الحياة، أو إلى ضعف إمكاناتهم الفكرية والنفسية، أو لاضطرابات سلوكية، ثبطتهم عن التنافس الشريف وإثبات الذات. ومن مظاهر هذا السلوك السلبي، السكوت عن الظلم الاجتماعي، والمحاباة الشخصية، والخوف من إبداء الرأي، وتجاهل الأحداث المحيطة والانشغال عنها بالتّبَعية والأنانية. وقد تظهر هذه السلوكيات، نتيجة غلبة تيارات اجتماعية أو فكرية، تقمع مخالفيها بأسواط الكلام والملام، أو بسبب تسلط تحزبات إدارية، جمعتها مصالح شخصية، لا يطيق أكثرهم مواجهتها، فيسكتون عن قول الحق، ويلجأ أحدهم إلى النفاق الاجتماعي، فيمتدح مَساوِئَهم، ويبارك ظُلمهم، درءا لشرورهم، أو رغبة في إرضائهم، ولو على حساب أمانته. ولعل هامش الحياة طريق آمنة لمن أرادها، تُريح الإنسان من وجع الرأس الذي يُسببه التفكير في هموم المجتمع، ومَسلك خجول، يعيش معه الإنسان بضمير نائم، راضيا بقليل الدرجات العلمية، والامتيازات المهنية، بعيدا عن عبق الإبداع والتميز. وببالغ الأسى أقول: إن البيئة الوظيفية والأكاديمية في كثير من المؤسسات والإدارات في المجتمع السعودي، تشجع على التراخي والكسل، وتطفئ جذوة الإبداع، جرّاء بعض الأنظمة الروتينية العتيقة العقيمة، وضعف الحوافز، وتسلط بعض المسؤولين وأعداء النجاح، فضلا عن تفشي الفساد الإداري المُركّب. ولعل في هامش الحياة متسع لكثير من المغلوبين على أمرهم، المنهزمين فكريا، لكنه يبقى هامشا مُغيّبا، وإن جال ساعة، لايُوصل سالِكيه إلى مراتب سامية، يتطلع إليها المخلصون، ويبلغها الأكفاء الُمجدون، مهما طالت بهم جادة السبيل القويم، أو تعرضوا لعقباته الكؤودة، فهم "ليسوا في الحياة هامشيين". *استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم بجدة