العام 2010 لم يكن عاماً عادياً بالنسبة للتيار السلفي الذي يحظى بثقة الرأي العام السعودي بنسبة يرى بعض المراقبين أنها تتجاوز ال 90 % . حيث صدرت في هذا العام عدة فتاوى استغرب البعض صدورها من أصحابها بالتحديد ، إلا أن البعض عزا ذلك إلى قوة الضغط الليبرالي الذي لا بد وأن يولد الانفجار ، حيث يهدف الليبراليون عادةً إلى الضغط على ممثلي التيار الإسلامي إلى أن يخرجوا عن طورهم ويفتوا بمثل هذه الفتاوى الغريبة بنظرهم والتي يخسرون بها أحيانا ثقة صاحب القرار وثقة الرأي العام معاً . فيما يرى آخرون بألا شيء يولد مثل تلك الفتاوى إلا العجلة والتسرع وعدم دراسة عواقب الأمور . أول هذه الفتاوى كانت فتوى الدكتور / سعد الشثري عضو هيئة كبار العلماء ( سابقاً ) حيث خرج في برنامج مباشر على قناة المجد وجاءه سؤال عن حكم الاختلاط الحاصل في جامعة ( كاوست ) فأفتى بالتحريم ، مخالفاً بذلك كثيراً من أهل العلم وهيئة كبار العلماء الذين لم يفتوا بمثل ما أفتى به ولم يعلقوا على ماحدث ، وهو ما أدى إلى تعرضه لحملة صحفية كبيرة استهدفت تشويه سمعته من قبل الإعلاميين الذين لا يخفي بعضهم توجهاته الليبرالية ، لاسيما وهم يحظون بنسبة 90 % تقريباً من القطاع الإعلامي بأنواعه المرئي منه والمقروء والمسموع . هذه الحملة التي استهدفت الدكتور الشتري ربما أدت لإقالته من منصبه بعد ذلك بأيام . " ابناؤكم " التي تابعت هذه التنقلات والسجالات لاحظت أن سهام النقد ضده رغم ذلك لم تتوقف إذ تعدت التيار الليبرالي إلى التيار السلفي نفسه الذي ينتمي له الدكتور الشثري ، حيث أدلى معالي وزير العدل الدكتور / محمد العيسى بتصريح لجريدة الرياض انتقد فيه الدكتور الشثري وأفتى بجواز الاختلاط بعدما استشهد ببعض الأدلة التي تسند موقفه هذا . وناصره في ذلك الشيخ / عيسى الغيث القاضي بالمحكمة العامة بالرياض الذي أيد معالي الوزير في فتواه ، وأضاف لها مزيداً من الآيات والأحاديث التي تبين جواز الاختلاط . وتعدى الأمر هؤلاء إلى المعنيين بمحاربة الاختلاط وهم / الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حيث أفتى رئيس هذا الجهاز في منطقة مكةالمكرمة بإباحة الاختلاط ، وأنه لايوجد ما يمنع من ذلك شرعاً ، وأفتى بأمور أخرى كثيرة حول هذا الشأن . هذه الفتاوى التي تابعتها " ابناؤكم " والتي تصدر لأول مرة عن علماء في المملكة العربية السعودية جعلت بعض المتتبعين يتساءلون عن سر اختفاء هذه الأدلة طوال العقود الماضية. لكن طوفان الفتاوى المعارضة لم يتوقف ، حيث أشعل الشيخ / عبدالرحمن البراك الساحة مجدداً بفتواه القنبلة التي أباح فيها قتل من يبيح الاختلاط . وهذه الفتوى تناقلتها وكالات الأنباء الأجنبية مبدية حيالها أشد الاستغراب . وأصدرت العديد من المجامع العلمية بيانات عاجلة تستنكر ما جاء في هذه الفتوى شكلاً وموضوعاً . ومع وقوف كثير من علماء السعودية صفاً واحداً ضد هذه الفتوى ، فإن هناك من أيدها وطالب بالنظر في لب الفتوى وقراءة مضمونها ، وعدم الاكتفاء بقراءة العناوين . ومن هؤلاء الدكتور / محمد النجيمي الذي جمع النقيضين بتأييده لقتل من يبيح الاختلاط ، وحضوره في ذات الوقت لمناسبة مختلطة في الكويت . الدكتور محمد العريفي لم يكن بعيداً عن هذا السجال في مناسبتين ، أولاهما كانت في ذروة اقتحام الحوثيين للأراضي السعودية ، إذ كان وقتها يخطب الناس يوم الجمعة ارتجالاً في أحد جوامع الرياض ووصف في خطبته المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني بأنه ( شيخ كبير زنديق فاجر ) . وهو ما أدى إلى أن تسن أقلام الليبراليين عليه بكرةً وعشياً على أمل أن يحيد أو يتراجع عما قال . إلا أن الرد لم يكن من العريفي بل كان من السيستاني الذي قال بأنه سامح العريفي ويتمنى له المغفرة . والمناسبة االثانية كانت حينما تحدث العريفي في برنامجه في قناة اقرأ ( ضع بصمتك ) ثم خرج لفاصل وبعد عودته من الفاصل قال بأن للإخوة الفلسطينيين حق على المسلمين وإنه سيقدم الحلقة القادمة من القدس ، وهو ما أعاد اسطوانة النقد إليه من جديد . ومن آخر هذه الفتاوى كانت فتوى الدكتور يوسف الأحمد بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه من جديد ، وهو ما فتح عليه حرباً من الكتاب والصحفيين عن طريق المقالات والأخبار المتتالية ، وكان من بينها مقال للكاتب صالح الشيحي بعنوان ( حتى لا يكون أبرهة عصره ) . ولعل المستقرئ لواقع الحال في المملكة يجد بأن هناك توتراً لا يمكن إخفاؤه بين التيارين المتناكفين . وحين تبحث عن المتسبب في هذا التوتر ، فإنك ستجد أن الجواب قد أصبح مثل كرة النار بين الفريقين ، فالسلفيون يرون بأن اللبراليون هم السبب لكونهم يترصدون الزلات ويضخمونها ويعممونها ، ويصف السلفيون هذا الفعل من الليبراليين بأنه ليس من شيم الكرام ، فيما الليبراليون يتهمون السلفيين بأنهم هم السبب فيما يحدث لكونهم هم من يطلق مثل هذه الفتاوى الغريبة التي تشوه سمعة المملكة في الخارج ، وأن رسالة الإعلام تحتم عليهم دائماً وأبداً نقل الصورة الحقيقية للقاريء دون تعديل أو تبديل . ويبقى السؤال حائراً : إذا كان الإسلاميون مخطئين فإلى متى يظل الليبراليون يتلقفون هفوات غيرهم ويبنون عليها أمجادهم ؟ وإذا كان الليبراليون مخطئين فإلى متى يظل الإسلاميون متفرجين متذمرين دون أن يخوضوا غمار القطاع الإعلامي ويواجهوا تحدياته ويأخذوا نصيبهم من كعكته ؟ .