تبدأ بعد غدٍ الثلاثاء في تايلاند محاكمة المتورطين في قضية اغتيال رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي واغتيال ثلاثة دبلوماسيين سعوديين في بانكوك على خلفية سرقة مجوهرات بقيمة 15 مليون دولار من قصر ملكي في الرياض قبل 20 عاماً. وتعد هذه القضية العائق الأهم أمام عودة العلاقات السعودية التايلندية برغم المتابعة المستمرة من قبل رئيس الوزراء التايلندي "أبيسيت فيجاجيفا"، والذي يدافع بدوره باتجاه دعم موقف النائب العام "جولاسينغ واسانتاسنغ" لتجاوز الضغوط من الحكومة والمعارضة التايلاندية في رحلة بحثه عن العدالة مهما كان ثمنها لحل قضية ازدادت تراكماتها، وتشابكت تفاصيلها، خلال عشرين عاماً بدأت بسرقة مجوهرات نفيسة، ثم تطورت إلى اغتيال سعوديين في العاصمة بانكوك في العامين 1989، و1990. القصة كاملة وفقاً لصحيفة "الوطن" السعودية التي تابعت الملف سرقة المجوهرات نجح الأمن التايلندي في القبض على "كريانجكراي تيشامونج" الذي سرق من الرياض العام 1989 مجوهرات بقيمة 15 مليون دولار، من بينها ماسة نفيسة زرقاء اللون، وتمكن من إرسالها إلى تايلاند قبل عودته إلى بلاده. وبعد استعادة المجوهرات، تبين أنها في غالبتها تقليد للمجوهرات الأصلية، ومن خلال التحقيقات التي أجريت معه، أشار إلى تورط شخصيات نافذة في القصر الملكي التايلندي. عمليات الاغتيال بدأ مسلسل عمليات الاغتيال بقتل السكرتير الثالث بالسفارة السعودية عبد الله المالكي (35 عاماً) أمام منزله في 4 يناير/كانون الثاني العام 1989، وقبض على رجل بتهمة القتل، ولكن المحكمة العليا أطلقت سراحه لاحقاً لعدم كفاية الأدلة. ثم في الأول من فبراير/شباط العام 1990 قتل الدبلوماسيون السعوديون الثلاثة، عبد الله البصري، وفهد الباهلي (28عاماً)، وأحمد السيف (26 عاماً)، بفارق نحو خمس دقائق بين كل واحد منهم. ولم يقبض على أي مشتبه به. وبعد 11 يوماً اختفى رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي، صديق الدبلوماسيين القتلى، والذي كان يمتلك مكتباً متخصصاً في بانكوك بتصدير اليد العاملة التايلندية، إلى مكاتب الاستقدام في السعودية. وشوهد للمرة الأخيرة في العاصمة بانكوك في العام 1990، ويعتقد أن لديه معلومات عن مجوهرات سرقت من قصر ملكي في الرياض، في العام السابق لاختطافه. وارتبط اسم نبيل عشري رئيس بعثة السعودية لدى مملكة تايلاند بقوة في التحقيقات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التايلندية، للكشف عن لغز سرقة المجوهرات الملكية من العاصمة السعودية الرياض، والهروب بها إلى تايلاند، ومن ثم مقتل رجال أعمال تايلنديين، اتضح أن لهم ارتباطاً بالقضية. وتبين لاحقاً أن الدبلوماسي السعودي محمد الرويلي كان يتابع القضية لحساب الحكومة السعودية. ملف الرويلي الآن، وقبل إغلاق ملف قضية اختفاء الرويلي، التي كادت تنتهي بالتقادم في 12 فبراير/شباط 2010، بعد مرور عقدين على بداية التحقيقات فيها، قبل أن تسقط القضية وبأيام قليلة، تدخل رئيس الوزراء التايلندي "أبيسيت فيجاجيفا"، والذي وجد في ذلك إنهاءً دائماً للعلاقات بين بلاده والسعودية، وضغط على فريق تحقيق خاص قام بسحب القضية من الشرطة، لمراجعة الأدلة لينجح في إحراز تقدم فيها، مما تسبب في اعتقال قيادات في الأمن التايلندي وإيداعهم السجن، تمهيداً لمحاكمتهم نهاية مارس الحالي. لا سقوط بالتقادم أكد رئيس البعثة السعودية لدى مملكة تايلاند، نبيل عشري في حديث مع صحيفة "الوطن" السعودية، بأن قضية اغتيال الدبلوماسيين السعوديين، هي قضية لا تخضع لأية قوانين محلية في تايلاند لتحديد مهلتها القانونية وبالتالي تسقط بالتقادم، لأنها تعتبر قضية "إرهاب دولي"، وتمثل اعتداء على المواثيق والقوانين الدولية، التي تحمي المبعوثين الدبلوماسيين في الخارج. وأشار عشري إلى أن "الحكومة التايلندية وسلطات التحقيق تتفهم تماماً موقف المملكة المشروط، بأن يتم القبض على مرتكبي هذه الجرائم ومحاسبتهم جميعاً أمام العدالة". وعن الاعتقالات المرتبطة بقضية الرويلي، والتي طالت رجال أمن تايلندييين، أفاد عشري بأنه "من خلال جهود دبلوماسية سعودية حثيثة، استمرت لعدة سنوات، مع مختلف المسؤولين في الحكومات التايلندية المتعاقبة، تمكنت السلطات التايلندية أخيراً من إنعاش ملفات القضايا السعودية العالقة، منذ حوالي عشرين عاماً مضت، وتحقيق نتيجة ملموسة فيها، وآخرها تقديم خمسة من رجال الشرطة التايلندية على رأسهم الفريق شرطة سومكيد بونتانوم، قائد عام شرطة المنطقة الشمالية، إلى العدالة في 12 يناير الماضي". وأفاد عشري بأن "جهود السفارة بناءً على توجيهات السلطات السعودية ستستمر في ضغطها على السلطات التايلندية، التي تشرف على التحقيق في القضايا السعودية العالقة، وهي قضيتا المجوهرات السعودية التي قام عامل تايلندي بسرقتها في العام 1989، واغتيالات لثلاثة دبلوماسيين سعوديين في العام 1990". وحول إغلاق ملف التحقيقات في اغتيال الدبلوماسيين السعوديين بسبب تقادم القضية، بحسب القانون التايلندي، أوضح عشري أن مدير إدارة التحقيقات الخاصة أكد له، أن إدارته ستواصل التحقيق في اغتيالات الدبلوماسيين السعوديين، على الرغم من أن هذه القضية انتهت بموجب قانون التقادم المحلي في الأول من فبراير/شباط 2010، موضحاً أن فريقاً من الإدارة قام بزيارة مقر الشرطة الدولية في ليون بفرنسا مؤخراً، لطلب المساعدة في تعقب شخصية لا تتوفر حولها معلومات كافية عنها، تلقب ب"أبوعلي"، ويشتبه في تورطه في واحدة على الأقل من عمليات الاغتيالات. التحقيقات والاضطرابات الداخلية وعن مدى تأثر التحقيقات بالوضع السياسي المضطرب حالياً في تايلاند، بين عشري أن "الوضع معقد للغاية على ساحة الأحداث الداخلية، وعلى الأخص الأوضاع السياسية في تايلاند، مما أثر بشكل سلبي على التحقيق في القضايا السعودية العالقة، وتعطيلها بشكل مستمر". ولكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن المتابعة اللصيقة للأحداث، والضغط المستمر على المسؤولين، أثبت فعاليته بصورة كبيرة في قضية قتل رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي، والتي يتهم فيها مسؤولون كبار في الشرطة التايلندية، يتمتعون بعلاقات واسعة على أعلى المستويات. الضغوط السعودية حول عما إذا كانت الضغوط السعودية على الحكومة التايلندية تشكل تدخلاً في السياسة الداخلية لدولة مستقلة يجيب عشري قائلاً، "إن المملكة لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة في العالم، ويشمل ذلك عدم التدخل أو محاولة التأثير على أية إجراءات أو قرارات قانونية أو قضائية". ولكن في الوقت نفسه، وفي إطار عمله الدبلوماسي، سعى عشري إلى القيام بجهود حثيثة لضمان عدم تدخل أية جهات رفيعة متورطة في القضايا العالقة، وخاصة في قضية رجل الأعمال الرويلي، نظراً لتمتع المتهمين في هذه القضية بعلاقات قوية في الحكومة، مما قد يؤثر على عملية محاكمتهم، كما حدث في السابق في محاولة لمحاكمتهم في العام 1995، مشدداً على أنه "يتوجب على كافة المسؤولين التايلانديين ضرورة ضمان حياد الجهة المسؤولة عن البت في القضية، واتخاذها القرار العادل والسليم من أجل مصلحة بلادهم، والترفع عن صغائر الأمور، والنظر إلى المصالح العليا، حيث تضررت تايلاند بسبب تداعيات عدم حل هذه القضايا، وتحقيق العدل فيها. بالإضافة إلى النظر إلى مستقبل العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وتايلاند، والفرص التي أهدرت في جميع مراحل التقدم والتطور، خلال السنوات العشرين الماضية. لقاء رئيس الوزراء التقى نبيل عشري برئيس الوزراء التايلندي "أبيسيت فيجاجيفا" في مقر الحكومة التايلاندية حيث كان لقاء حاسماً في قرار النيابة العامة الذي صدر في اليوم التالي له، والقاضي بتوجيه الاتهام إلى خمسة من ضباط الشرطة التايلندية، المتهمين بقتل الرويلي. حيث أكد "أبيسيت" على مسؤولي العدل، بأن يحرصوا على "تنفيذ العدالة دون خوف"، و"عدم السماح بتدخل أية جهات خارجية مهما كانت". وقال عشري إنه "يعتبر بدء محاكمة الضباط الخمسة في 29 مارس/آذار الحالي، انتصاراً للجهود السعودية الحثيثة وللعدالة التايلندية التي فشلت في محاسبة نفس المتهمين، منذ نحو عشرين عاماً مضت". قرار المدعي العام وكان المدعي العام التايلاندي، قد اتخذ إجراء قبل شهر واحد فقط من سقوط القضية بالتقادم، بحسب القانون المعمول به هناك، ووجه يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني من العام الحالي اتهامات جنائية إلى خمسة من كبار قيادات الشرطة، في قضية اختفاء رجل الأعمال محمد الرويلي، وهم العقيد سومكد بونثانوم قائد شرطة المنطقة الخامسة في العاصمة بانكوك، ونائب مدير إدارة التحقيقات الخاصة العقيد سوتشارت وون أنانشاي، والعقيد المتقاعد ثاوي سودسونغ وكان مديراً سابقاً لإدارة التحقيقات الخاصة، ومحقق القضايا الخاصة العقيد بنجابول تشانثاوان، وضابط التحريات الخاصة روك خوينسوان. حيث تم القبض على هذه المجموعة من الضباط لمحاكمتهم نهاية مارس/آذار الجاري، بتهمة اختطاف الرويلي، وقتله والتخلص من جثته. تفاصيل سرقة المجوهرات في يونيو/حزيران العام 1989، سرق خادم تايلندي يدعى "كريانجكراي تيشامونج" وبعد أربعة أعوام من عمله في السعودية كمية من المجوهرات يزيد وزنها على 90 كيلوغراماً، إضافة إلى سرقة نصف مليون دولار أمريكي، ومليون ريال سعودي، وحوالي مائتي جنيه من الذهب، فضلاً عن عدد من الميداليات، من أحد القصور الخاصة في العاصمة الرياض. وتمت السرقة من قبل الخادم التيلاندي "كريانجكراي تيشامونج" بعد أن تمكن من مراقبة عمال صيانة أجهزة الإنذار، وتعرف على الأرقام السرية التي تعطل عملها. فدخل إلى القصر معطلاً الأجهزة، وسرق خمسة خواتم مرصعة بالألماس. واستمر على هذا المنوال على مدى شهرين، يشحن خلالها مسروقاته يومياً إلى بلاده، بواسطة شركة للطرود البريدية، وعبر شركة للشحن الجوي، وصولاً إلى شهر أغسطس/آب، حيث كان قد افرغ الخزانة كاملة، وسافر إلى بانكوك، ومعه عشرين كيلو غراماً من المجوهرات. وفي مطار العاصمة بانكوك استوقفه موظف الجمارك، فأعطاه الخادم سبعة آلاف بات (250 دولاراً)، واتجه إلى قريته لدفن المجوهرات التي في حوزته، والتي باع جزءاً منها، ولم تكتشف السرقة في الرياض، حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني العام 1989، حيث أبلغت السلطات الأمنية السعودية مثيلتها التايلاندية، والتي اعتقلته في يناير/كانون الثاني العام 1990، فاعترف بجرمه، وسلم ما بقي من المجوهرات والنقود، ليسجن لعامين وسبعة أشهر، من أصل خمسة أعوام حكم بها، نظراً لحصوله على عفو ملكي.