هاجم الإعلامي السعودي عبد العزيز قاسم، الصحفي المصري المخضرم محمد حسنين هيكل على خلفية تصريحاته الأخيرة الذي تنبأ فيه ب"عاصفة" تهب على الخليج مطالبًا مصر بالتدخل، معتبرا أنه ينتمي لجيل عبد الناصر الذي تربى على داء العظمة والاستعلاء . وعبر "قاسم"، في مقاله اليوم بصحيفة " الشرق القطرية " تحت عنوان " دول الخليج والأماني المكبوتة لهيكل"، عن أسفه لما ما يقوم به الإعلام المصري من تجديف بحق جارة كبيرة كالسعودية والتي لم تتخلف أبدا عن مساعدة مصر على مر التاريخ، مؤكدا أن مثل تلك المواقف لا تنسى . وإلى نص المقال .. دول الخليج والأماني المكبوتة لهيكل بقلم / عبد العزيز قاسم باتت موضة "هيكلية" أن يطلّ ذلك الصحفي المصري الشهير بين الفينة والفينة، ليجدف في دول الخليج، تحت وطأة المتلازمة التي عذبته وصاحبته طيلة حياته "متلازمة السعودية " . أتحفنا هيكل في الأسبوع الماضي ببعض تجديفاته – وأمنياته المكبوتة في اللاشعور- وقال: إن عاصفة داخلية تهبّ على الخليج، ويجب على مصر أن تتدخل بالسعودية. لا تزال عُقد الفوقية تتلبس الأنتجلنسيا المصرية، خصوصا أمثال هيكل الذي لا يزال يفكر بعقلية الخمسينيات والستينيات المصرية، وقتما كان عبد الناصر يُرضع ذلك الجيل أوهام العظمة، وشعارات "من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر"، ويدغدغ ذلك الجيل المصري برميه ل"إسرائيل في البحر"، ويفيق العالم العربي على هزيمة مذلة في حرب 67م، قام حينها هيكل ورفاقه الناصريون بتسميتها "نكسة"، تخفيفا من واقعها المرير الصادم لكل الذين آمنوا بتلك الشعارات الفارغة. وإن كان البعض القليل من المثقفين والنخب المصرية أفاق من تلك الأوهام، وأن أحلام العظمة التي عاش عليها تبدّدت، وتغيّرت تلك النظرة الفوقية التي كانت ترى في دول الخليج "بضعة بدو" لا يستحقون الثروة التي أفاء الله عليهم بها، إلا أن معظم النخب المصرية لا تزال مسكونة بالنظرة الاستعلائية تلك، ولا تزال تتصرف وتتكلم وكأن الشعب المصري يوزع القمح على جيرانه، ويصدّر القطن للعالم، والجنيه المصري يعادل 12 ريالا بمثل ما كان أيام الملكية المصرية، وقتما كان اقتصاد مصر هو الأقوى على الإطلاق، وهيكل قبل شهور قليلة تحدث في صحيفة "السفير" اللبنانية عن أن "السعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة"، وأن: "مصر وإيران وتركيا أوطان حقيقية، والباقي كله يشكل فسيفساء بين أوطان حقيقية"، في إشارة منه إلى أن السعودية ودول الخليج ليست سوى دول هامشية أمام الدول الثلاث الكبرى المشار إليها. مؤسف ما يقوم به الإعلام المصري من تجديف بحق جارة كبيرة كالسعودية، وهي التي بادرت دوما بالوقوف مع مصر، على تعاقب ملوكها العظام، يرحمهم الله، بل حتى في أوج الخلاف، لم تتأخر أبداً وانحازت لقيمها العربية الأصيلة، ونتذكر موقف الفيصل – يرحمه الله - في مؤتمر "اللاءات الثلاث" في الخرطوم، مرورا بالملك خالد والملك فهد، بل لطالما ردّد الملك عبد الله -يرحمه الله - خلال السنوات الماضية أن مصر قلب العروبة النابض، وفتح خزانة السعودية لها دعما لاستقرارها. وكل من يراقب السياسة السعودية ليلمح من فوره أن من الأركان الأساسية فيها عدم المنّ، والترفع عن السفاسف، والتلحف بالصبر والحكمة والتجاوز عن كثير من هذه المهاترات الإعلامية، وتجاهل أمثال هيكل ومرتزقة الصحافة والإعلام الذين يكيلون بشكل غريب هذه الأيام تجاه السعودية، دون أي لياقة أو اعتبار للعلاقات بين البلدين، وربما كان آخرهم رئيس مجلس إدارة "الأهرام" الذي خالف قبل أيام كل قواعد الضيافة والدبلوماسية، وهاجم السعودية أمام سفيرها بالقاهرة أحمد القطان، الذي لم يجد بدّا من الدفاع عن سياسة بلده، وانبرى لتفنيد اتهامات ذلك الصحفي الأخرق في مجلس السفير الجزائري بالقاهرة، وغادر ذلك المجلس بكل علو الدبلوماسي، تاركا ذلك المرتزق الذي أتى لتوه من إيران - بحسب رواية الإعلامي المصري مصطفى بكري - يتآكل في حسده وحسرته. مثل هذه الممارسات تُرصد ولا تُنسى، ولها قنواتها الخاصة للتفاهم حولها، ولكن الملاحظ أن الهجمة الإعلامية المصرية أخذت منحى تصاعديا مؤخرا، لدرجة أن الإعلامي السعودي الكبير جمال خاشقجي وجّه في برنامج "حراك" بقناة "فور شباب" قبل أشهر رسالة صريحة للقيادة المصرية وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية، قال فيها: "أقول للسيسي: امسك شوية العيال بتوعك"، في رسالة ضمنية بأن هؤلاء المهاجمين لدول الخليج والسعودية، إنما يتحركون ببصر ومعرفة القيادة المصرية للأسف الشديد. أعود لهيكل لأهمس له ولأمثاله، بأن دول الخليج هؤلاء اليوم، باتوا في سدّة قيادة العالم العربي والإسلامي، وأنه لولا شوية "الرز" الذي دعموا بها القيادة المصرية اليوم، لسقطت مصر، ولا منّ هنا ولا أذى، بقدر أن نفتح أعين هاته النخبة العوراء التي لا ترى فينا إلا بدوا متخلفين، هامسا أخرى بأن دول الخليج اليوم هي التي تشتري للقوات المسلحة المصرية الأسلحة والطائرات، لأن قيادتكم عاجزة عن ذلك. ولن أمضي في فتح الفواتير الطويلة التي لم يقصّر فيها حكام وملوك الخليج في دعم الشقيقة مصر، بتلك الهبات المالية المجانية أو الودائع المليارية في البنوك المصرية. همسة ثالثة أيضا، بأن العائلات الملكية الحاكمة، أثبتت على مدى تاريخها، أنها أقرب لشعوبها، وأكثر حنوا من أصحاب البساطير والثورات، ونظرة متأملة فاحصة لحال الدول العربية التي أتت بالانقلابات العسكرية، لتشي بكل الكوارث التي أتى بها العسكر، فكيف بالله كانت مصر "أم الدنيا" إبان الملكية – رغم فساد فاروق - إلا أنها في المجمل أفضل كثيرا من ناحية الاقتصاد والقوة والحريات، ولو تلفتنا تجاه ليبيا إبان السنوسية، وكيف استحالت تلك الدولة النفطية مع القذافي وكتابه الأخضر واستعباده لليبيين، وكيف انتهى الحال بها اليوم. دعك من سوريا أو العراق أو اليمن، في درس خالد يقول: العسكر مكانهم الحقيقي الثكنات لا كراسي الحكم. هيكل مجرد رأس خَرِف لنخبة مصرية موهومة، لا تزال مسكونة بأوهام الستينيات، لم ولن تفيق أبداً من الأماني السوداء المكبوتة لديها تجاه الخليج وحكامه.