تتوالى إشارات التقارب بين القاهرة وحلف موسكو- دمشق بشكل أكبر منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا؛ ودخول موسكو على خط الصراع بعد مرور أزيد من سنة على بدء عمليات التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». رد فعل القاهرة على التدخل الروسي جاء مرحبا بشكل رسمي وصريح رغم تعارضه مع موقف حليفتها القوية السعودية. وبالرغم من ترديد مصر نفسها في أكثر من مناسبة في الماضي رفضها لأي تدخل خارجي في سوريا. اختلفت تفسيرات الموقف المصري بين من اعتبره زيادة المخاوف من صعود تيار إسلامي إخواني إلى السلطة في سوريا بعد سقوط الأسد، وبين من يرى فيه استياء مصريا من إخفاق التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة على مدى أكثر من عام في القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تقض مضجع مصر أيضا. فهل يعني كل هذا أن القاهرة بصدد تغيير توجهها السياسي في المنطقة؟ وكيف سيؤثر ذلك على علاقاتها بالسعودية والغرب؟. لم تخف القاهرة تأييدها للضربات الروسية في سوريا رغم الانتقادات الدولية الموجهة لموسكو بأنها تستهدف المعارضة السورية «المعتدلة» وأن تدخلها يأتي لدعم نظام بشار الأسد وليس لضرب الإرهاب، كما يقول المسؤولون الروس. التأييد جاء على لسان وزير الخارجية سامح شكري الذي اعتبر أن روسيا ستساهم في القضاء على الإرهاب بهذا التدخل. تصريحات شكري لقيت بدورها ترحيبا من قبل النظام السوري. فقد نوه فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري بالموقف المصري داعيا إلى «ضرورة استعادة حرارة العلاقات المصرية السورية لوجود عدو مشترك هو الإرهاب»، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية. أحمد بدوي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، قال في تصريحات لقناة DW عربية إن هدف مصر الأساسي في الوقت الحالي هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم وصول الإسلاميين للحكم. ويصف بدوي موقف القاهرة هذا ب «الإيديولوجي». ويضيف بأنه في ظل «عدم وجود ثورة شعبية تستطيع التخلص من النظام السوري» نرى أن مصر «ترحب بأي جهد يساهم في تقوية النظام السوري». بدوي يعتبر ذلك «مغالطة»، إذ لحد الآن «نرى أن أغلب العمليات الروسية تركزت على المعارضة المدنية ومواقع الجيش السوري الحر»«. ويتساءل بدوي بالقول:»أصبح غير واضح مَن المعني بالحرب على الإرهاب.هناك خلط كبير في مصر حيث يتم اعتبار كل من يعارض النظام إرهابيا«. من جانبه يتفق بشير عبدالفتاح، الأكاديمي والباحث في مركز الأهرام مع أن مصر لديها تخوفات من صعود تيار إسلامي «إخواني» في سوريا في حال سقوط الأسد، وهذا يبرر أيضا التحول المصري. ويعطي سببا آخر لهذا التحول قائلا: «صحيح أن القاهرة كانت ضد أي تدخل خارجي في سوريا لكنها لاحظت على مدى أكثر من عام من ضربات التحالف الدولي ضد داعش أنه لم يتم تحقيق أي نتائج بينما لمست في التحرك الروسي الآن ما يمكن أن يكون بداية للقضاء على الإرهاب خاصة مع استمرار تآكل الثقة بين واشنطنوالقاهرة»، حسب عبدالفتاح. ورغم أن موقف القاهرة الصريح كان صادما بالنسبة للبعض بسبب ما اعتُبر تجاهل القاهرة لما يثيره ذلك من استفزاز للسعودية الحليف الأساسي لها. بيد أنه يأتي، من جهة أخرى متوقعا، بالنسبة لبعض المراقبين نظرا لأن العلاقات المصرية السعودية تشهد مدا وجزرا منذ صعود الملك سلمان إلى سدة الحكم وتصاعد تحفظات مصر على علاقة الرياض بتيار الإسلام السياسي. وفيما يتعلق بمدى تأثير هذا التحول المصري على العلاقات مع السعودية يقول عبدالفتاح في تصريحات ل DW عربية «العلاقات العربية العربية حاليا تتسم بمرونة كبيرة. هناك تسامح وتقبل للاختلافات في وجهات النظر. وبالمناسبة ليست هذه المرة الأولى التي تختلف فيها وجهات النظر بين الحليفين فمواقفهما من بقاء الأسد والحل العسكري ودعم السعودية لبعض الأطراف المعارِضة، شكلت نقاط اختلاف منذ بداية الأزمة السورية». ورغم الهجوم الذي شنته وسائل الإعلام السعودية على التدخل الروسي وموقف مصر المساند له واعتباره تجاهلا مصريا لما يشكله التنسيق الروسي مع إيران من حساسية بالنسبة للرياض. بيد أن المحلل السياسي السعودي مبارك العاتي يتفق أيضا مع كون العلاقات السعودية المصرية لن تتأثر بشكل كبير من موقف مصر الحالي. ويقول العاتي في تصريحات لقناة DW عربية «قد يحصل تباين في وجهات النظر كما حصل الآن فيما يخص الاحتلال الروسي الجديد للأراضي السورية لكن ذلك لا ينفي استمرار علاقات الأخوة. كل ما هناك اختلاف في وجهات النظر حول تسوية الأزمة لن يؤثر على العلاقات الإستراتيجية القوية بين البلدين فلا يمكن لأي من الطرفين الاستغناء عن الثاني لأنه يحتاجه». ويتوقع الباحث بشير عبدالفتاح أن تشهد سياسة عدد كبير من الدول العربية أيضا تحولا على غرار مصر بحيث يكون هناك تقارب أكبر مع روسيا على حساب الولاياتالمتحدة التي أصبح لدى بعض هذه الدول «أزمة ثقة» معها. فروسيا «قوة دولية عظمى لا تسعى لإسقاط الأنظمة ولا تولي اهتماما لمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تفعل الولاياتالمتحدة وهذا يتلاقى مع الرؤية العربية» كما يقول. وعن التبعات والعواقب المحتملة لتوجُه القاهرة الجديد يقول عبدالفتاح «التطورات الحالية ستجعل مصر تخرج من التبعية الشديدة لواشنطن، التي كانت فيها. فاليوم هي حذرة أكثر، لكنها لن تتخلى عن الحليف الأمريكي طبعا. لا أحد يعلم أين تتجه المنطقة وكل دولة تبحث عن مصالحها وواشنطن نفسها مراوغة. بالتالي هذه التحولات في المواقف طبيعية ومقبولة إلى أن تتضح معالم المنطقة».