ننشر اليوم، إجابات المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور محجوب الزويري، الخبير في الشأن الإيراني بقسم العلوم الإنسانية، وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، على أسئلة قراء "شؤون خليجية"، عبر تجربتها التفاعلية الرائدة بين متابعي وقراء الموقع والمصادر والنخب السياسية والثقافية في شتى المجالات، ومن مختلف دول الخليج. وأجاب الزويري على أسئلة القراء، والتي دار معظمها حول الدور الحقيقي لإيران في المنطقة، وعن دورها الحالي في سوريا واليمن، وهل فشل العرب في مواجهتها بأسلحتها؟، وعن الاتفاق النووي وتأثيره على مستقبل دول الخليج والدول العربية، وغيرها من التفاصيل المهمة عن تلك الدولة، التي باتت من أهم اللاعبين الإقليميين بالمنطقة، رغم ما تعرضت له من الحصار والعقوبات الدولية لسنوات عديدة.. وإلى نص الحوار التفاعلي .. ** هل التوسع الإيراني في المنطقة ديني أم سياسي؟ * السياسة الإيرانية بالأساس تحكمها المصالح التي هي بالضرورة متحولة وفق الزمان والتطورات السياسية. فالحضور السياسي لإيران أكثر أهمية منه الحضور الديني، الأمر الآخر في النظام السياسي الإيراني بعد الجمهورية الإسلامية، لا يوجد حدود حقيقية بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني. النظام يهمه البقاء متماسكًا قويًا.. يهمه أن يبدو متحليًا بشرعية داخلية وأخرى خارجية، عبر صورة الدولة التي تسعى للدفاع عن قيم الحق والعدل والدفاع عن المظلومين. ما تقوم به إيران ليس توسعًا بالمعنى الذي تعنيه كلمة توسع، إنما هو تعميق لحالة الفوضى التي تحدث في مناطق عربية. هذه الفوضى وفق السياسة الإيرانية تحقق لإيران نوعًا من التفوق السياسي النظري، الذي يمنحها مكانة تؤهلها للتعامل مع دول من خارج المنطقة. إيران تدرك أنها جزء من منطقة الشرق الأوسط، وترغب في تحويل واقع العزلة إلى واقع تلعب فيه دورًا وتجني فيه أرباحًا مضاعفة. مدى تحقق كل ذلك يعتمد على فعالية لاعبين آخرين في المنطقة، وعلى قدرتهم على بناء شبكة تحالفات تحد أو تفشل سياسة إيران، بغض النظر عن دوافعها في المنطقة، التي هي في المحصلة لم تود إلا إلى تعميق الفوضى. ** لماذا فشلت الدول العربية في وقف المد الإيراني حتى وصل الأمر للحروب الدائرة بمعظم أراضيها؟ * لأنها تأخرت كثيرًا، كما أنها لم تنجح في استراتيجية التحالفات. الأمر الآخر المهم، كان هناك اعتقاد أنها بالحديث عن مواجهة طائفية مع طهران ستكون كافية لشغل الرأي العام الداخلي، دون فعل حقيقي لوقف ذلك المد. الفشل في العراق قاد إلى سلسلة من الفشل المتكرر. في المقابل ما يسمى بالمد الإيراني لديه إشكالاته الداخلية، وخسرت إيران منه اقتصاديًا وسياسيًا، والأمر لا يبدو كما يتصوره البعض من أنه تقدم مضطرد. إيران تسعى إلى أن تنجز بسرعة، ومواجهة انتقادات داخلية قد تظهر على السطح في أي لحظة. ** سؤالي حول طبيعة النظام السياسي في المنطقة بعد الاتفاق النووي، وهل نستطع القول إنه أصبح أحادي القطبية لصالح إيران وأن "رجل الأمن الإيراني" عاد للمنطقة من جديد؟.. وماذا عن السعودية (إن) خول الاتفاق إيران ذلك. هل هذا قد يؤدي إلى مواجهات مستقبلية مباشرة في المنطقة؟. أم هذه مجرد أوهام راودت المتابع العربي نتيجة التحجيم الإعلامي للاتفاق وما بعده؟ * الاتفاق النووي فصل مهم في العلاقة بين واشنطنوطهران، وتحققه مرتبط بالسياقات الإقليمية الموجودة في المنطقة والمرتبطة بعدم الانسجام الأميركي التركي، غياب مصر، ارتباط في العلاقة بين واشنطن والرياض. والأهم تراكمات حالة الثورات العربية. بالنسبة لإدارة اوباما يعد الاتفاق نصرًا دبلوماسيًا شخصيًا له، لكنه في ذات الوقت ألزم إيران ببعض المسائل التي تجعلها في مواجهة مع المجتمع الدولي أن لم تلتزم. والأميركيون حريصون على أن تلزم إيران نفسها، بحيث تواجه تحالفًا دوليًا أن هي نقضت الاتفاق. بهذا يعود التحالف أقوى ضد إيران وفق المسار الأميركي. بالنسبة لدور إيران في المنطقة، فليس بالضرورة أن يتأثر كثيرًا بالاتفاق النووي، طهران حضرت في المشهد السياسي الإقليمي بفعالية في ظل الخصومة مع أميركا، وهي تعتقد أنها قادرة على هذا الأمر بدون واشنطن. الأمر المهم بالنسبة لها هو تقوية العلاقة مع أوروبا التي في منافسة مع واشنطن. وكذلك خلق حالة تنافس شديدة بين روسيا وأميركا، بحيث تستفيد إيران من هذا التنافس. الاتفاق مع واشنطن لا يعني انتهاء ملف الاختلاف بين البلدين، كما أنه لا يعني بالضرورة عودة العلاقات الدبلوماسية، لكن إيران ستسعى إلى استثماره سياسيًا وهو ما يجري فعليًا، وهذا ما يثير بعض دول المنطقة. هذا الاستثمار يمكن أن يدفع إلى التراجع من خلال مبادرات من لاعبين آخرين، وأن يسبقوا إيران خطوة إلى الأمام كما حصل في اليمن، لا سيما في ملفات مهمة سواء في سوريا أو العراق. الأمر الآخر ينبغي عدم التركيز على التفسير المذهبي فقط في فهم الخصومة مع إيران، لأن هذا المنهج يحول دون أن تتم رؤية تفاعلات أخرى من شأنها أن تساعد في فهم هذه الخصومة، ومنها التفاوت في طبيعة الأنظمة السياسية، وشكل التحالفات التي تدخل فيها. ** ماذا عن الدور التركي في إقليم الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي، في ظل محاولات إشغال تركيا بملفاتها الداخلية كحزب العمال الكردستاني وغيرها؟ * تركيا، اختارت مسارًا سياسيًا مستقلًا إلى حد كبير، مسار أصبحت فيه أقرب إلى قضايا محيطها الإسلامي لا سيما العربي. الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وكذلك التأييد لثورات العربي، كلها عوامل لم ترض أطرفًا إقليمية ودولية، الأمر الذي جعلها هدفًا سياسيًا للتدخل. هذا كله مرتبط بتعميق حالة الفوضى، هناك أطراف دولية وإقليمية لا تريد أن تكون هناك دولة يمكنها أن تلعب أدوارًا بعيدًا عن المسارات الدولية والإقليمية، هذا قد يفسر تزايد الأزمات الداخلية في تركيا في الآونة الأخيرة. غير بعيد عن ذلك محاولة إضعافها اقتصاديًا أيضًا. ** برأيك لماذا لا نلمح تحركًا إماراتيًا حول قضية احتلال إيران لثلاث جزر إماراتية؟ هل ترى ثمة شيء في بواطن الأمور، أم خشية وقوع حرب؟ * القضايا الخلافية بين الإماراتوإيران مثل مسألة الجزر تتبع المسارات السياسية بين البلدين، ولذلك أي تحرك حول الجزر يعتمد على أولويات السياسة الخارجية الإماراتية، وكذلك طبيعة المرحلة الزمنية، والأهم ربما هو الفضاء الإقليمي. ** كيف ترى العلاقة الحالية والمستقبلية بين سلطة الانقلاب في مصر وإيران؟ * لا أرى أن هناك علاقة حقيقية. بالنسبة إلى إيران استمرار الفوضى في مصر مطلوبة، وعدم تحقق انسجام حقيقي بين القاهرة والرياض يخدم مصالح إيران في إدامة واقع الفوضى. بالضرورة إيران فرحت بما تم من تقارب سوري مصري مؤخرًا، لأن هذا بالنسبة لها يضعف السعودية. ** لماذا لم تتدخل إيران بشكل رسمي بدﻻً من التستر بميليشيات والاسماء المستعارة، كالحوثيون والحشد الشعبي، في شؤون الخليج والعراق واليمن؟ * الحرب بالإنابة واقع موجود في تاريخ العلاقات بين الدول، والحالة الإيرانية ليست استثناء، في أحيان كثيرة تدخل الدول غير محمود ويؤدي إلى نتائج عكسية، من هنا يأتي التوافق مع من يقوم بالمهمة. إيران تخلت على هذا الخيار الآن في سوريا، وهي ترسل قوات نخبة، لأن حزب الله والميليشيا المتحالفة معه غير قادرة على إنجاز المهمة. الواضح أن المواجهة وصلت إلى مراحل حاسمة دفعت طهران إلى إرسال قوات مباشرة تابعة لها. ** هل هناك تقلص للمد الصفوي، وهل تبعثرت أوراقه أم إنه يستمر بخطى ثابتة؟ وما هدفه الرئيسي؟ * ما تقوم به إيران مرتبط بأوضاع سياسية مرتبكة ومضطربة في كثير من المناطق، إيران في هذه المرحلة ترى أن الفوضى خيار يضمن عودتها إلى المسرح الدولي، لكن إلى أي مدى تستطيع إدارة كل ملفات الفوضى؟ وماذا إذا تغيرت التحالفات وبادر الآخرون، كما حصل في اليمن في عملية عاصفة الحزم؟ الحد من الفوضى في المشهد السياسي العربي من شأنه أن يساهم كثيرًا في الحد من النفوذ الإيراني، ويدفع إلى تبعثر أوراقه. ** ما سبب ولاية إيران على الشيعة؟ وما سبب طاعة الشيعة العرب وولائهم لإيران للتحشيد ضد أهل السنة؟ * ليست القضية مرتبطة بولاية إيران، الشيعة في كثير من بقاع العالم يرون أنفسهم أقلية، وظهور إيران باسم الجمهورية الإسلامية كدولة شيعية، والخطاب السياسي عن رغبتها في أن تكون "أم القرى" للعالم الإسلامي، جعل الآخرين يسيرون أقرب إلى إيران. الأمر الآخر، التجربة التاريخية الشيعية في إيران منذ القرن السادس عشر، والتراث الديني الذي تم انتاجه خلال الأربعمائة سنة الماضية. مشكلة الشيعة العرب أنهم يرون أنفسهم أقلية أو هكذا "شُبه لهم"، وفي ظل زيادة الاستبداد تغذت مثل هذه الأفكار. غير بعيد عن هذا البحث عن السلطة والثروة في مجتمعاتهم، فهي محفزات أساسية لموالاة إيران لتحقيق مكاسب سياسية ودينية. ** هل تتخذ السعودية من التمدد الإيراني الشيعي في المنطقة شماعة لها لتبرير اعتداءها على اليمن، لمنع وصول فئة معينة للسلطة قد تشكل ضررًا على وجودها ؟! وما مدى صحة مخاوف الدول الخليجية من هذا التمدد! وهل هناك حلول واقعيه ينبغي على الدول الخليجية القيام بها لردع هذا التمدد في حال إضراره بمصالحها؟ * المعركة في اليمن تهدف إلى منع الحوثي من خلق أي ظروف على الأرض من شأنها أن تساعد إيران، بعبارة أخرى قطع الطريق أمام أي محاولة لتكرار سيناريو حزب الله. بالطبع هي محاولة للاستجابة للظروف الداخلية في العالم العربي المنتقدة تأخر النظام الرسمي في القيام بأي إجراء يتعلق بالسياسة الإيرانية في المشهد السياسي العربي. ** كيف ترى مستقبل الشرق الأوسط بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وما تأثير ذلك على اقتصاديات الخليج؟ * المنطقة تعيش مخاضًا غير يسير، سيتحول إلى مخاض عسير إذا رافقت ذلك أزمات اقتصادية. هذا من شأنه أن يؤدي إلى استكمال تدمير بنية المجتمعات في كثير من الدول العربية، وخلق فجوات ستحتاج سنوات طويلة لردمها. ولابد من الدول العربية وخاصة الخليجية، التركيز فيما بعد الاتفاق، لأنه سيكون منصبًا على إعادة تشكيل خريطة المنطقة العربية، في ظل ثورات الربيع العربي والصراعات الدائرة بالعراقوسوريا واليمن وليبيا. والانتباه للترتيبات الأميركية المتوقعة والجدية في الشرق الأوسط بعد الاتفاق، خلال ال 18 شهرًا المتبقية لنهاية الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما، منها ما يخص أكبر الصراعات في "العراق، واليمن، وسوريا". الاتفاق النووي سينتج عنه بالطبع اتجاه الدول الغربية وأمريكا للاستثمارات النفطية بشكل أكبر في سوق الطاقة الإيراني، على حساب الدول العربية، وسيكون التركيز خلال الفترة المقبلة على أن يبقوا العرب ضعافًا اقتصاديًا وسياسيًا .