سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د.عادل الطريفي: العمل في ظل الملك سلمان تحدّ .. فهو مثقف ومؤرخ مطلع على اتجاهات الثقافة في العالم في أول حوار ثقافي بعد تسلمه الحقيبة الوزارية للثقافة والإعلام
كشف معالي وزير الثقافة والإعلام د. عادل بن زيد الطريفي - في أول حوار له بعد تسلمه الحقيبة الوزارية - عددا من خططه ومشروعاته ورؤيته المستقبلية للنهوض بمسيرة العمل الثقافي في المملكة. ولأن الحديث عن مهام الوزارة بثقليها الكبيرين «الثقافة والإعلام» متشعب وكبير؛ فقد اختارت (الرياض) أن يكون التركيز على الجانب الثقافي من مهام الوزارة وفتحت من خلال الأسطر المقبلة أبرز الملفات التي كان الوسط الثقافي ينتظر أن يسمع مرئيات الوزير الجديد حيالها، حيث كشف د. الطريفي عن أبرز خطط الوزارة للنهوض بالمؤسسات الثقافية وتطوير معرضي الكتاب في الرياضوجدة بالإضافة الى التوجه نحو جعل المثقف شريكا أساسيا في وضع الخطط وبناء البرامج الثقافية التي توجه للمجتمع كما تناول الحوار الصوت الثقافي السعودي في المؤسسات الدولية إلى جانب الأدوار التي تلعبها المرأة والشباب والأسرة في خطط الوزارة المستقبلية. كما تحدث عن الإستراتيجيات التي تعدها الوزارة للتعامل مع الملفات الآنية المهمة مثل ملف الإرهاب والصوت السعودي في الخارج، وفيما يلي نص الحوار: * ما معنى أن تكون وزيراً للثقافة في المملكة العربية السعودية؟ هذا سؤال جوهري. فالتحديات كبيرة تجاه وزير الثقافة والإعلام عندما يعمل في ظل قائده سيدي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، وهو المثقف البارز والقارئ النهم والمؤرخ الحصيف والمطلع على الرؤى الإعلامية واتجاهات الثقافة في العالم العربي، فهو يتقاطع مع أعمال الوزارة كلها، وله - يحفظه الله - اهتمام وعناية بالشأن الثقافي والشأن الإعلامي، إضافة إلى أنه صاحب أكبر المكتبات المتخصصة في مجال التاريخ والثقافة، مع ما له من علاقات واسعة وممتدة مع كبار المثقفين والإعلاميين والكتّاب؛ بل إنه أحد أبرز القادة العالميين الذين يمارسون الكتابة والتأليف والمشاركة في المحاضرات، ولمقامه الكريم جهد مستمر في هذا السياق، حيث كتب المقالة والتعقيب والمداخلة الفضائية، وكان مجلسه إبان إمارة الرياض مجلس حوار ثقافي أصيل متنوع الأطراف متعدد القضايا، وكانت أغلب الرؤى والمعارف الحديثة تناقش في مجلسه الكريم، ويحمل عدد من المثقفين والإعلاميين السعوديين والعرب ذكريات متعددة عنه - يحفظه الله -، وما زال مجلسه ومتابعاته الثقافية نشطة في هذا السياق، ولا شك أن هذا التوجه العلمي والثقافي لمقام خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - يدفعني وزملائي في الوزارة إلى مضاعفة الجهد واستفراغ الوسع لتحقيق رؤيته، حيث ننظر إلى هذا الجانب بوصفه محفزاً دائماً لإنجاز المميز والمفيد. وأضيف بأن وزير الثقافة والإعلام السعودي يمارس دوراً يتصل بتحقيق أهداف وطنه وثوابته العليا، ولذلك يجتهد في الوعي العميق بمكونات وطنه، والربط الوثيق بين الأجيال، والاهتمام الواسع بما يجب أن يُطلق من مشروعات ثقافية وإعلامية تُكمل المسيرة الذهبية للثقافة والإعلام وفق الأسس التي وضعها جلالة الملك المؤسس غفر الله له، وتمتلك خصائص الجودة لتستمر وتستفيد منها الأجيال اللاحقة بإذن الله، حيث تقضي توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين أيده الله دائماً بضرورة العمل الجاد في خدمة المواطن وتسهيل أوجه الدعم له في جميع المجالات ومنها: الشؤون الثقافية. * استبشر كثيرون باختيار معاليكم وزيراً للثقافة والإعلام وذلك لما عرفتم به كمثقف ينتمي إلى جيل الشباب، إلا أن الوسط الثقافي يتساءل حول موعد الإعلان عن أي خطط أو برامج ثقافية من قبل وزارة الثقافة والإعلام؟ -العمل في الشأن الثقافي أمر له قيمته العليا، حيث إنه عمل في مجال النخبة ومع النخبة، إضافة إلى تطلع الوزارة إلى تنويع الشرائح المستهدفة، ولذلك فضلتُ أن أعطي الثقافة مزيداً من التخطيط لمسارات العمل الثقافي لدينا، وعلى رأس ذلك اختيار فريق عمل مميز للقيام بالمهام الثقافية للوزارة مع فريق الوزارة الدائم، كما قمنا في الوزارة بدراسة مجالات التطوير المتعددة للعمل الثقافي، بحيث تشمل الكتاب والمؤلف والنخبة والطفل والأسرة، مع تخصيص إبداع الشباب وأندية القراءة مزيداً من العناية، إضافة إلى الأعمال المعتادة بالإشراف أو تأسيس الأندية أو الجمعيات أو الفرق، ونتجه أيضاً إلى إعادة تأهيل بعض القطاعات بمزيد من الخبرات الإدارية والثقافية، ومن ذلك التغيير الذي تم في مركز الملك فهد الثقافي والمجلة العربية، إضافة إلى سياقات قادمة أخرى بإذن الله. ونعمل في الوزارة على أن تكون الثقافة شاغلاً رئيساً لجميع المؤسسات دون أن تقتصر على جهة معينة، فالثقافة بمفهومها العام أمر يجب أن تقوم به جميع المؤسسات الرسمية والأهلية تجاه الشرائح التي تنتمي إليها، وسوف تجد من وزارة الثقافة والإعلام كل الدعم والتأييد. * قرابة الستة أشهر مرت على حملكم لحقيبة الثقافة والإعلام. ما أبرز التحديات الثقافية في السابق وأبرز المشروعات القادمة؟ - يجسد العمل في وزارة الثقافة والإعلام تحدياً واضحاً من ناحية الموازنة بين عمل الإعلام وما يقتضيه والثقافة وما تشترطه، حيث يجمع الوزير بين مسؤوليات توجب قدراً كبيرا من التوفيق بين مستلزماتهما، إضافة إلى ما تشهده الساحة الثقافية العربية من غياب للتنسيق المشترك بين المؤسسات المعنية، وهو ما تجتهد الوزارة لتلافيه، وقد لمسنا في المدة الماضية وجود جهود مقدرة لمؤسساتنا الوطنية كما لمسنا غياباً لبعض الخبرات المهمة التي تدعم الرؤية الثقافية كما تدعم نشاط المثقف وفاعليته، وهي الخبرة التسويقية والمالية والإدارية التي تعد رافعة مهمة لأعمال المؤسسة الثقافية. ويمكن أن أشير إلى أبرز التوجهات العامة لمشروعاتنا في الوزارة، وذلك لأن التفصيل يتضح في الخطط الاستراتيجية والتنفيذية التي ستكتمل في المدة القادمة بإذن الله، حيث نهتم في المرحلة المقبلة بتعزيز حضور المثقف والمؤسسة السعودية في جميع المنظمات الدولية، بحيث تعكس الثقافة السعودية ونوعيتها وقيمتها، كما سندعم عدداً ممن السلاسل العلمية التي تهتم بالإبداع السعودي في بداياته وحاضره مع تركيز على جيل الشباب، إضافة إلى الاهتمام بمسار الترجمة، وتنفيذ أجنحة للكتاب السعودي في عدد من المكتبات الوطنية والعلمية في العالم بهدف إيصال الكتاب وصوت المؤلف السعودي. ومن أبرز ما نعمل عليه في الوزارة: سنُّ الأنظمة والأطر التي تدعم إطلاق الفعل الثقافي للمؤسسات الأهلية بشكل عام، بحيث يكون متاحاً لها أن تؤسس هيئاتها وأن تنفذ الأنشطة والبرامج في خدمة وطنها. * كيف برأيكم من الممكن أن تسهم الثقافة في تعزيز الهوية الوطنية؟ -نضع خططنا الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام مرتبطة بأهداف وطننا وثوابته الكبرى في تعزيز الرؤية الوطنية التي تجمع الوطن والمواطن، ونحن في ذلك ننطلق من توجيهات سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، حيث يؤكد حفظه الله على ضرورة أن تتكامل جهود المؤسسات الوطنية لتعميق وحدتنا الوطنية واستثمارها في بناء الداخل وتعزيز حضورنا الخارجي، ولذلك نؤكد في الوزارة على أهمية أن تقوم مختلف المؤسسات الثقافية والإعلامية بالعمل الجاد لتحقيق هذه الرؤية، وسوف نستمر بتقديم الدعم لمؤسساتنا الثقافية من خلال هذا المنظور، بحيث تصبح برامجنا الثقافية ومشاركة المثقفين خادمة لهذا التوجه الذي يدعم الهوية الوطنية والتنوع المثمر في المكون الثقافي ويدعم التجانس والتلاحم. * كيف تنظرون إلى إسهام الثقافة في التنمية في مختلف القطاعات؟ -تؤكد توجيهات سمو ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس شؤون الاقتصاد والتنمية على ضرورة أن يكون هناك تناغم قوي بين الموضوعين، حيث يجب أن تكون الثقافة ذات دور مؤثر في سياقات التنمية، فالثقافة كما هو معلوم ليست ترفاً وتعليقات من برج عاجي، وإنما هي معايشة للواقع بتفاصيله، وعمل مع مختلف قطاعات المجتمع، ولا يجب أن تنحصر مفهوماتها في السياق اللغوي أو الجمالي فحسب، وهو أمر مهم، ولكن يجب أن تتسع دلالتها لتشمل ثقافة الوعي بقيمة العمل، وضرورة المحافظة على مكتسبات الوطن. ويجب لذلك أن تنشط مؤسساتنا ومهرجاناتنا وفعالياتنا الثقافية لتأكيد هذا الحس الثقافي العميق في أن الثقافة رافد تنموي يدعم جميع القطاعات الوطنية، فالشاعر أو المسرحي أو القاص إنما تأتي إبداعاتهم وفق إحساساتهم العاطفية في هذا السياق الذي يسهم في بناء الحضارة وتشييد النهضة الوطنية. * في هذه المرحلة التي تشهد تصاعدا دراماتيكيا لنشاطات الجماعات الإرهابية المتطرفة، ماهي استراتيجية الوزارة الثقافية لإيقاف مد الفكر المتطرف؟ -الإرهاب هو آفة العصر، ومكافحته مسؤولية الجميع وواجب الأفراد والمؤسسات، حيث تشترك في الحرب ضد هذا الفكر مؤسسات الوطن المتعددة، وذلك وفق الاستراتيجية الوطنية العامة، وأما في وزارة الثقافة والإعلام فنحن على وجه التحديد نجتهد في أن نهيئ للشباب الزمان والمكان والمادة التي تعزز لديهم الانتماء الوطني، وتتيح لهم استثمار مواهبهم وإمكاناتهم في خدمة مجتمعهم ووطنهم، ومن ذلك: توفير ودعم الفعاليات الثقافية المتعددة. كما أننا في الوزارة بصدد الانتهاء من استراتيجية خاصة بالثقافة في هذا الإطار المهم خلال المدة القريبة القادمة، بحيث تكون منسجمة مع الاستراتيجية الوطنية. * كيف تنظرون إلى الجانب الثقافي في المملكة؟ تمثل الثقافة أساساً متيناً لأي مجتمع، وقد اجتمع في بلادنا مكونات قوية للجانب الثقافي، فلدينا الحرمان الشريفان، وبلادنا قبلة المسلمين، وهي في الوقت نفسه أساس العربية والعرب، وفي ترابها نشأ العرب وتكونت ملامحهم وحياتهم، كما أن بلادنا تمتلك مخزوناً ثرياً من التنوع الثقافي والتراثي بما يتصل بهذين المحورين الذين يمثلان هوية الوطن، فحن نجد تنوعاً عميقا تهتم به الوزارة يتمثل في تنوع القصائد والعروض الشعبية والفلكور الحياتي، إضافة إلى طرق القوافل والحج التي تمر بمختلف مناطق المملكة وتتقاطع ثقافياً مع هذه البيئات، وكذلك الأسواق القديمة والحديثة ومواسم الصيد والزراعة والأعياد وما ينتعش في ذاكرتنا من احتفاءات ثقافية مهمة، نجتهد في الوزارة بأن نواكب أعمالها من خلال مختلف المؤسسات التابعة للوزارة. ويمكن الإشارة إلى التميز والتنوع في ثقافة بلادنا، وتأثير ذلك على المتلقي أن أشير إلى حادثة مهمة بالنسبة لي حيث تيسر لي عام 1414ه صندوقاً قيماً من إصدارات اثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجه شفاه الله، ومازلت أتذكر كيف تأثرت بسير الرواد السعوديين الذين احتفت بهم الاثنينية والحوارات الثرية وإبداعات الأساتذة محمد حسين زيدان وأحمد الغزاوي وحسين عرب وعزيز ضياء وعبدالفتاح أبومدين وعبدالقدوس الأنصاري وطاهر زمخشري. * كيف تتعاملون مع ملف المؤسسات الثقافية مثل الأندية الأدبية أو جمعيات الثقافة؟ -تكتسب الأندية الأدبية استقلالها من خلال لائحتها الأساسية التي تتيح لها مجالاً واسعاً من الاستقلال المالي والإداري، وتطالبها بمزيد من العمل والإنجاز والأهداف، والوزارة تبذل مجالات الدعم وفق الإجراءات النظامية في خدمة الأندية والجمعيات وغيرها من المؤسسات، وهذه المؤسسات مطالبة بأن ترتبط بالمجتمع والوطن بجميع شرائحه، وأن تكون حاضرة ضمن جميع الفعاليات الوطنية، وهو ما تحثّ الوزارة عليه جميع مؤسساتها، بحيث تصبح المؤسسة الثقافية منسجمة مع النسيج المجتمعي، فيجد فيها الجميع صدى حياتهم مع محافظتها على أهدافها التي أنشئت من أجلها، ونجد فعالياتها حينئذ ضمن الاحتفالات واللقاءات وفي أوساط الأحياء. * تعاني بعض المؤسسات المعنية بالثقافة مثل جمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية من ضعف واضح ما أدى الى إحجام الجمهور عنها، ماهي خطة الوزارة لإعادة الحياة لهذه المؤسسات الثقافية والفنية؟ أشيد في البداية بجهود مختلف المؤسسات الثقافية، ولكننا نظل نطالب وننتظر الجديد المتميز، ولابد أن ألفت الانتباه إلى وجود أنشطة عدة تنفذها هذه المؤسسات وتحظى بحضور وتفاعل لافت، وهناك أنشطة أخرى تأتي على خلاف ذلك. والوزارة تثق بقدرات أعضاء المجالس والإدارات في هذه الأندية أو الجمعيات، وتدعوهم إلى بذل المزيد من الجهد، وتعدهم باستمرار الدعم والمساندة، علما أن الوزارة تقدر مبدأ الاستقلال المادي والإداري لدى المؤسسات الثقافية، وتنتظر منها مزيدا من الاستثمار الثقافي لهذا الإطار الإداري. المرأة موجه رئيس في عدد من القرارات.. ونضع الخطط لتكون ضمن فريق العمل القيادي في كافة برامج الوزارة * قبل خمس سنوات بادرت الوزارة بتأسيس جمعيات المسرحيين والتشكيليين والخطاطين والفوتوغرافيين، هذه الجمعيات أخفقت بسبب صراعات إدارية،, هل هذه التجربة انتهت أم أن لديكم توجهاً لإعادة إحيائها؟ نحن في الوزارة نوفر الإطار الداعم والحاضن لجهود هذه الجمعيات، وعلى رأس ذلك أننا ندعم استقلالها الإداري، ولكننا نجتهد في توفير ما يلزم لدعمهم. وسوف تعقد الوزارة لقاءات مع مجالس إدارة هذه الجمعيات لمحاولة التباحث معهم في الحلول المقترحة، علما أن الوزارة بصدد تكوين فريق استشاري في عدة تخصصات بحيث يقدم خدماته إلى مختلف المؤسسات الثقافية. * قبل عدة سنوات تمت في مجلس الشورى مناقشة ملف جمعية الأدباء والكتاب السعوديين هل هنالك نية لإعادة إحياء هذا الملف خصوصا وأن المملكة هي الدولة العربية الوحيدة التي ليس لديها جمعية أو اتحاد كتاب وأدباء.؟ -ندرس في الوزارة مختلف الاقتراحات والرؤى التي تسهم في دراسة الشأن الثقافي والأدبي، كما يهمنا تعزيز حضور الأديب السعودي على مستوى التمثيل العربي وغيره، وسوف نتعاون مع مختلف الجهات للعناية بشؤون المثقف ومؤسساته وفق ما تدعمه الأنظمة. * كيف تنظرون إلى دور المثقف في صناعة الحدث الثقافي؟ -تقوم الوزارة بدورها الوطني في خدمة المثقف، ونحن نؤمن بأن المثقف هو القيمة الإضافية لعمل الوزارة، وننظر إلى دوره في أعمال الوزارة نظرة تقدير وإجلال، فهو الذي يجب أن يضع الرؤى ويشترك في رسم خطط العمل الثقافية، وفي الوقت نفسه فإنه هو الذي يقيم التجربة ويساهم في تدارك أي خلل أو تقصير بالتعاون الحقيقي مع الوزارة. المثقف هو الزاد الحقيقي للمؤسسات الثقافية، ومن أجله تمارس عملها. -وسوف تنطلق قريبا بإذن الله مجموعة من حلقات النقاش الفاعلة في مختلف الشؤون الثقافية التي تهدف إلى مراجعة العمل الثقافي وتقويمه. ونوجه الدعوة الدائمة للمثقفين والمثقفات لتزويد الوزارة برؤاهم واقتراحاتهم وملحوظاتهم بشكل مباشر إلى مؤسسات الوزارة المختلفة. * هناك مجموعة من الإشكالات التي نشأت قبل سنوات قليلة بين أفراد من المثقفين أو مجموعات منهم مع بعض مؤسسات الوزارة وما زالت آثارها قائمة، ماهو تقييمكم لهذه المواقف؟ -نؤكد في وزارة الثقافة على أن المثقف هو الذي يضبط جودة الأنشطة الثقافية بمشاركته وتقويمه لها، ولعلنا نتمكن بالتعاون مع المثقفين والمثقفات وإخلاصهم من تجاوز الإشكالات التي تشيرون إليها مما حدث في المرحلة السابقة من خلال خطة عمل عامة تستدرك أوجه النقص أو الخلل التي حدثت من أي طرف أو مؤسسة، فهدفنا هو خدمة الوطن وأن نصنع مشهدا ثقافيا مميزا. ولاشك أن أي إشكال يُعكر صفو المشهد الثقافي يفرض علينا حالة من القلق، ولكنه يوجب علينا جميعاً مؤسسات وأفراداً أن نعمل على إيجاد حل له، وأن نتجاوز عن بعض الإشكالات التي حدثت وتعاقب بعدها مسؤولون عدة، بحيث يتم تسوية الأمر بصيغة تكفل لواقعنا الثقافي في هذه المؤسسات أن يستعيد حيويته سريعا. ولكن من الضروري أيضاً ومن الإنصاف أن أؤكد على أن هناك مبادرات رائعة من وزراء ومسؤولين وموظفين تعاقبوا على الوزارة وكان لهم فضل كبير. والمؤسسات الموجودة اليوم هي بفضل الله ثم بفضل ما قاموا به. وظيفتنا أن نكمل مسيرتهم. وهنا نتذكر ونستلهم ما رواه الريحاني في كتابه ملوك العرب حين قرأ في حضرة الملك عبدالعزيز رحمه الله ما كتب فوق بابه: لسنا وإن كرمت أوائلنا يوماً على الأنساب نتكل وعلق عليه، ثم قال الريحاني: لكن البيت الثاني يا مولاي يقول: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا فقال الملك عبدالعزيز رحمه الله: نحن نبني يا حضرة الأستاذ كما كانت تبني أوائلنا، ولكننا نفعل فوق ما فعلوا. درسنا مجالات التطوير للعمل الثقافي لتشمل الكتاب والمؤلف والنخبة والطفل والأسرة * ما هي رؤية الوزارة بخصوص الأندية الأدبية ولائحتها؟ تعلمون أن لائحة الأندية الأدبية خضعت لمراجعات متعددة شكلتها الوزارة في مرحلة سابقة، وبعضها أنجز وبعض آخر ما زال في طور المراجعة، إضافة إلى ما يتصل بمدد المجالس وأهمية العمل وفق ما تقتضيه اللائحة من إجراءات، مع وجود بعض الإجراءات الإدارية اللازم اتخاذها في هذه الفترة، وقد وجهت الجهة المختصة بضرورة البدء العاجل. * يتساءل كثير من الأفراد والمؤسسات حول أوجه دعم المؤلف السعودي الذي تقوم به الوزارة؟ -دعم المؤلف السعودي والكتاب السعودي ودار النشر السعودية من الأولويات الثقافية المهمة لدى الوزارة، ونعمل وفق خطة ثقافية في هذا الشأن تقضي بضرورة العناية بالكتاب الجاد، وتحفيز المؤسسات الثقافية على إطلاق البرامج الداعمة لهذا، ومنها: شراء الكتب أو إطلاق الجوائز أو دعم البرامج المختلفة في معارض الكتاب، كما نحرص على توجيه القطاع الإعلامي ليكون داعماً للشأن الثقافي والتعريف بالكتاب السعودي، ونحرص أيضاً على إيصال الكتاب الجيد إلى مختلف المكتبات الوطنية والعربية والدولية. * ما هي رؤية الوزارة تجاه المشاركات الثقافية الدولية للمثقف السعودي والمؤسسة الثقافية السعودية؟ -هذا سؤال مهم. ونحن في وزارة الثقافة والإعلام نتجه إلى زيادة دعم وتمكين المثقف السعودي من حضور المناسبات الثقافية الدولية، وتمثيل المملكة العربية السعودية فيه، كما ندعم حضور المؤسسات الثقافية فيها، ونتمنى أن يتحقق وفق ثوابتنا الوطنية والطرق النظامية حضور واسع للمثقف السعودي في مختلف المناسبات الدولية، ونأمل أن تقوم المؤسسات الوطنية بالمشاركة في المناسبات والمنظمات الدولية من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة. -نود في الوزارة أن نعزز الصورة الإيجابية للثقافة السعودية في الإعلام والمؤسسات الثقافية والمنظمات الدولية المتعددة من خلال المشاركة المميزة. * ماذا عن المكتبات العامة.. ما هي خطة الوزارة تجاهها ؟ ندرس حالة المكتبات العامة في بلادنا، ونعي أهدافها السامية التي أسست من أجلها، ونود أن تكون خطواتنا القادمة داعمة لواقعها الحالي من حيث التزويد وإعادة التأهيل والتطوير، والاجتهاد في بنيتها الرئيسة، والتوجه الذي تتم دراسته هو أن تقوم المكتبات بأكثر من مجرد حفظ الكتب، وأن تستغل مساحتها ومواردها لتكون مركز جذب ثقافي وشبابي بالمناسبات والخدمات. * ماهي رؤية معاليكم لمجالات الثقافة الرسمية وغيرها؟ -أود هنا أن أشير إلى أن الوزارة تدعم وتحتفي بجهود المؤسسات الأهلية وما يقوم به القطاع الخاص من أعمال ثقافية بحيث تتكامل مع الجهود الرسمية في تعزيز ثوابتنا الوطنية، وسوف ندعم تنوع هذه الجهود وتعدد مصادرها، كما أن الوزارة مهتمة بإيجاد الأطر التي تدعم إمكانية التنوع في مسارات خدمة الثقافة من المؤسسات الوطنية والأهلية. هناك مواطنون سعوديون يرغبون في أن يقدموا أو يهبوا الثقافة من أموالهم وأوقاتهم ونحن نريد أن نكون عونا لهم، وأن نبحث ونقترح أنظمة وآليات لمساعدتهم في تحقيق ذلك. * ماذا عن معارض الكتب في المملكة، ماهي مرئياتكم بشأنها ؟ -معارض الكتب مظهر ثقافي دولي يعكس حركة الكتاب وتداول المعرفة وتنوع الجهود العلمية والثقافية، ولقد حقق معرض الرياض الدولي حضورا ضخماً ومميزاً، ونتجه بإذن الله إلى إيجاد صيغ داعمة له على مستوى الأفكار والبرامج، ومن جهة أخرى فإن الوزارة تدعم وتتهيأ لمعرض جدة الدولي للكتاب، وتحشد له جهودها لتحقيق نجاح يليق بحجم المكان والمناسبة، كما أن الوزارة تطرح خيارات أخرى وصيغاً مختلفة لمعارض الكتب، وهو ما نود أن نسترشد له برؤى المثقفين والمثقفات، وذلك بصناعة مجالات جديدة للكتاب المتخصص في الفنون أو الأعمار تضاف إلى ما هو قائم الآن. * يعاني معرض الكتاب من عدم وجود إدارة ثابتة له حيث يدار من قبل مجموعة من الأكاديميين المتعاونين ويبدأ العمل فيه قبيل مدة قليلة من افتتاحه ما ينعكس سلبا على جودة التنظيم والفعاليات المصاحبة، هل ستتجه الوزارة لتحديد إدارة ثابتة تقوم بتنظيم معرض الكتاب؟ لا يخفى على الجميع أن معرض الرياض الدولي هو واحد من أبرز المعارض العالمية، وحقق نجاحات بارزة في عدة أصعدة، علماً أن وكالة الشؤون الثقافية وإدارة المكتبات فيها معنية ضمن أعمالها بمتابعة شؤون معرض الكتاب، ونحن نرى أن التشكيل المتجدد للإدارة واللجان الثقافية والإعلامية يهدف إلى التنوع في الخبرات والإثراء في الآراء والتجارب، كما أن الوزارة تدرس الخيارات الأخرى في هذا الشأن. من جهة أخرى ذات صلة فالوزارة تستعد للمشاركة في معرض جدة للكتاب الذي نثق أنه سيحقق بإذن الله حضورا مميزا يكمل النجاحات الثقافية في بلادنا. * ترتبط الثقافة بالإعلام، ويطرح المثقفون تساؤلا دائما حول نصيب الثقافة من الوزارة؟ -كلنا نعمل من أجل الوطن ولتحقيق أهدافه والعمل تحت رايته، والثقافة والإعلام جناحان في وزارة واحدة، ويتكاملان في زوايا متعددة، ومنها التداخل العميق بين اهتمامات الفريقين، وفي هذا الإطار علينا القول: إنك لن تكون إعلامياً مميزاً ما لم تكن مثقفاً، فالثقافة هي رأس المال الحقيقي للإعلامي، والإعلام هو شريك فاعل ونوعي في نقل الثقافة والمساهمة في صناعتها، ونحن في الوزارة نهيئ وسائل الإعلام لتكون شريكاً فاعلاً مميزاً في نقل الثقافة وإدارة الشأن الثقافي حوله، بحيث تتجاوز وسائل الإعلام وظيفة المنبر الناقل إلى أن تكون شريكا مميزاً في صناعة الثقافة. * حظيت بعض الفنون بالرعاية والاهتمام ولم تجد فنون أخرى الرعاية اللازمة مثل الأغاني الفلكورية لماذا لا نلتفت الى هذا الإرث الفني؟ تمثل هذه الأنماط تمازجا ثقافيا صوتيا، ومع أنني أتفهم ألا يتناغم بعض الناس مع بعض هذه الأنماط، إلا أنني أشير إلى أن بلادنا تحتضن تنوعاً ثقافياً واضحا يتجلى مثلاً في هذه الأناشيد والأغاني الفلكورية التي تعدّ من صميم البيئة في كل منطقة من بلادنا الحبيبة، حيث يستمتع بها الجميع، ويقدمونها في أفراحهم وأعيادهم ومناسباتهم. ونحن نعلم أن هذه الأنماط الغنائية تحمل فيما تحمله مزيجاً من المعاني والرؤى والحماسات الفكرية والعاطفية التي تتصل بالتطلعات والطموحات، ونود في وزارة الثقافة والإعلام أن نعمق الوعي بالدلالات الثقافية التي تحملها هذه الأنماط، بحيث يتاح للمتلقي أن يجد مجالا لذلك. * من الناحية الثقافية. كيف تتعاملون في الوزارة مع الشباب؟ -تضم بلادنا بحمد الله عدة أجيال، وتتواصل الأجيال فيما بينها بروح إيجابية مثمرة، حيث تنتقل الخبرات وتتكامل بصورة إيجابية تحافظ على ثوابت الدولة ومبادئها واستمرارية العطاء. وأنا أؤمن بعمق أن العمل يجب أن يتجه إلى جميع الشرائح والأجيال سناً وتخصصا ونوعا، فجهود الوزارة للوطن والمواطن بصفة عامة. ونحن نقدر ونشيد بالجهود المميزة التي بذلها الرواد والكبار في جميع القطاعات، ونقدر مسيرتهم في العمل والإنجاز، ونسعى إلى الاستفادة منها ومن خبراتهم ورؤاهم إضافة إلى تتميمها بالرؤية الإيجابية والعطاء المستمر من خلال الاستفادة من جهود الشباب والشابات، وذلك بتقديم البرامج والأنشطة إليهم أولاً، وبإشراكهم في صناعة القرار والقيادة والإشراف على البرامج، وسيكون لهم بإذن الله دور بارز في هذا الشأن. وهناك ورشة عمل وطنية للثقافة والشباب يتم الإعداد لها، وستكون بإدارة شبابية، وسيدعى إليها شباب الوطن ليقترحوا ما يجب أن يكون لهم. * كيف تنظرون إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به المرأة؟ -ليست المرأة شريكة في القرار الثقافي فحسب، بل هي موجه رئيس في عدد من القرارات والتوجهات التي تحكم مسيرة العمل الثقافي والإعلامي، وهذا ليس جديداً، وإنما نجد هذا حاضراً في تاريخنا العربي، حيث حضرت المرأة العربية في الحرب والسلم والعلم والتعليم، وكان لها أدوار فاعلة في عدد من القضايا المحورية، وكانت مدرسة دائمة لصناعة الأجيال في كل مجال، ونتذكر الشاعرة الخنساء، وهي تسهم في عدد من المجالات، ولم تكتف بالشعر فقط. ونحن في وزارة الثقافة والإعلام نؤمن بجهود المرأة وتاريخها في المساهمة في تأسيس المشهد الثقافي ودعمه بالإنجازات العلمية والثقافية والإبداعية، ونضع الخطط لتكون ضمن فريق العمل القيادي في كافة برامج الوزارة بإذن الله. * هل هناك أفكار أو برامج يمكن لمعاليكم الإشارة إليها في المجال الثقافي؟ - تعمل الوزارة على تنسيق الجهود المختلفة في المجال الثقافي، بحيث ننمي الشراكات الثقافية مع مختلف المؤسسات والقطاعات الأهلية الاقتصادية، فالرسالة الثقافية واجبة على الجميع، وليست حكراً على المؤسسة الثقافية الرسمية، إضافة إلى أننا نود أن نوجد هوية خاصة لمؤسساتنا الثقافية، بحيث نجد المؤسسة المتخصصة بالطفل وثقافته، ونجد المؤسسة المعنية بأدب الرواد، والمؤسسة المعنية بالقصة، إضافة المؤسسات المعنية بالتشكيل والخط والتصوير والمسرح وغيرها، وهكذا حتى نتمكن من إيجاد بيوت خبرة ثقافية متخصصة في مؤسساتنا الوطنية. -ومن النماذج في هذا السياق أننا نود أن نطلق بعض السلاسل التأليفية والمجلات المتخصصة في عدة مجالات، وذلك لتحقيق تراكم في صناعة الثقافة، وأود في هذا السياق أن أشيد بعدد من المشروعات والبرامج التي نفذتها عدد من مؤسساتنا الثقافية، ومنها: مشروع (هذه بلادنا) الذي أطلق منذ زمن وما زال نشطاً في هذه الوزارة، وهو أنموذج للمشروعات الرائدة مهما وجدت بعض الملحوظات عليه وذلك لأنه اكتسب صفات المشروع من الاستمرار والقدم والنوعية. * شخصيا على مستوى الثقافة. ما هو منهجكم في القراءة والكتابة؟ وما آخر ما قرأتموه؟ -اهتماماتي الثقافية على مستوى المتابعة والاطلاع هي من صميم عملي، وأجتهد في استقصاء الشأن الثقافي الوطني والعربي والعالمي، ومحاولة دراسة التجارب ومعرفة الجديد في عالم النشر والتأليف والكتابة، إضافة إلى متابعة الإبداع الوطني وتجارب الرواد في الكتابة والتأليف والإبداع، مع عناية بدراسة التحولات الثقافية والتوجهات الفكرية، إضافة إلى العناية بالمجال العلمي التخصصي. وأما على مستوى القراءة فقد كنت سابقاً أنهي قراءة الكتب المتوسطة في يومين، أو ما يقاربها في خطة قرائية مكثفة، وبالدخول في مجال العمل الإداري اليومي الكثيف فقد تأثرت طريقة القراءة، وذلك تبعاً لطبيعة العمل وكثافة الارتباطات الإدارية، ولذلك فقد اتبعت منهجاً شخصياً لضبط عملية القراءة وعدم التخلي عنها، فخصصت أوقاتاً لاستعراض مجموعة من الكتب، وقراءة حصتي اليومية بما لا يقل عن ثلاثين صفحة يومياً، مع التنبه إلى أن جزءاً من الأعمال الإدارية تتضمن قراءات واسعة لتقارير ثقافية ومعلومات موسعة حول البرامج الثقافية المختلفة مع تحليل لعدد من الكتب المتخصصة. من جهة أخرى فقراءاتي الثقافية الخاصة تتأسس على التعمق في الأعمال الكلاسيكية الكبرى التي شكَّلت وعي الثقافة واتساع المدارك والقدرة على الحلم، وكأنك بذلك تعيد قراءة أساس الثقافة وتتعرف على المكونات الأولى لما تراه في العالم الثقافي اليوم، وحين غادرتُ الجامعة كانت نصيحة أستاذتي: ماذا ستقرأ؟ فقلت: سأهتم بالتخصص، فقالت: نعم، ولكن الأهم أن تعيد قراءة الأعمال الكلاسيكية الرئيسة، وهو ما ظلّ عالقاً في الذهن، وأحاول الاستثمار فيه بهدف تمتين المكون الثقافي واستبطان التجارب العالمية في هذا السياق. وقد كان من آخر قراءاتي رواية تحت عيون غربية (Under Western Eyes) لجوزيف كونراد، وكتاب مايكل باربر بعنوان (كيف تدير الحكومة أعمالها بشكل يفيد المواطنين، ولا يفقدهم عقولهم) How to Run a Government so That Citizens Benefit and Taxpayer Don't go Crazy" حيث يقدم فيه رؤيته في آلية تحديد الأهداف ورسمها، والتحول من الوعود إلى الحقائق، وطرق التحليل والتخطيط المنهجي للوصول إلى الأهداف. أما أحد الأعمال الكلاسيكية التي أستمتع بها فهو (أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب) للأديب الراحل عبدالكريم الجهيمان. * ماذا عن الإبداع العربي القديم وحضوره في قراءاتكم؟ -تحضر مفردات ثقافية متنوعة ضمن مجالات العمل الإداري مما ينسج شبكة تداخلات بين الإداري والثقافي في تحليلي وقراءاتي، فتكون جاهزة في تفسير عدد من المسائل، فأنا أردد كثيرا قول معن بن أوس: لعمرك ما أهويتُ كفّى لريبة ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي وأعلم أنّى لم تصبني مصيبة من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلي ولست بماش ما حيبت لمنكر من الأمر لا يمشى إلى مثله مثلى حيث تلهمني الموقف الأصيل ضد الكذب والافتراء والاتهامات غير الصادقة، على حين يفتح لي مجالا آخر قويا قول أبي الحسن الجرجاني: يقولون لي: فيك انقباض وإنما رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما أرى الناس منْ داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما وما كل برق لاح لي يستفزني ولا كلّ منْ لاقيت أرضاه منعما ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمع صيّرته لي سلما إذا قيل: هذا منهل قلت: قد أرى ولكنّ نفس الحر تحتمل الظما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظّموه في النفوس لعظما حيث علمتني هذه الحكمة الشعرية العميقة أن ألغي الحكم على مظاهر الناس دون النظر في مخابرهم، فالبعض تمنحك ملامحه قلقاً وريبة، وهو في الحقيقة من الأنقياء، على حين تجد من توحي ملامحه بالقسوة والعنف، وحقيقته مليئة بالود والطمأنينة.