كل ما يقدمه التلفزيون السعودي من إنتاج يذهب هباء لسبب بسيط أنه لا يسوّق لأعماله مثلما تفعل بقية القنوات الأخرى، ففي رمضان الحالي يمتلك التلفزيون عدة مسلسلات مميزة مثل "منا وفينا" و"شباب البومب" إضافة إلى برامج منوعة ومع ذلك لم يبذل جهداً في عملية الإعلان عن هذه الأعمال قبل رمضان، ظناً منه أنه لا يزال قوياً ولا تزال له متابعة كبيرة كما كان قبل ثورة القنوات الفضائية. التلفزيون السعودي ينتهج أسلوباً غريباً في التعامل مع قضية التسويق، ويكاد يكون التلفزيون الوحيد الذي لا يلقي بالاً لهذه العملية، ولا يملك إدارة متخصصة في تسويق منتجاته، ويبدو أنه لا يريد أن ينافس أحداً ولا يريد أن يراه أحد أو أن يعلم بوجوده أحد. فهو ينتج ويدفع الملايين ثم ينسى أهم جزء في الصناعة الإعلامية ألا وهو التسويق للمنتج الإعلامي وإبلاغ الجمهور عنه. هذا ما تفعله قنوات محترفة مثل MBC وروتانا وأبوظبي ودبي وغيرها، والتي خصصت إدارات للتسويق والإعلان عن منتجاتها على مدار اللحظة، وبناء ما يعرف بالعلامة التجارية للقناة، وذلك عبر الإعلان عن برامجها في الصحف والمجلات وتسجيل الحضور القوي في مواقع الإنترنت والمنتديات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، من أجل جعل اسم القناة حاضراً في ذهن المشاهد في كل مكان وكل لحظة. تلفزيوننا العزيز لا يفعل ذلك متوقعاً أن المشاهد لا يزال على ولائه القديم، وبسبب هذه السياسة ظلم المنتجين والممثلين مثل عبدالله السدحان الذي قدم عملاً مميزاً "منا وفينا" وجمع فيه كل الطاقات الفنية لتقديم مادة تليق بالمشاهدين، ولكن للأسف لا أحد يعلم أن لديه هذا العمل إلا من يقع عليه بالمصادفة أو عن طريق تغريدات أبطال العمل في تويتر. وهذا الأمر يفسر الحضور الطاغي لبعض المسلسلات في مواقع التواصل الاجتماعي وغياب الأعمال التي تعرض في التلفزيون السعودي. لا يمكن أن نقارن بين آلية تسويق البرامج التي تقدمها مجموعة MBC والقنوات الأخرى وبين تجاهل التلفزيون السعودي لتسويق برامجه. في عام 2008 كان لدى وزارة الثقافة والإعلام توجهاً لإطلاق بوابة إلكترونية تقدم كل المعلومات الخاصة بالوزارة وبالتلفزيون السعودي على أن تكون هذه البوابة مرجعاً معلوماتياً لكل من يبحث عن برامج التلفزيون. كان مشروعاً طموحاً سيضع التلفزيون في قلب المشهد الإلكتروني وسيجعله قريباً من الناس وحاضراً معهم في وسائط الإعلام الجديد، لكن للأسف لم يتم شيء من ذلك حتى الآن. ولا يزال تلفزيوننا الوطني غائبا تماماً عن الإنترنت، بلا تسويق ولا إعلان، تاركاً المشاهدين لقمة سائغة للقنوات الخاصة. ضعف التسويق هو السبب الرئيسي لتراجع معدلات مشاهدة التلفزيون السعودي، فالمشاهد الحالي لا يمتلك ترف الوقت لمتابعة قناة ما من الصباح إلى المساء بحثاً عن برنامج أو مسلسل يعجبه، وإذا لم تسوق القناة برامجها وتضعها أمام المشاهد بشكل واضح ودقيق فإنه لن يغير من جدوله اليومي ويضيع وقته من أجل برامج لم يسمع عنها مسبقاً عبر إعلان هنا أو هناك. لننظر إلى MBC مثلاً سنجد أنها تهيمن على الإنترنت بمواقعها التفاعلية القوية والتي تحوي جداول واضحة لبرامجها كما أنها تمتلك تطبيقات إلكترونية لإذاعاتها وقنواتها إلى جانب تطبيق "شاهد" الذي يعتبر مكتبة متكاملة تحتوي على كل ما عرضته قنوات MBC منذ سنوات وحتى اليوم، كما أنها تقوم بالإعلان عن برامجها في المواقع الإلكترونية والمنتديات إلى جانب وسائل الإعلام المقروءة. ما الذي يجبر قناة ناجحة مثلها لصرف هذه الأموال؟. إنها الرغبة في السيطرة على الصدارة وضمان التواجد في ذهن المشاهد في كل وقت. من يتابع التلفزيون السعودي سيعتقد أنه استسلم ولم تعد لديه الرغبة في المنافسة، رغم أنه ينتج أعمالاً وبرامج ممتازة لا تقل عن ما تنتجه القنوات الأخرى، لكنه لا يسوق لها ويعتقد أنها ستسوق نفسها بنفسها، وهذا الأمر كان مقبولاً في الثمانينات حين لم يكن هناك سوى التلفزيون السعودي، أما اليوم في ظل هذا التواجد القوي للقنوات الخاصة فإن الحاجة لإدارة خاصة بالتسويق باتت ملحة وجزءاً لا يتجزأ من عملية الإنتاج ذاتها، وإلا ما الفائدة من إنتاج ضخم لا يراه إلا منتجوه ولا يعلم عنه الجمهور العريض؟!.