نقلا عن صحيفة الأهرام : يوم حالك السواد هكذا وصفت الصحافة الغربية خاصة البريطانية والأمريكية أمس حادث الاقتحام المسلح لدار الضيافة التي يستخدمها موظفو الأممالمتحدة في العاصمة الأفغانية كابول وأسفر عن مصرع ستة من الموظفين الدوليين وإصابة تسعة آخرين, كما أطلقت في وقت لاحق عدة صواريخ باتجاه فندق سرينا في كابول الذي يقصده الدبلوماسيون والوافدون الأجانب. واعترف ذبيح الله مجاهد الناطق باسم حركة طالبان بمسئولية الحركة عن الهجوم بغرض إفساد الجولة الثانية من الانتخابات التي سيتنافس فيها الرئيس الحالي حامد كرزاي مع وزير الخارجية الأسبق عبدالله عبدالله يوم7 نوفمبر القادم. وكانت حركة طالبان قد هددت بشن هجمات في العاصمة وغيرها من المدن الأفغانية قبل جولة الانتخابات. وقبل هذا الحادث الدامي الذي لاشك سيعقبه حوادث أخري كانت المعارضة لاستمرار الحرب تتصاعد في كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وباقي الدول المشاركة بقوات الناتو في أفغانستان. ويلخص هذه المعارضة الشديدة لاستمرار الحرب ضد طالبان والاستجابة لطلب قائد القوات الأمريكية بإرسال40 ألف جندي إضافي- وهو الامر الذي لم يبت فيه أوباما حتي الآن- مقتطفات من رسالة استقالة الدبلوماسي الأمريكي ماثيو هوه الذي كان موظفا في الهيئة الدبلوماسية بإقليم زابول والتي قال فيها: لم أعد أفهم الأهداف الاستراتيجية لبقاء الولاياتالمتحدة في أفغانستان وفقدت الثقة فيها..إن استقالتي ليست بسبب الطريقة المعتمدة في قيادة هذه الحرب بل لدوافعها ومراميها وعلينا أن نضع خطا فاصلا في مكان ما وأن نقول لهم هذه مشاكلكم فحلوها. هذه الكلمات عين العقل ولكن هل هناك من مستمع عاقل؟!. فلنعد للوراء قليلا- بعد مرور8 سنوات من الحملة العسكرية السوفيتية علي أفغانستان تلقي أكبر مسئول عن إدارة المعركة في وزارة الدفاع خطابا من أحد مساعديه يحتوي علي قائمة طويلة من الفشل العسكري والاستراتيجي وأخطاء فادحة في التقدير ونصه كالتالي:' يجب أن نعترف أن جهودنا خلال السنوات الماضية لم تحقق النتائج أو الأهداف المرجوة منها وما تكبدناه من خسائر مادية وبشرية فادحة لم يؤت ثماره ولم يحقق الاستقرار السياسي والعسكري في البلاد. وطبيعة الصراع طويلة الأمد وانعدام أي انفراجة في الوضع القائم أدي إلي فقدان الشعب للثقة في النظام الموجود' وأضاف:' أن تجربة الأعوام الماضية أوضحت بما لا يدع مجالا للشك في أن المشكلة الأفغانية لا يمكن حلها بالوسائل العسكرية فقط ويجب اللجوء إلي استراتيجية جديدة مع الوضع في الاعتبار دروس الماضي والوضع الحالي المتردي في البلاد...'. الخطاب توقيع: الكولونيل: ك.تساجلوف بتاريخ17 أغسطس عام1987 وموجه لوزير الدفاع السوفيتي الجديد في ذلك الوقت ديمتري يازوف. أي متابع لأحداث أفغانستان كان سيعتقد للوهلة الآولي أن هذا الخطاب حديث وما هو إلا سطورا منقولة من المذكرة السرية التي وجهها قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال إلي الرئيس أوباما في أغسطس الماضي بعد مرور نفس المدة من التدخل العسكري الأمريكي, يشرح فيها الوضع المحبط ويطلب المزيد من القوات العسكرية. ووفقا للمقولة الشهيرة' التاريخ يعيد نفسه' سنجد أن ما كتبه ماك كريستال بعد22 عاما من هذا الخطاب السوفيتي الرسمي لا يختلف كثيرا في المضمون. ويقول ماك كريستال في مذكرته:' بعد8 سنوات من التدخل الأمريكي, مازال لدي الشعب الأفغاني القليل من الأسباب لتأييد الحكومة الحالية مؤسسات الدولة ضعيفة وانتشار الفساد الإداري والسياسي واستغلال السلطة من قبل عدد كبير من المسئولين إلي جانب الأخطاء المتكررة من قبل منظمات الإغاثة أدي إلي وجود أزمة ثقة بين الشعب الأفغاني في قدرة القوات الأمريكية علي تحقيق الاستقرار, مما جعلهم يتقاعسون عن الانضمام لجهود قوات التحالف لمواجهة التمرد الداخلي المتمثل في طالبان'. هذا الكلام يكاد يكون صدي صوت لما قيل منذ22 عاما أثناء التدخل السوفيتي لمساندة انقلاب عسكري للإطاحة بالرئيس الشيوعي حافظ الله أمين المشكوك في ولائه وضعف التأييد الشعبي للقوات السوفيتية لمقاومة المجاهدين. واتفق الرأيان العسكريان السوفيتي والأمريكي مع اختلاف الأزمات بأن الانتصار في أفغانستان وهم كبير أمام التحديات التي تواجه قواتهما حين كتبا كل منهما في تقريره وإن اختلفت الصياغة ولكن المعني واحد:' إن الشئون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأفغانية معقدة للغاية ومستعصية علي الفهم وأن مزيج الفساد والتمرد الداخلي يؤثر بشدة علي مسار الحرب'. التشابه في الظروف التي صاحبت مهمة القوات السوفيتية والأمريكية مذهل ويبدو من استقراء الأحداث أن النتائج ستكون واحدة وإن اختلفت الأهداف. ووسط الجدل الدائر في واشنطن حول إرسال قوات جديدة ورفض الرأي العام البريطاني لاستمرار قواتهم في أفغانستان تعالت أصوات المحللين في كلا البلدين لتلوم صناع القرار السياسي في الولاياتالمتحدة وبريطانيا علي عدم دراسة الحرب السوفيتية-الأفغانية جيدا والاستفادة من دروس هذه الحرب الكارثية التي استمرت من عام1979 إلي1989 وانتهت بقرار الزعيم السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف بالبحث عن مخرج وبدأت خطة الانسحاب من عام1985. ولو درست القيادات العسكرية في كلا القوتين عوامل التاريخ القومي الأفغاني لوجدوا تاريخا طويلا من المقاومة للغزاة وعدم انتصار اي قوة غازية لاعتبارات كثيرة منها طبيعة البلاد الجبلية والظروف المناخية الصعبة التي تجعل مهمة اي قوات عسكرية شبه مستحيلة, والنزعة القبلية والاستبسال في القتال من الجانب الأفغاني الذي يستمد قوته من استيعابهم لمعني' الجهاد' فهم يدافعون عن أرضهم وأعراضهم وذلك يمدهم بطاقة جبارة و'نفس طويل' في المقاومة. وهو الأمر الذي يفتقده أفراد القوات الغازية باختلاف المسميات. ونجد أن خبراء التاريخ السوفيتي أكثر الناس اندهاشا من التشابه في ظروف الحربين وأن كبار القادة السوفيت ندموا علي عدم قراءة التاريخ الأفغاني قبل الغزو والآن يجب علي القادة الأمريكيين الندم لنفس السبب ولو تكبدوا عناء قراءة بعض سطور تاريخ الحرب السوفيتية الأفغانية لاكتشفوا أن فشل نظام رجلهم حامد كرزاي حتي الآن ليس سوي انعكاس في مرآة التاريخ لصورة عمرها30 عاما لفشل رجل السوفيت نورمحمد ترقي والذي كانت مهمته' انشاء دولة حديثة وإعادة تأسيس الجيش وتنظيم الحياة السياسية'. ورغبة القوتين في تأسيس دولة جديدة حديثة لها حكومة مركزية قوية هو السبب الرئيسي لفشلهما في أفغانستان. فالنتيجة في الحالتين أن القوات الأجنبية وجدت نفسها في النهاية لم تنجح سوي في حشد تأييد قلة لا تذكر من الشعب الأفغاني دون تأييد شعبي كاف يعطي الحكومة الجديدة الشرعية الكافية لإستمرارها. في الحالة الأولي دعم السوفيت الحزب الشيوعي الذي كان متشرذما ومنقسما علي نفسه والآن القوات الأمريكية تدعم قلة من الصفوة تلتف حول حكومة كرزاي الضعيفة. تأسيس حكومة أفغانية موحدة علي الطراز الحديث هذا هو رابع المستحيلات, بداية من محاولة الرئيس محمد داوود خان عام1970 وحتي يومنا هذا. وهم الدولة الحديثة, هو سبب الصراعات والتمرد في أفغانستان وعلي الجميع أن يتقبل هذه الحقيقة: أفغانستان مجتمع قبلي ولن ينجح فيها سوي نظام الحكم المعتمد علي النظام القبلي التقليدي البدائي والذي يقاوم أي محاولة لتكوين حكومة مركزية حديثة موحدة, وعلي الجميع استيعاب درس الماضي والحاضر والمستقبل: من يحاول تكبيل المجتمع الأفغاني القبلي في حكومة مركزية حديثة كمن يحاول أن يسرج بقرة فهل رأي أيا منا شخصا يمتطي بقرة؟