سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
توأمة الثقافة والإعلام مهددة بتوهان المثقفين ومقاطعتهم الأندية الأدبية هل سيقاطعون حساباتهم على مواقع التواصل أم فقط المنابر الثقافية الوطنية؟ تركي التركي يكتب:
توأمة الثقافة والإعلام جزء من توأمة ثقافية عامة وشاملة يحتاج إليها الوطن. وهذا ما جعل كثيرين يستبشرون خيرا بقرار تغيير مسمى وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة والإعلام في وقت سابق، لما فيه من دلالة رمزية تعد بكثير مستقبلا. ولكن أين الوزارة والمثقفون اليوم من هذا المشروع وإلى أين؟ مع اقتراب نهاية الفترة الزمنية للمجالس الأدبية تعود إلى الساحة مجددا تهديدات بعض المثقفين وتوعدهم بالمقاطعة، إذا ما مددت الوزارة للمجالس أو عيّنت أعضاء جددا بمعرفتها. مقابل آخرين، يَرَوْن من الأصلح بقاء التعيين المقنن حتى لا تتكرر أخطاء الانتخاب ومشاداته التي وصلت إلى التشابك بالأيدي، في بعض الأندية الأدبية. سلاح "المقاطعة"، لا يليق، بحسب البعض، بطبيعة عمل المثقف المستمر والدؤوب. فهذا الأسلوب قد يكون من صميم عمل السياسي أو الفرد العادي، في قضية حسية مباشرة، لكنه لا يليق بمثقف متورط بقضايا مجتمعه، السلبية منها قبل الإيجابية، كما أن هذا الأسلوب يثير سخرية البعض إذ يوحي للمستمع وكأن الأندية الأدبية السعودية تعج فعلا بالنشاط الثقافي والحضور الجماهيري. وبالتالي هي مقاطعَة سلفا حتى من الذين يهددون بمقاطعتها. فهل هذه المناوشات التي تتكرر من وقت إلى آخر تتعلق بالانتخابات أم بما هو أبعد وأعمق؟ وهل هذه المقاطعة ستمتد لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لشركات أمريكية أم المعني بهذه المقاطعة المنابر الثقافية الوطنية فقط؟ سؤال تحتاج الإجابة عنه إلى استعراض تاريخ الأندية الأدبية من جهة وأنشطة مثقفي الأمس واليوم من جهة أخرى. يذكر أنه منذ انطلاق الأندية الأدبية منتصف السبعينيات باقتراح من الراحلين عزيز ضياء ومحمد حسن عوّاد، وبمباركة من الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد، وهي تعمل بمنطق الترشح والانتخاب. إلا أن هذه الآلية غابت لسنوات، ليعود العمل بها كما هو الحال مع كثير من المجالس الرياضية والبلدية، قبل سنوات ليست بالبعيدة. إذن آلية الانتخاب وجدت ثم غابت ثم عادت وهاهي تغيب مجددا بعد تصرفات "غير لائقة" بحسب ما تراه الوزارة، فيما تراه بعض النخب الثقافية أمرا طبيعيا في بدايات أي تجربة. ولكنها ليست البداية بحسب المسار التاريخي لتجارب الأندية، كما أن هذه الممارسات لم تصدر من أفراد عاديين لكنها صدرت من أفراد يحسبون على البلد كأدباء ومثقفين. وهذا ما يجعل كثيرين بمن فيهم الوزارة يتخوفون من عودة مثل هذه التصرفات، بينما يؤكد البعض الآخر في المقابل أن هذه لا تعدو كونها حججا واهية تسوقها الوزارة والمثقفون المحسوبون عليها قصدا من أجل تعطيل انتخابات مجالس الأندية الأدبية. في حين إن السبب الوحيد هو رغبة الوزارة في السيطرة وإحكام القبضة على هذه الأندية. من جهة أخرى، يعتقد بعض المثقفين أن مشكلة وزارة الثقافة والإعلام الأساسية في القدرة على إدارة الثقافة، ففي الوقت الذي قد توجد للوزارة عقليات إعلامية تستطيع إدارة العملية الإعلامية بكفاءة إلا أنها في المقابل لا تستطيع إدارة العملية الثقافية والأدبية بالقدر ذاته من الجودة. فالأمران، كما يرى هؤلاء المثقفون مختلفان تماما. ولكن بالعودة إلى تاريخ الأندية الأدبية مرة أخرى فإن هناك ما ينقض هذه الحجج المطالبة بفصل الثقافة. فالتوأمة بين الإعلام والثقافة حاصلة منذ تأسيس الأندية الأدبية من خلال اجتماع الأديب العواد والإعلامي الصحفي عزيز ضياء الذي كما كان له تاريخ أدبي مشهود من خلال كثير من المؤلفات إلا أنه كان أيضا إعلاميا وصحفيا دؤوبا لامس كثيرا من القضايا من خلال عمله في الإذاعة والصحافة. توأمة ثقافية إعلامية لم تنته برحيل المؤسسين بل استمرت في تطور وتقدم حتى تُوّجت بأكثر الفترات تنويرا وأدبا أو ما عُرف وقتها ب "حداثة الثمانينيّات" فكانت الصحافة تنهل من معين الأدباء والمثقفين ليس فقط من خلال صفحات الرأي كما يفعل مثقفو اليوم. ولكن أيضا من خلال المشاركة في إعداد مواد وبرامج إعلامية وصفحات متكاملة تضيف للمشهد الصحافي والثقافي بالقدر ذاته الذي تضيفه هذه الخبرة للأدباء والمثقفين أنفسهم من خلال تطوير أدواتهم وتفاعلهم المباشر مع الواقع من خلال هذه المواد. حيث العلاقة الوثيقة بين الثقافة والإعلام (الصحافة) علاقة تاريخية وعالمية، لا تخص زمانًا أو مكانا بعينه. فقد جمعت هذه الثنائية كثيرا من الأدباء العالميين. يكتب الروائي العالمي جابرييل ماركيز عن سبب حبه ممارسة الصحافة في أحد لقاءاته التلفزيونية قائلا "أتمسك بها لتقربني من الواقع في حين أخشى من الأدب أن يأخذني بعيدا، فلا أعود قادرا على سرد القصص، وهنا أخسر الواقع والخيال". وبالعودة إلى المشهد السعودي فالإحجام عن الإنتاج الثقافي الملموس والجاد إعلاميا من خلال الصحافة المقروءة أو المشاهدة، أو من خلال النشر وإنتاج الكتب ملحوظ جدا وفي ضوئه فإن مساهمة المثقف اجتماعيا لم تعد تتعدى بضعة مقالات رأي ومجموعة تغريدات متفرقة يعود بعد ذلك ليجمعهما في كتاب. وهذا ما يدعو البعض إلى التساؤل بعد هذا الإحجام والجهد المقل، كيف يمكن أن نعرف من المثقف الحقيقي الذي يستحق أن يَنتخِب ويُنتخَب. هل العضوية لأحد الأندية الأدبية والمواظبة على الحضور هي المعيار فقط. الأسئلة كثيرة والعتاب من الطرفين أكثر. لكن الأكيد أن توأمة الثقافة والإعلام، مهددة على الدوام، إذ إن هناك من المسؤولين والمثقفين أيضا من أضر بها من خلال تراجع دوره وإهماله وتقاعسه. ولعل المفارقة الأشد غرابة أن يوجد اليوم من يطالب بالفصل إداريا بينهما من خلال بقاء وزارة الإعلام بعيدا عن الثقافة، بعد عقود من المطالب الطويلة في الماضي بالانفصال عن رعاية الشباب من أجل توحيد جهود الثقافة والإعلام في وزارة واحدة. يبقى أن "توهان" مثقف اليوم غير مبرر، فهو يريد من "يرعاه" ولا يعرف الجهة الأحق برعايته، ثم يريد الاستقلال في الوقت ذاته، دون أن يقدم من أجل هذا الاستقلال من الجهد الأدبي والثقافي ما يقنع الآخرين بجدواه أو إمكانيته على أقل تقدير.