"حاولت في كتابي عشت سعيداً أن أقدم شيئاً من تجارب عشتها وتغيرات شاهدتها في المجتمع السعودي وحياة القرية التي ولدت وعشت فيها طفلاً يافعاً . كما حاولت أن أطرح أمراض المجتمع ومعوقات التقدم وأسباب السعادة والصحة في عالم مليئ بالجهل والأوهام والأمراض ." بهذه الكلمات صّدر اللواء عبدالله السعدون عضو مجلس الشورى وصاحب كتاب "عشت سعيداً من الدراجة إلى الطائرة" حديثه في ثلوثية الدكتور محمد المشوح مساء ليلة الثلاثاء الماضي بحضور جمع من المثقفين وأعضاء مجلس الشورى والإعلاميين . وسرد اللواء السعدون تجربته في كتابه السيرة الذاتية اتي يرى أن هناك تقصيراً في كتابتها خصوصاً من أعلام الوطن الذين مروا بتجارب هامة تستحق أن يتم تدوينها ونشرها. وقال لم أكن أتوقع أن يحظى الكتاب والقبول الكبير من القراء التي صدرن ووصلت طباعته إلى الرابعة حتى الآن . ومضى اللواء السعدون يطرح تساؤلاته في التنمية والصحة وغيرها من الجوانب التي يقول أنه يشغل نفسه بها خلال حياته بعد تقاعده إلا أن تجربته في الكتابة خصوصاً كتابه "عشت سعيدا" والذي كما يقول من حق أجيال الحاضر والمستقبل أن تعرف شيئاً عن الماضي القريب لبلادها بحلاوته ومرارته، بنعيمه وشظف عيشه، بقصص النجاح مهما كانت متواضعة، وبقصص الإخفاق مهما كانت مؤلمة. لهذا الوطن الصغير والكبير علينا حق أن نعمره وأن نحافظ على منجزاته وأن نسلمها لمن بعدنا أفضل مما كانت . يقول مثل صيني لتعمر الأرض عليك القيام بثلاث أمور: أن تزرع شجرة، وأن تكوَّن أسرة، وأن تكتب كتاباً. ومن السهولة أن تكون أسرة، وأن تزرع شجرة، ولكن من الصعب أن تكتب كتاباً فيه صدق الواقع وروح التجديد ومقوقمات البقاء. الكتاب الجيد بحاجة إلى جهد مضاعف وبحث واستقصاء، وقبل هذا كله تحديد ماذا يراد من الكتاب. ومضى اللواء السعدون يقول في ليلة تكريمه في ثلوثية المشوح : "ما كتبت ليس سيرة ذاتية تماماً، وإنما هو بعض أصداء الذات الخاصة مع دروس وتجارب وقراءات تتجاوز الذات إلى الإنسانية أينما وجدت. عشت حياة كلها كفاخ وعنت، وزادها تماسكاً شظف العيش والحاجة، فكانت النتيجة لذة السعادة والحافظة على الصحة والسعي الحثيث للنجاح. وتكلل الجهد بنجاح واضح على جميع المستويات الشخصية والمهنية والاجتماعية والحمد لله. لدي أسرة صغيرة ناجحة، جميعهم متفوقون في الدراسة والعمل، وزوجة حانية أدللها كثيراً فترد هذا الجميل مضاعفاً. قاربت الستين عاماً ومع هذا أستمتع بحيوة الشباب ونشاطه، لا أشتكي من أمراض العصر وضغوطه. لدي من كل شيء ما يكفي وأعيش أسعد الأوقات فأستثمرها حباً ومرحاً. وتمر بي أصعبها فازداد عزيمة وقوة. ولست واحداً من قادة العالم وصناع تاريخه، لكني أسهمت بما استطعت فصرت من أسعد سكان هذا الكوكب الواسع. لقد قررت أن أكتب قصة هذا الكفاح الناجح، علها تكون ممتعة أو مفيدة مهما رأيتها متواضعة. أليست قابلة للتدبر والتأثير، وعلى الأخص عند من هم على وشك خوض معترك الحياة؟ قد يجد فيها الأب والزوج بعض ما قد يعينهم على مستلزمات التربية وأدواتها ومصاعب الحياة ومنغصاتها. صفات مكتسبة قبل أن تكون موروثة، وثقافة أمدتني بمفاتيح النجاح وأسراره على أكثر من صعيد، قابلة للتعلم والنفع إذا وجدت البيئة والرغبة والمعرفة والانضباط. وإذا لم أضعها بكل أمانة أمام الأخرين فستموت معي كما تموت ملايين الأشجار كل عام . بعد التقاعد أحاطني الزملاء بالمحبة النابعة من القلب والتقدير الذي لا رياء فيه. حتى الهدايا التي ترمز إلى الوفاء والحب ظلت تصلني حتى بعد عام من التقاعد، ألا يستحق كل هذا ولو شيئاً من رد الجميل؟ حبي للناس وتألمي زادني إصراراً على الكتابة عن حياتي وتقليب صفحاتها الخاصة والعامة أمامهم. سألوني عن اسباب النجاح: هل هو الحظ؟ قلت : لا. هل هو الاستقامة؟، أجبت: ربما. هل رضا الوالدين ودعاؤهما؟ قلت: ربما. وهل هو التخطيط وبذل الجهد والمثابرة؟ أجبت: ربما. هل كثرة القراءة والاطلاع أوجدت قناعات وفلسفة خاصة تجاه الحياة؟ أجبت: ربما لا شيء وحده سبب النجاح؟ لأكتب الكتاب، استمعت إلى اصداء ذاتي وبيئتي وما مرّ بي من أجواء متباينة واستعنت بعشرات الكتب والمراجع التي تتحدث عن السعادة وفن القيادة والنجاح، لعلي أهتدي إلى الاسباب الحقيقية للسعادة والنجاح، وسجلت الكثير في مسودة الكتاب وحذفت بعض الفقرات الخاصة، وقلت: هذه سأنشرها في الفضاء الرحب. أؤمن بأن النجاح مثل قمة الجبل، في أحيان كثيرة يحجبها الضباب، واضحة لمن يثابر ويطيل النظر ويرفع بصره عالياً ويكون الصعود إليها ضمن أهدافه، لكن الطريق إليها ليست يسيرة. أكثر الناس يعيش على سفوح الجبال، وبعضهم يجد المنحدر أسهل فيسلكه بدلاً من الطريق الصاعد، فيقوده المنحدر إلى هاوية ويصعب الخروج منها. الطريق إلى القمة تعترضه الصخور والأشجار الملتفة، وتهب العواصف في فصل الصيف وتتساقط الثلوج في مواسم الشتاء، لكن للقمة حلاوتها وهواؤها النقي. قلة من الناس جعلوا القمة هدفاً. بعضهم يمشي مكباً على وجهه فيصير كل حجة أمامه عثرة، أما الناجح فيرى الحجر أمامه فيقفز فوقه كدرج يؤدي إلى مزيد من الصعود. الصبر والأمل سلاح، والوصول للمجد متاح، والعمل الدؤوب هو أقصر الطرق المؤدية إليه. في قمة الجبل ترى بعيداً، ويطيب الهواء ويرهف الإحساس وتزورك الطيور ونُسّال الجبل . من قمة الجبل تحكم على الأمور بشكل أفضل. لكن لا تنس أن تمد حبال الآمل للآخرين، وأصرخ بين وقت آخر لعل الصخور تنقل صداك للآخرين. طريق النجاح بحاجة إلى مؤن من الحب والتسامح والمعرفة والانضباط. ومن يريد النجاح عليه أن ينظر أبعد من موطئ قدميه ، عليه برسم الأهداف وقوة العزيمة والإصرار وإتقان ما يعمل وعدم اليأس وألا يستمع لكلام المثبطين. النجاح شيء نسبي، أن تربي طفلاً وتراه ناجحاً، يعد نجاحاً، أن تزرع عادة طيبة في المجتمع نجاح. أن تضيء شمعة في دروب الظلام نجاح، أن تصرخ في وجه الظالم نجاح، أن تقود أمة للنصر والرخاء نجاح. لم أكتب لشهرة أو مال، لكن لأساهم في بناء جسر يعبر فوقه تائه ينظر إلى الضفة الأخرى ولا يعرف الطريق. ضمن الإيمان والحب والنجاح والصحة والغنى ولذة البذل والكفاح. رحلة النجاح تبدأ من داخل الإنسان أولاً ثم تنطلق مجتازة بيته الصغير. حاولت أن يكون الكتاب نبعاً صافياً من شرب منه نبذ العنف وحارب الفساد وجعل من قلبه واحة حب ، وجعل من يده كنز عطاء. إنني إذ يهمني أن يرضى الناس عما في الكتاب، فإني وضعت فوق ذلك رضا الله أولاً، ثم البحث الجاد عن الحقيقة وايضاحها. أينما وجدت وتوظيفها للنهوض بالإنسان الذي هو أساس نهضة الأمة. عندما قال الفيلسوف اليوناني (هراقليطس) لا تضع قدمك في النهر مرتين" فهو يعني أن الحركة سر هذ الوجود ولن تتاح نفس الفرصة مرة ثانية. لم يجاوز الحقيقة رئيس وزراء ألمانيا وموحدها بسمارك عندما قال "الأغبياء فقط هم من يتعلمون من تجاربهم أما أنا فسأحاول جاهداً أن أتعلم من تجارب الآخرين" . في هذه التجربة نجاحات وإخفاقات لكن النجاحات أكثر ومعظمها قابل للتطبيق على المستوى الشخصي والأسري والعملي. مع كل إنسان ناجح تزداد قوة، مهما تواضع هذا النجاح. ألم تسمع المثل الشعبي (العصفور يهزع الرشا) ومعناه أن هذا الطائر بحجمه الصغير إذا حط على ذلك الحبل الغليظ الممتد حناه إلى أسفل. دعوة من التراث أن تعمل ولا تحتقر أي عمل ناجح مهما صغر . كما نعمل نكون .. "تعودوا الخير فإن الخير عادة والشر لجاجة" سئل أحدهم كيف أصبح سعيدا ؟ فقال عود نفسك أن تكون سعيداً . لم يفتك القطار بعد لتركب عربة الناجحين، غيَّر فالتغيير هو سر هذا الكون لكنه بحاجة إلى إقناع وشجاعة وتخطيط ورسم أهداف ومثابرة. " كما قدم شكره لكل من سانده في مراجعة الكتاب وهم الدكتور " عبدالله بن سليم الرشيد واخوه عبدالسلام والأستاذ إبراهيم البليهي والدكتور خالص جلبي والدكتور إبراهيم التركي والدكتور أنور القضيب والصحافي الناجح بدر الخريف والدكتور الصادق قسومة من تونس. ثم سرد قصة كتاب الدكتور عبدالعزيز الخويطر رحمه الله عن هذا الكتاب حين كتب كتاب " هنياً لك السعادة " فقال: قبل أن أبعث بالكتاب إلى المطبعة في طبعته الثالثة تفاجأت بزيارة قامة كبيرة من رجالات هذا الوطن الكريم ومثقفيه ، جاء كغيمة بيضاء، أقبل على وجهه ابتسامة صافية ترسم لوحة فنية جميلة من الحب والواضع والوفاء، زارني في بيتي المتواضع معالي الدكتور الوزير عبدالعزيز الخويطر رحمه الله برفقة الزميل الأستاذ الأديب حمد القاضي والأستاذ سليمان الوايلي الذي نذر نفسه للكتب والثقافة. بعد جلوس الوزير سلم لي نسخة من كتابه "هنياً لك السعادة" وهو كتاب ألفه عن كتابي، لم أصدق ذلك، لكن دقات قلبي المتسارعة، وكلمات الحاضرين أكدت ذلك. ليس من المستغرب أن يكتب عن الكتاب لكن أن تأتي الكتابة من شخصية بحجم ومكانة الدكتور عبدالعزيز وكثرة مشاغله فهي المفاجأة، وهو أحد وزراء الدولة المكلفين بالكثر من المهام، لكنه حب نشر المعرفة والتواضع والثقة بالنفس وحسن استثمار الوقت، هو ما أتاح له أن يكتب ذلك الكتاب. شكراً لمعالي الوزير فلم تهدني تلك الليلة كتاباً فقط لكنك أهديت لي الأمل بمستقبل مشرق لهذا الوطن العزيز ، وكنت المثال الذي يحتذى لما يجب أن يكون عليه كل كبير ومسؤول، كنز من المحبة والتواضع وغزارة الانتاج، فشكراً لك على تواضعك وإخلاصك ومجيئك ومعك صحبك الكرام، لقد كان كتاباً شاملاً منصفاً، ولو لم أخرج منه إلا بكثرة ترحمك على والدتي لكفى. أصداء كتاب الدكتور عبدالعزيز تجلت في كثير من الاتصالات من مسؤولي الدولة والمثقفين والأصدقاء، أهمها وأحبها وأعظمها وأقربها إلى قلبي اتصال من الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الواسع الاطلاع والقارئ النهم والناقد البصير الذي كان اتصاله عن الكتاب وسام فخر واعتزاز لي طوال حياتي ، اتصال حمل الكثير من معاني الحب والتقدير، فشكر لمقامه الكريم، وشكراً لكل من اتصل مهنئاً، فالهدف أولاً وأخيراً هو نشر المعرفة، وثقافة البناء ، والحب والسعادة وتأصيل عادتي القراءة والرياضة وتوثيق تجارب الماضي لتستفيد منها الأجيل الحاضرة واللاحقة، بودي أن أشيد وأشكر كل من كتب عن الكتاب من داخل المملكة وخارجها. شكراً مرة ثانية لملكنا المحبوب الناقد المثقف الذي أضفى على الكتاب بُعداً بملاحظاته، كما قدم شكره لدعوة الثلوثية له للحديث عن تجربته وعن الكتاب . وفي ختام الثلوثية قدم الدكتور محمد المشوح درع الثلوثية للمحتفى به وتناول الجميع طعام العشاء.