مع تقدم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، على الجبهات في كل من العراق وسوريا، يكثر الكلام عن مصادر تمويلها. فيسترسل المحللون والخبراء والحكومات على تنوع مشاربهم وميولهم في دراسة ما يحسبونها "مصادر الدعم الخليجية" واضعين المملكة العربية السعودية على رأس هذه المصادر. لكن من أين تأتي موارد "الدولة الإسلامية" المالية وهل فعلا هنالك من دول تدعمها؟ ، اليكم التحليل التالي من موقع "فرانس 24"، للكاتب سليم نصر: حقيقة الموقف السعودي من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ---------------------- يستسهل الكثيرون اتهام الرياض بدعم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بالأموال والموارد، مستعيدين الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في دعم الجهاد الأفغاني في وقته. لكنه لا يخفى على أحد أنه في ثمانينيات القرن الماضي، وفي سياق الصراع ما بين المعسكرين الغربي والشيوعي، كان داعمو الجهاد الأفغاني كثر وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية. إلا أنه مع خروج الجيش السوفياتي من أفغانستان ومع انتهاء الحرب الباردة، انقلبت المعادلة رأسا على عقب، وإن كان هنالك من يقول ويؤكد أن دعما أمريكيا وصل بطريقة غير مباشرة إلى القاعدة في وقته، فهل يعقل أن نقول أن واشنطن كانت وراء هجمات11 سبتمبر 2001 في نيويورك؟ فاليوم حتى وإن وصل دعما سعوديا للحراك الجهادي في سوريا وحتى في العراق قبله، فهل هذا يعني أن الرياض تقف وراء تمدد "الدولة الإسلامية في العراق والشام"؟ خصوصا عندما نرى أن المملكة كما قطر وكما واشنطن تدعم دعما مشروطا الفصائل التي تقاتل "الدولة الإسلامية" في سوريا منذ أشهر. ذلك فضلا عن دعم وتمويل الرياض لما عرف بالصحوات في العراق إبان فترة الوصاية الأمريكية. فسياسة المملكة العربية السعودية لم تتغير قيد أنملة منذ عام 2003 ودخول الجيش الأمريكي إلى العراق والإطاحة بحكم الرئيس السابق صدام حسين، وهذا ما كتبناه في مقال سابق أواخر العام الفائت. فالدعم الذي أمنته وتؤمنه الرياض لحركات عنوانها جهادي كالجبهة الإسلامية في سوريا، لا يمكن اعتباره دعما لحركة الجهاد العالمي الذي كانت القاعدة عماده الأوحد في فترة خلت وباتت اليوم تنافسها عليه "الدولة الإسلامية في العراق والشام". ذلك علما أن سياسة احتواء وقمع الحركات الجهادية ودعاتها ومنظريها، وحتى مشجعيها على مواقع التواصل الاجتماعي، على المستوى المحلي والعربي قائمة على قدم وساق منذ عقود. لا بل زاد الحظر والقمع مؤخرا مع استفحال الحرب في سوريا وتمددها للعراق واستشعار بلدان الخليج بوصول الخطر إليها. وسياسة المملكة تتجلى كل يوم من خلال مشاركتها المباشرة في الحرب على تنظيم القاعدة في اليمن ومن خلال التغطية الإعلامية لما يجري في العراق وعلى مختلف الساحات الجهادية، كما من خلال الفتاوى العديدة التي تصدر عن رجال الدين المحسوبين على السلطات السعودية وحالات منع السفر ومصادرة الجوازات إلخ... فسجون المملكة، كسجن حائل، على سبيل المثال ولا الحصر، ممتلئة بالجهاديين العائدين، لا بل وحتى بمن راودتهم فكرة الجهاد ولم يفعلوا ذلك. ماذا يقول "المهاجرون الجزراويون" من جزيرة العرب ----------------------------------- يظهر فراغ الاتهامات للملكة العربية السعودية ولغيرها من البلدان الخليجية من أفواه جهاديي هذه البلاد أنفسهم. ذلك من خلال الإصدارات الترويجية التي تصدر عن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وآخرها "صليل الصوارم4". فهؤلاء الجهاديون يمزقون جوازاتهم ويجاهرون بنيتهم الإطاحة بالسلطات القائمة في بلدان الخليج كلها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. فدول الخليج باتت على خط المواجهة الأول وليس تمدد "الدولة الإسلامية" في العراق إلا تأكيدا على مخاوف السلطات القائمة في هذه البلاد، فكيف لها أن تدعم ما يهدد عروشها؟ خصوصا في زمن بات فيه الحراك الجهادي مسموعا وفي متناول يد شبابها، وهذا ما لم يكن متاحا أيام "الجهاد الأفغاني" أو حتى العراقي الذي تلاه. مقوّمات دولة ------------- اليوم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ومع تمددها على مساحات من سوريا والعراق ومحوها لحدود سايكس- بيكو فعلا ولا قولا، بات لها مقومات وموارد دولة حقيقية. فهنالك الموارد النفطية في الشرق السوري التي تباع وحتى تصدر بمساعدة عدد من وجهاء العشائر التي بايعت "الدولة الإسلامية"، وهنالك الموارد الغذائية والصناعية في هذه المناطق، فحتى الزكاة جمعت في محافظة الحسكة كي يتم توزيعها في ما بعد على المحتاجين والجزية يتم جمعها في الرقة حتى أن "الدولة الإسلامية" أقامت مصلحة لحماية المستهلك في مناطق سلطتها. واليوم مع توسع هذه المناطق إلى بلاد الرافدين أصبح ل"الدولة الإسلامية" موارد شبه لا محدودة، ذلك بفضل ما غنمته من مال، أكثر من نصف مليار دولار في مصارف الموصل وحدها، وعتاد عسكري كما ونوعا وأجهزة بث فضائي وتشفير إلخ... فضلا عن المصافي النفطية وآبار النفط التي باتت في قبضتها. نهاية كل مطالع للتاريخ يعي أن العديد من الحركات، التي بدأت صغيرة أو محدودة، كانت تلقى نوع من التسهيل أو الدعم من دول معينة لدى نشأتها، ذلك بسبب التقاء المصالح آنيا أو موضعيا. لكن ذلك لا يعني أن الدعم مطلق ومستمر بغض النظر عن نمو هذه الحركات وتطور الأمور على الأرض. فالعديد من الحركات تنشأ صغيرة ثم تكبر وتتمدد أحيانا على حساب الداعمين الأوائل ومصالحهم... فعلى سبيل المثال ولا الحصر، ألم يلق لينين الأب المؤسس للاتحاد السوفياتي دعما من الإمبراطورية الألمانية وملاذا في سويسرا ما قبل وخلال الحرب العالمية الأولى مطلع القرن الماضي؟ فهل يعني ذلك أن الإمبريالية الألمانية كانت شيوعية وأن سويسرا الرأسمالية كانت تصبو سرا أن تكون جمهورية شعبية؟ واليوم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أصبحت كيانا مستقلا لا يعترف لا بحدود ولا بضوابط... ولهذا يجتمع الأضداد شرقا وغربا على حربها.