تواصل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) جذب عناوين الصحف، وآخرها كان حول سيطرتها هذا الأسبوع على ثاني أكبر مدينة في العراق والموصل. وتفصيلا بحسبما نقلته "التقرير" مما كتبه عبدالمجيد البلوي في صحيفة "المونيتور"، ذكر البلوي أن ظهور داعش لم يمثل فقط تهديدًا خطيرًا لأمن المنطقة، ولكنه أيضًا أدى إلى إعادة النظر في نهج السلفية السياسية. حيث ثار الجدل بين المفكرين الإسلاميين في المملكة العربية السعودية حول جدوى نموذج السلفية السياسية للدولة الحديثة، وفتح حوارًا مستفيضًا بين الجماعات الإسلامية في المملكة العربية السعودية حول مدى العلاقة بين السلفية والحكم. فبينما تشترك الحركات السلفية مع داعش في المرجعية الأيديولوجية الموجودة في كتب ابن تيمية، وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب، بيد أنّ الحركات السلفية لديها مواقف سياسية متباينة. فالبعض يرفض تمامًا كل أشكال الحكم التي توجد في العالم الإسلامي، ويتهمها بالردة، مما يجعل موظفي الدولة أهدافًا مشروعة للتفجيرات. لكن حركات أخرى، ترفض كل أشكال التمرد ضد السلطات، وتصف مرتكبي هذه الأفعال بالمنشقين الذين يستوجبون الإعدام على أيدي السلطات. وما بين هاتين الرؤيتين توجد آراء متباينة لحركات أخرى مع مواقف أقل تطرفًا. تجربة داعش في سورياوالعراق أثارت جدلًا داخل المملكة العربية السعودية، ودفعت النقاش حول الموقف الديني تجاه قيم الاختيار، والشورى والسيادة، ومفهوم الولاء، وشرعية السلطة، والقضايا المتعلقة بالديمقراطية. ويمكن تقسيم الأطراف المشاركة في هذا النقاش السعودية إلى فئتين: الأولى، وهي حركة هجومية نقدية تعتقد بأن تجربة داعش تشير إلى عدم قدرة السلفية السياسية على فهم مفهوم الدولة الحديثة. ودعاة هذا الرأي يعتقدون أن السلفية السياسية هي شكل من الأفكار التي يجب تدميرها. وهم يجادلون بأن السلفية السياسية لن تقدم في أفضل حالاتها سوى نظام سياسي مماثل لنظام الخميني في إيران. الفئة الثانية، هي حركة دفاعية نقدية، تعتقد بأنّ تجربة داعش مستبدة وفاشلة. وفي نفس الوقت، يقولون إن هذه التجربة لا علاقة لها بالسلفية السياسية من قريب أو بعيد. وتقدم هذه الفئة وجهة نظر مختلفة حول التراث السياسي للسلفية، والتي تبين كيف احترمت السلفية إرادة الشعب وركزت على ضرورة قبول الناس لحكامهم بدلًا من فرض الحكام عليهم. ومع ذلك، فإن رؤية هذه الفئة لا تزال غامضة فيما يتعلّق بمن له الحق في انتخاب حكامهم، وهل تشمل الدائرة جميع الناس أم أنها تقتصر على الشخصيات الدينية المؤثرة، المعروفين في الفكر السياسي الإسلامي، بأهل الحل والعقد؟ كما تحاول الفئة الثانية أيضًا الابتعاد عن الخطاب الديني السعودي من خلال التأكيد على حرية انتقاد ومعارضة السلطة سلميًّا، حتى لو كانت تلك الحرية محددة بشكل صارم من قبل الشريعة. عبد الله المالكي، الذي ينتمي إلى التيار التنويري في المملكة العربية السعودية، أثار الجدل مؤخرًا في مقاله في صحيفة التقرير الذي انتقد فيه السلفية السياسية، واعتبر أنه لا يمكنها تأسيس نظام حكم يمكن محاسبته، كما وصفها بأنها تحظر وتجرّم جميع أشكال المعارضة والنقد والاحتجاج ضد السلطة. وعلى الرغم من الاختلافات بين الحركات السلفية، قال المالكي، إن جميعها، من السلفية الجهادية إلى الجماعة السلفية الموالية للحكومة السعودية، ترفض وتجرّم معارضة السلطة. فهد العجلان، الذي ينتمي إلى الجيل الجديد من السلفيين في المملكة العربية السعودية، دافع عن السلفية السياسية في مقالة مطولة في 29 مايو في الصحيفة نفسها لتكون ردًّا على المالكي. وفنّد عجلان بشدة الخطاب الرسمي السلفي الذي يجرم منتقدي السلطة، قائلًا إن هذا الكلام يتناقض مع السلفية السياسية ولا يمثل النظرية السياسية السلفية. كما انتقدَ العجلان الطاعة الكاملة للحكام، نافيًا ادعاء المالكي بأنها تؤسس للطغيان وتشجع على قمع قوى المعارضة. إبراهيم السكران، وهو شخصية بارزة من الجيل الجديد السلفي في المملكة العربية السعودية، كتب مقالة في 8 يونيو ردًّا على المالكي. وخلص إلى أن التمرد أكثر حضورًا في السلفية السياسية ممّا هو عليه في الديمقراطية، وأن النظام الديمقراطي هو أكثر تحفظًا سياسيًّا من السلفية السياسية. الخلاف بين الأطراف المختلفة للحركة الإسلامية السعودية يتصاعد مع كل تصاعد أحداث التمرد في المنطقة العربية. ويمكن للمرء أن يقول إنه مع كل نزاع يثار حول قضايا الحكم والديمقراطية وعلاقتها بالدين في بلدان الربيع العربي، يظهر نزاعٌ مماثلٌ في المملكة العربية السعودية. كما أثارتِ الثورة السورية الكثير من التساؤلات حول نظريات السلطة في التراث الإسلامي. هذا النقاش حول الديمقراطية والفقه الإسلامي في واحدة من البلدان الأكثر محافظة من الناحية السياسية في العالم تشير إلى أن الاضطرابات في العالم العربي قد فتحت بابًا لمناقشة وافية حول نماذج النظم السياسية، وهو تطور يمكن أن يكون إيجابيًّا؛ حيث تحاول المنطقة محاذاة التقريب بين أشكال الحكم الإسلامي والدولة الحديثة.