حرَّكت تصريحات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» أمام مجلس الشورى، بشأن عدم تجاوب جهات حكومية مع ملاحظات نزاهة وبما لا يغطي كل ما تطلبه، تساؤلات عديدة حول ما يمنعه من رفع تقارير للمقام السامي بشأن تلك الجهات مباشرة، خاصة أن أربعة أوامر ملكية صدرت – على حد قوله- تحث تلك الجهات على التجاوب مع نزاهة. وانتقدوا عدم إلمام كثير من الناس بأدوار نزاهة ما يدفعهم أحياناً إلى تقديم طلبات لها لا تدخل في اختصاصها، ومن ثم توحي للناس بأنها لا تقوم بواجبها رغم أنه ليس واجبها في الواقع. وطالبوا الشريف بتفعيل الدور الرقابي للهيئة، وأن يكشف على الملأ تلك الجهات التي قال إنها لا تتجاوب أو تعتذر عن التعقيب على تقارير وملاحظات الهيئة. جاء ذلك بحسب التحقيق التالي لصحيفة "الشرق" صباح اليوم الأربعاء: قوائم بغير المتعاونين ------------------------ في البداية، وجه عضو مجلس الشورى السعودي رئيس مركز الوسطية، الشيخ عيسى الغيث، القاضي في محكمة الاستثمار العربية، وخبير فقه وقضاء في جامعة الدول العربية، الشكر لرئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد الشريف على عدة أمور؛ منها أمانته وإخلاصه وقوته ونشاطه، ومبادرته بزيارة مجلس الشورى وحواره مع الأعضاء وبيانه كثيراً من الحقائق، ومن أهم ما يشكر عليه شفافيته العالية بالاعتراف ببعض العوائق، ومنها عدم تجاوب بعض الجهات، وهو بدوره لم يكتم الحقيقة وفي نفس الوقت لم يسكت عن تلك الجهات، وإنما رفع بها لولي الأمر أيده الله، وهذا دليل على عدالة ونزاهة وشفافية الهيئة؛ إذ بإمكانها أن تكتم هذه الحقيقة عن الناس، ولكنها كشفتها كدليل على المصداقية والجدية، وقد طالبته شخصياً بأن يأخذ الإذن من المقام السامي بالنشر الدوري لقوائم الجهات المتعاونة وترتيبها والجهات غير المتعاونة وترتيبها، وأنا على ثقة بأن الملك حفظه الله سيحسم الموضوع بكل حزم قريباً بإذن الله. ضبابية فهم أدوار نزاهة ------------------------- من جهته، قال عميد كلية الآداب ورئيس قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود، الأستاذ الدكتور سليمان العقيل، إن الإشكالية التي تعاني منها «نزاهة» هي أنها لم تستطع أن تقدم نفسها تقديماً حقيقياً للناس، لأجل أن يعرفوا دورها ومهمتها. وقال إن الناس لا تعرف ذلك، وبالتالي تطالب الهيئة بأمور ربما هي خارج قدراتها. وأضاف إن «نزاهة» لا تختلف عن مجلس الشورى، فكلاهما لديهما أنظمة وقوانين محددة والناس لا تطَّلع عليها. وقال إن أمل الناس في هذه الجهات أن تكون فاعلة وأن تكون متفاعلة وأن تصل للمواطن، وأن يتبين أن وجودها جاء من أجل خدمة المواطن ولاستقامة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد، ولإعطاء الأمل، وبناء الثقة والولاء الحقيقي لهذا الوطن، ولكن على أقل تقدير إذا عرف الناس ما هو دور «نزاهة» أو مجلس الشورى، وإن كان لا يرضي طموحهم أو يحقق مطالبهم، فحينها يكون بإمكانهم البحث والمطالبة بإيجاد مؤسسات فاعلة أكثر، أما حالياً فالواضح لدى الناس أن تلك المؤسسات سوف تقضي على الفساد وأنها سوف تحارب الفساد وأنها ستضرب بيد من حديد وما إلى ذلك. ولكن الواقع لا يقول مثل هذا الأمر، ولا يعلم المواطن أن العملية بالنسبة ل «نزاهة» تسير في سلسلة طويلة من الإجراءات حتى تصل إلى نقطة، وإذا وصلوا لها أحالوها إلى القضاء؛ لذا تعدُّ «نزاهة» حلقة وسيطة وليست حلقة كُلية لاحتواء الفساد وتقويمه وتقييده والقضاء عليه، فهي في النهاية حلقة بين الفساد والقضاء عليه وبينهما مسافات للوصول له. معالجة النتائج لا الأسباب ---------------------------- من جهته، قال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية اللواء الدكتور أنور عشقي، إن رئيس نزاهة يحاول جاهداً أن يكافح الفساد الموجود، ولكن مشكلتنا مع الفساد أننا نعالج النتائج ولا نعالج الأسباب، لهذا أصبحت الأسباب كثيرة ولا يستطيع أن يقوم بتصحيحها. وأضاف أن هناك عدة جهات موكل إليها عملية الرقابة على الفساد، وإن كانت تلك الرقابة هي حكومية أو شعبية، ولكن نزاهة هي التي يجب أن تقوم بالرفع والتشهير وما إلى ذلك، لذا لابد أن يكون هناك نظام محاسبي ويكون هناك نظام في التعامل المالي وغير المالي حتى لا يكون هناك فساد. آليات عمل مفقودة ---------------------- وقال إن القضاء على الفساد يستند أساساً إلى عاملين مهمين هما النظام ثم تقوية الوازع النفسي، ولابد أن يكون هناك نظام لضبط الملفات وضبط الأوراق والمحاسبات، وغياب هذه الآلية هي في رأيي ما يعرقل عمل هيئة مكافحة الفساد؛ فلكي نقضي على مصادر الفساد في النهاية نحتاج إلى نظام صارم. وقال إن أكثر الأبواب التي يأتي منها الفساد عاملا المال و «الواسطة» والمحسوبية؛ فعامل المال لابد أن يكون له ضوابط مالية في تنفيذ العملية. وبالنسبة للمحسوبية، يجب بقدر الإمكان القضاء عليها، فهذا الفساد الذي يحدث سواء في الجانب المالي أو الجانب الإداري فهو دون شك يكلف الدولة كثيراً، ويعرقل التقدم أمام المملكة. وقال «هناك دول أوجدت نظماً لمعالجة الفساد فلماذا لا نأخذ من هذه النظم ونطبق ما يتكيف معنا؟، لكن نريد نحن أن نبتكر من أنفسنا، فلا يمكن أن تأتي وتكتشف الكهرباء في الوقت الذي هي أساساً مكتشفة فيه، وهناك أمور كثيرة لابد أن تكون بدايةً، ولكن أقول إن جماعة مكافحة الفساد يؤدون الذي عليهم، ولكنهم كأنهم يريدون أن ينقلوا البحر بالغربال». وأكد أن القضاء على الفساد يأتي من الأساس، فلابد أن تكون هناك دراسة متأنية ودراسة استراتيجية كاملة تقضي على مصادر الفساد، ثم بعد ذلك يحاسب المفسدون. لماذا التأخر في الرفع ------------------------ وقال مدير الشؤون القضائية في وزارة العدل السابق الدكتور صالح بن سعد اللحيدان: تابعت ما تم طرحه ونقاشه في مجلس الشورى بين محمد الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» وبين أعضاء المجلس، وما تم به من حوار، وكان فيه من الوضوح ومن البيان ما كشف كثيراً من الأوراق التي كانت مغيبة وإن كانت بعض الأسئلة التي تم طرحها على الشريف بدا لي منها أمور عدة؛ الأمر الأول: إن هيئة الفساد تتأخر في إبلاغ المقام السامي عن المسؤولين الذين لا يتجاوبون معها، حيث إنه قال في معرض الإجابة إنه سوف نبلغ المقام السامي، فمعنى هذا أنه لم يسبق له أن بلَّغ المقام السامي عن ذلك الأمر أو تلك الأمور التي تم السؤال عنها، ومعلوم لدى عامة الناس أن رئيس «نزاهة» مرتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة «خادم الحرمين الشريفين»، فالأولى به أن يرفع تقريراً دورياً كما نصت عليه الأنظمة العُليا خاصة فيما يتعلق بالفساد والمحسوبية والرشوة وتوظيف الأقارب. غياب المحاسبة ------------------ والأمر الثاني: يبدو لي أن هيئة الفساد هي هيئة جيدة وتعدُّ من التجديدات الدولية في مرحلة تأسيس المراحل العليا لأنها تعطي انطباعاً وتصوراً جيداً لشفافية الحكم العملي والتنظيري، وشفافية الحكم المستقر والواقعي. لكن الذي تابعته منذ أن تأسست هذه الهيئة أنني لم أرَ شيئاً يجعل العين مستقرة، فلم أجد أن وزيراً أو مسؤولاً تمت محاسبته، وأنا هنا لا أتَّهم أحداً، ولكن بناء على قول رئيس الهيئة عندما كان يقول «سوف نرفع للمقام السامي»، ومعنى هذا أن هناك مشكلة منعته من الرفع للمقام السامي، ولا أدري ما سببها؟ وإن كنت متخصصاً في القضاء الجنائي والإكلينيكي، ولكن الأولى هو أن يرفع للمقام السامي عن أي شخص متهم أو تدور حوله الشبهات حتى تثبت براءته. والخلاصة أنه تبدو أن هناك مشكلة في عدم استطاعته الرفع. دور أهم للشورى ----------------- من ناحية أخرى، فإن سياسة هيئة الفساد في مجلس الشورى لم أرها تناقش في مجلس الشورى، وكنت آمل من مجلس الشورى أن تكون مسؤوليته أكبر من ذلك، وأن ينظر ويحقق ويسأل ويناقش ثم يصدر قراراً ابتدائياً يرفع إلى المقام السامي، فمجلس الشورى لدينا يعدُّ متنفساً لكل من أصابه ما يحتاج إلى بيان أو معالجة. وكذلك هيئة الفساد تعدُّ هيئة جيدة، والشريف رجل يتمتع بالنزاهة وله مصداقية، ولكن الأعمال العليا تحتاج إلى موهبة وإلى قدرات فذة، لذلك عندما سيَّس النبي صلى الله عليه وسلم الإدارة العليا ومخاطبة الملوك، اكتشف الموهبة ثم حافظ عليها ثم نمَّاها ثم راعاها ثم وزعها. ومحمد بن عبدالله الشريف له هذا المكان المناسب، إلا أن اليد الواحدة لا يمكنها أن تصفق، إلا إن كانت تصفق في الهواء، وما أراه شخصياً أن يُفعِّل دور هذه الهيئة ويقوم برفع أي ملاحظة لولي الأمر. هل من تفسير --------------- وأرى، والحديث مازال للِّحيدان، أن الشريف يصفق في الهواء فهو يقول قدَّمنا ملاحظات وهناك بعض المسؤولين يمتنعون عن التجاوب، فلماذا يمتنعون عن التجاوب؟ ولماذا لم يرفع الشريف إلى المقام السامي مباشرة، والأولى أن يرفع للمقام السامي، وأنا أذكر حينما كنت مديراً للشؤون القضائية في وزارة العدل عمَّمت أمراً على القضاة عام 1400 وعلى أساسه صدر كتابي «حال المتهم»، وحينما لم ينفذ أعقبته بقرار التحقيق مع من لم ينفذ، وفعلاً تم التنفيذ وهي كانت عبارة عن قرارات قضائية عليا، وأنا أقصد أن الشريف حينما لا يتجاوب معه وزير أو مسؤول عليه أن يرفع ذلك، وهذا هو السؤال.