فيما تنتهى حالة الطوارئ اليوم، تنتظر مصر حدثين مهمين خلال شهر يونيو، الأول استئناف جلسات محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك، بعد غد السبت، والتى يتوقع صدور الحكم خلالها، والثانى انطلاق جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، وهو ما يثير تساؤلات حول الشرعية التى ستنطلق منها القوات المسلحة لتأمين هذين الحدثين بعد إلغاء الطوارئ. قالت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشارة تهانى الجبالى، إن إلغاء حالة الطوارئ لا يؤثر من الناحية الدستورية على مهام القوات المسلحة فى تأمين جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية التى ستجرى يومى 16 و17 يونيو، وكذلك تأمين جلسة النطق بالحكم فى قضية مبارك. وأوضحت أن مهام القوات المسلحة مبينة فى الدساتير المتعاقبة التى نصت على أن الجيش هو إحدى أدوات الدولة التى تستعين بها فى حماية حدودها واسترداد حقوقها بالقوة إذا لزم الأمر، وحماية الأمن الداخلى إذا لم تستطع قوات الشرطة توفير الأمن للمواطنين. وأكدت الجبالى أن تأمين القوات المسلحة لجولة الاعادة أو جلسة النطق بالحكم فى محاكمة مبارك، ليس له أى علاقة من قريب أو من بعيد بإلغاء قانون الطوارئ، خاصة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمارس مهام السلطة التنفيذية المخولة لرئيس الجمهورية من منطلق منحه الشرعية الثورية، بعد تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011، ومن بعدها الإعلان الدستورى الصادر فى مارس من العام الماضى، وبالتالى فإنه صاحب القرار الأصيل فى اتخاذ القرار بشأن تلك الأحداث حتى انتخاب رئيس جديد لمصر. وأشارت إلى أن الوضع كان سيختلف فى حال وجود رئيس للبلاد، لأن الجيش لن يتدخل فى تلك الحالة للحفاظ على الأمن القومى الداخلى، إلا فى حال طلب رئيس الجمهورية التدخل، بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة. وقالت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا: إن «الجيش جزء لا يتجزأ من الدولة المدنية وأحد حراس الأمن القومى المصرى فى الداخل والخارج، وشواهد هذا الأمر كثيرة، وعلى مدى التاريخ منذ عهد محمد على باشا، حينما خرجت القوات المسلحة لمواجهة الحركة الوهابية ثم تكرر المشهد فى (انتفاضة الحرامية) عام 1977 فى عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، ومن بعدها أحداث الامن المركزى فى عام 1986». من جهته، قال رئيس نادى قضاة أسيوط رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، المستشار رفعت السيد، إن الأصل فى قانون الطوارئ أنه مؤقت وأن يتم العمل به فى حالات محددة، مثل حالات الكوارث والفتنة والحروب، والدولة تعلن فى هذه الحالات الطوارئ لتتمكن عبر أساليب غير تقليدية، من مواجهتها ومن هذه الأساليب حق القبض على المواطنين وتفتيشهم وحظر التنقل ومصادرة السيارات وكذلك بعض العقارات التى تحتاجها حالة الحرب للحفاظ على الأمن القومى، ويتعين وقف هذه الإجراءات فور زوال الأسباب التى دعت لقيام حالة الطوارئ. وأعرب المستشار السيد عن أسفه الشديد لأن مصر طبقت حالة الطوارى غداة اغتيال السادات عام 1981 وظلت مستمرة حتى الآن، بموافقة مجلس الشعب من أعضاء الحزب الوطنى الذين كانوا يمدون الطوارئ لسنتين، فى كل مرة، فى حين أن المدة المفترض ان تستمر فيها حالة الطوارئ هى شهر وتجدد لشهور وليس لسنوات. وأكد أن مصر ليست فى حاجة الآن إلى قانون الطوارئ، «فلسنا فى حالة ارهاب تستلزم فرض الطوارئ، كما أن الداخلية قادرة على القيام بواجبها، ومن يطالب بمد فترة الطوارئ فهو بذلك يبعث رسالة إلى الشعب المصرى مفادها أن مصر بعد ثورة 25 يناير هى نفسها مصر قبل الثورة التى لم تستطع إلغاء الطوارئ». وشدد السيد على أن القوات المسلحة لها الحق فى حفظ الأمن القومى عندما لا تتمكن قوات الأمن الداخلى، الممثلة فى الشرطة، من السيطرة على المواقف وخشية الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مؤكدا أن تدخل الجيش فى هذه الحالات لا يتأثر بإلغاء حالة الطوارئ. من جانب آخر، كشف مصدر أمنى عن أن أجهزة الأمن بوزارة الداخلية لم تستخدم حالة الطوارئ فى التعامل مع الخارجين على القانون منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وانها ليس لها أى علاقة بذلك القانون منذ عام ونصف العام. وأشار إلى أن الداخلية بالتعاون مع القوات المسلحة ستؤمن جلسة النطق بالحكم على مبارك وأيضا جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية. الطوارئ من الاستعمار حتى 25 يناير قانون الطوارئ هو التشريع الذى يجيز إعلان حالة الطوارئ فى الدولة إذا وقعت ظروف استثنائية مثل الحروب والكوارث العامة والأخطار الاستثنائية التى لا تستطيع الدولة مواجهتها استنادا إلى القوانين العادية. ويمكن القول إن نظام الطوارئ قد ساد أغلب فترات تاريخ مصر الحديث، لكن بمسميات مختلفة، فقد أدخله الانجليز إلى مصر، مع الاحتلال، تحت مسمى الأحكام العرفية، التى سمحت لهم بتجاوز القضاء الطبيعى واللجوء إلى المحاكم الاستثنائية بررت الاستعمار. ففى 2 نوفمبر 1914 أعلنت بريطانيا الأحكام العرفية فى مصر وعينت حاكما عسكريا بسلطة طوارئ، بعدما انضمت تركيا فى الحرب العالمية الأولى إلى ألمانيا، وفى ظل تطبيق هذه الأحكام أعلنت الحماية البريطانية لمصر فى 18 ديسمبر سنة 1914. وقد تتابع بعد ذلك النص على حالة الطوارئ فى الدساتير المصرية، فنصت المادة 45 من دستور سنة 1923 على أن «الملك يعلن الأحكام العرفية ويجب أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فورا على البرلمان ليقرر استمرارها أو إلغاءها، فإذا وقع هذا الإعلان فى غير دور الانعقاد، وجب دعوة البرلمان للاجتماع على وجه السرعة». وأطلق دستور 1956 لأول مرة على الأحكام العرفية وصف حالة الطوارئ فنصت مادته 144 على أن «يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين بالقانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الأمة خلال الخمسة عشر يوما التالية له ليقرر ما يراه فى شأنه، فإن كان مجلس الأمة منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له». فيما نصت المادة 126 من دستور سنة 1964 على «أن يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الأمة خلال الثلاثين يوما التالية له ليقرر ما يراه بشأنه فإن كان مجلس الأمة منحلا عرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له. ثم نص دستور سنة 1971، المعطل، فى مادته رقم 148 على أن «يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوما التالية ليقرر ما يراه بشأنه وإذا كان مجلس الشعب منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له، وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب». وفيما يتعلق بإعلان حالة الطوارئ ذاتها فقد أعلنت الأحكام العرفية فى أول سبتمبر سنة 1939 بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، وذلك بمقتضى القانون رقم 15 لسنة 1923 وبعد انتهاء الحرب انهيت الأحكام العرفية فى أكتوبر سنة 1945. ثم أعلنت الأحكام العرفية ثانية فى مايو سنة 1943 بعد دخول الجيش المصرى فى حرب فلسطين ثم رفعت فى أبريل سنة 1950 فى مصر كلها باستثناء محافظتى سيناء والبحر الأحمر. وبعد أحداث حريق القاهرة أعلنت الأحكام العرفية فى 26 يناير سنة 1952 واستمرت لأربع سنوات، ولم ترفهعا ثورة يوليو إلا فى يونيو سنة 1956، لكن بعد أشهر وتحديدا فى نوفمبر أعيدت تلك الأحكام إثر العدوان الثلاثى على مصر، وظلت قائمة حتى مارس 1964، لكن بعد حرب يونيو 1967 أعلنت الطوارئ واستمرت ثلاثة عشر عاما حيث انهيت فى 15 مايو سنة 1980. وإثر اغتيال الرئيس السادات أعيدت الطوارئ فى السادس من أكتوبر سنة 1981 واستمرت تتجدد سنويا حتى أبريل 1988 ثم أصبحت بعد ذلك تتجدد لمدة ثلاث سنوات حتى بعد قيام ثورة 25 يناير، واليوم تنتهى تلك الحالة بعد عقود من عيش المصريين فى ظله.