أن أكتب .. يعني أن أحلم... وأن أحلم يعني أن أعيش الحياة مرتين... انباؤكم - حاورها: بسام الطعان لقد أعطانا الأدب الجزائري أسماء كبيرة، تركت بصمات واضحة في خارطة الأدب العربي، وها هو اسم آخر ينضم إلى الرواية والقصة القصيرة، تاركا في الأدب الجزائري نكهة خاصة هي نكهة شعب عريق قدم في سبيل الوطن مليون شهيد،هذا الاسم هو(كريمة الإبراهيمي) الأديبة الشابة التي تعمل كأستاذة في الجامعة،دخلت خارطة الرواية والقصة بقوة، فمن يقرأ إبداعاتها سيجد فيها الجمال والروعة والأسلوب الشاعري المؤثر. من يقرأ كريمة، يعيش الغربة والحزن الداخلي الذي يتصاعد بشكل هارموني من نوع خاص، ويتساءل بحرقة، هل ثمة حزن تمتلئ به كاتبة كما هي هذه الكاتبة المبدعة. صدرت لها عدة مجموعات قصصية وروايتان، وفازت بجائزة الامتياز بفرنسا عن القصة القصيرة عام 2002 أثناء زيارتها الى دمشق التقينا بها حيث جاءت لتسجل رسالة الدكتوراه في الأدب العربي في جامعة دمشق، وأحببنا أن نعرفها للقارئ العربي من خلال هذا الحوار الذي تحدثت فيه عن هموم الأدب، وعن همومها وآلامها أيضا. في ظل كل هذا الخراب والحصار والدم والقتل،ما فائدة الكتابة، ما جدواها،ما هو موقع الأدب في فعل التغيير؟ **مرارا تساءلت وكان هذا السؤال يلح علي... ووجدت الإجابة مع كل حلم... مع كل قصة أو رواية أمتزج بروح جوها...أتعايش مع شخصياتها واصل معها إلى قمة الألم وقمة الحب.. . وبعدها أتحايل على كل خرابي ودماري وكل أوجاع هذا العالم الغاضب دوما وأكتب... وأكتشف أنه في ظل كل الخراب والدمار وموت الأشياء الجميلة لم يبق لنا إلا أن نكتب.قد لا يكون للأدب فعل التغيير، لكن يبقى له فعل الاستمرار وفعل أحداث التوازن في عمق هذا الإنسان الذي دمره الإنسان. لا أظن أن هناك أدبا ينفصل عن حياة الإنسان بشكل نهائي، هل كل ما تكتبينه يحمل شيئا منك ملامحك، صورتك،رغباتك، وهل لتجاربك الشخصية انعكاس على أدبك والى أي حد؟ **بلا شك أن الأدب لا ينفصل انفصالا تاما عن حياة الكاتب. ومهما حاولنا إبعاد ذواتنا عن نصوصنا فسيتسرب شيء ما منا لينبثق فيما نكتب.ولذلك فالكثير من نصوصي تحمل شيئا مني...ملامحي الخارجية، رغباتي البسيطة، أحلامي. ولذلك فأنا أعشق شخصياتي وأمتزج بها حتى لأعجز أحيانا عن أبعادها عن عالمي الحقيقي. ولا أخفيك أيضا أن بعض تجاربي وربما الكثير منها تنعكس فيما أكتب، لأنني ببساطة أعيش في واقع ويؤثر في وأؤثر فيه. من الصعب يا بسام أن تفصل تجاربك وتضعها جانبا لحظة كتابتك لتعود إليها بعد انتهائك. شخصيات إبداعاتك من أين تأخذينها. من الحياة الحقيقية، جزائريون، أم من الخيال؟ هل من السهل تحويل الأشخاص الحقيقيين إلى شخصيات روائية وقصصية؟ **أنا أكتب للحياة ومن الحياة. أستمد شخصياتي من واقع حقيقي وأضيف إليها من خيالي لأتمكن من إبراز ملامح هذه الشخصية.شخصيات نصوصي جزائريون، سوريون،عراقيون وحتى أجانب.بمعنى آخر هم من الحياة عموما.وأرى انه يمكننا تحويل الشخصيات الحقيقية إلى شخصيات روائية وقصصية ولكننا قد لا نتمكن من رسم الصورة الكاملة للحقيقة.وكثيرة هي الشخصيات الروائية التي عشقناها وكأنها حقيقية وكثيرة هي الشخصيات الحقيقية التي نتمنى تحويلها إلى شخصيات روائية.أحاول منذ مدة أن أكتب رواية عن شخصية أعتبرها هامة في تاريخ الجزائر وهي شخصية الرئيس الراحل هواري بومدين لكني لا أجد لغة فيها من الجمال والعظمة في مستوى هواري بومدين. من يستطيع أن يقول عن الكاتب أنه موهوب، الناقد أم القارئ أم الزمن؟ **أعتقد أن العناصر الثلاثة تشكل وجود الكاتب لتحكم على موهبته.قارئه أولا وناقده ثانيا والزمن بلا شك.العملية الإبداعية عملية متكاملة تساهم فيها مجموعة عناصر. كيف على الكاتب أن يطور أدواته التعبيرية وطاقاته الفكرية وهل الموهبة وحدها كافية ليكون الكاتب مبدعا حقيقيا؟ **الكاتب هو الكائن المطالب بأن ينغمس في الحياة وأن يكون مطلعا ومطالعا لكل ما حوله فالموهبة هي الأساس لكنها لا تكفي لصنع كاتب ناجح. هل الرواية أو القصة قادرة على أن تكون أداة تحريضية ضد القمع السياسي والاجتماعي والروحي أي ضد كل ما يشوه تكامل إنسانية الإنسان؟ **هذا السؤال يذكرني بقول للكاتب- ميلان كونديرا- ((لم يبق لنا أمام هذا الفزع الكبير الذي اسميه الحياة إلا الرواية)).وعليه فالقصة أو الرواية وحتى القصيدة هي بطريقة ما أداة لاعادة الصورة... أداة لرسم العوالم الجميلة التي افتقدها الإنسان بسبب القمع والاضطهاد والاستلاب وكل ما أفقده إنسانيته. برأيك كريمة...ما هي مهمة الكاتب، الشاعر ، القاص، الفنان في هذه الحياة؟ **كانت شعوب قديمة تقول بأن الشاعر هو الكائن الوحيد المطالب بأن يمنحنا التفاؤل. وهي مهمة ليست بالسهلة يا بسام. والكاتب اليوم وفي ظل هذا الوجع الكبير وهذه الانكسارات المتوالية مطالب بأن يمنحنا القدرة على أن نحلم من جديد وأن نواصل الحلم برغم موتنا المتكرر. هل من اسم أو أسماء قدمت الكثير للثقافة العربية في المغرب العربي وأيضا في المشرق العربي؟ **الثقافة العربية غنية بالأسماء التي قدمت الكثير مشرقا ومغربا.هناك مفكرون ونقاد وأدباء اكن لهم كل التقدير.الجابري وأركون ومالك بن نبي فكرا وعبد القادر القط وحسين مروة وغنيمي هلال وعلى حرب نقدا وعبد الرحمن منيف والمسعدي ومحمد ديب وحميدة نعنع وكوليت خوري وغادة السمان أدبا والقائمة طويلة. أنت تتقنين اللغة الفرنسية كالعربية تماما،هل فكرت بالكتابة بالفرنسية ولماذا؟ **إتقان لغة ما لا يقود بالضرورة إلى الكتابة بها. وفي النهاية نحن لا نكتب إلا باللغة الأقرب إلى قلوبنا.ورغم علاقتي بالفرنسية بحكم عملي بالجامعة وتدريس الأدب الأجنبي فأن أقرب لغة إلى قلبي هي لغتي الأم: العربية التي أعشقها ولو خيرت بين لغات الدنيا لما كتبت إلا بالعربية ولم أفكر يوما في الكتابة بالفرنسية ما عدا بعض المحاولات الشعرية يوم كنت طالبة بالثانوي. أين تكمن روعة القصة القصيرة الناجحة بكل المقاييس في غرابة أحداثها أم في براعة التركيب والقدرة على التحليل أم في إثارة القارئ وتحفيزه على التمسك بالقيم أم ماذا؟ **روعة القصة وروعة أي نص أدبي هي أدبيته.وهي كما ذكرت مجموعة عناصر متشابكة بدءا من الفكرة الى الأسلوب الأدبي الجيد الى التحكم بقواعد اللغة والوصول الى متعة النص التي تحددها متعة القارئ. ما الذي يدعوك إلى الكتابة والإبداع، الكامن في أعماقك؟ أهي إرادتك الواعية أم الإنسان من حولك هو الذي يملي عليك ويجبرك على الكتابة؟ **ما أعرفه أنه تتملكني رغبة جامحة في أن أكتب فلا أجدني إلا في ثنايا الورق والحبر. الكتابة بالنسبة لي أشبه بفرح خفي.بخطيئة جميلة نرتكبها ونحن في قمة وعينا. لا شيء يبقى غير الكلمات يا أستاذة كريمة فكل إنسان زائل ولا يبقى منه غير كلماته.ماذا تريدين أن تقولي ، لك حرية الكلام؟ **أقول شكرا يا بسام لأنك منحتني هذه الفرصة لأقول لكل الذين قرأوني يوما: أحبكم. وللذين لم يقرأوني بعد: أحبكم.وأقول لسورية أنها ستظل معشوقتي الأجمل والأدفأ ولكم جميع-وأنت منهم يا بسام- كل الحب ولقلوبكم التي احتضنتني بسورية وكل الحب للرائعة جدا والرقيقة جدا والصديقة جدا القاصة لبنى ياسين ولك يا بسام.