رغم مرور أكثر من 8 أشهر على قيام الثورة التونسية، والتي انطلقت شرارتها من مدن تونسية هامشية، عانت في عهد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي من التهميش، وحرمان شبابها المتعلم من فرص التشغيل العادلة، إلا أن واقع هذه المناطق وظروف سكانها الاجتماعية والاقتصادية لازالت على حالها. حادثة انتحار البوعزيزي حرقًا لم تكن إلا حلقة في سلسلة محاولات انتحار متواصلة، اتخذها أصحابها كشكل من أشكال الاحتجاج، بعد أن ضاقت بهم السبل، وأمام إغلاق الحكومة التونسية المؤقتة آذانها لمطالبهم في التشغيل، والحق في العيش الكريم، التي يعتبرونها مشروعة. حادثة إقدام 5 شبان من حاملي الشهادات العليا في مدينة القصرينالتونسية على محاولة الانتحار شنقًا بشكل جماعي، أمس الجمعة، شكلت حديث الشارع التونسي، وأعادت للأذهان حوادث الانتحار التي انطلقت مع بداية الثورة التونسية، غير أن هذه الحادثة كان لها وقع الصدمة، كونها نفذت بشكل جماعي، وعلى مرأى ومسمع من الجميع. هؤلاء الشباب من حاملي الشهادات العليا في التاريخ، والجغرافيا، والعربية، والفرنسية، والمالية، نصبوا المشانق على أسوار أحد فروع وزارة التربية، بعد أن طالت بهم سنوات البطالة، وشارفوا على سن الأربعين، ونفذوا فعليًّا تهديداتهم بالانتحار، ليتم نقلهم على وجه السرعة للمستشفى. تصريحات هؤلاء الشباب قبل إقدامهم على محاولة الانتحار الجماعي، والتي تناقلها مستخدمو "فيسبوك"، أظهرت مدى تعرضهم للظلم والمحسوبية، رغم وعود وزارة التربية بعد الثورة بضمان تشغيل هذه الفئة ممن تجاوزت أعمارهم سن الأربعين، وطالت بهم مدة البطالة. بل وأكدوا أن الوزارة والحكومة بشكل عام، تمارس سياسة انتقامية تجاه هذه المدينة، التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات. حال هذا الشباب المتعلم، وهذه المدينة في تونس بعد الثورة، لا يختلف كثيرًا عن غيره من باقي المدن التونسية التي يشتكي شبابها الحامل للشهادات الجامعية من البطالة، رغم قرار وزارة التربية في الحكومة المؤقتة بإلغاء امتحان "الكاباس"، الذي طالما أرق أجيالاً من المتخرجين بسبب غياب أي معيار موضوعي وشفاف في عمليات الانتداب، وطغيان سياسة المحسوبية والرشاوى.