الوطن - السعودية تباينت الآراء التي ترتبت على اللقاء التلفزيوني مع الدكتور محسن العواجي، والتي نأخذ من أهمها ما يدور حول مسألة حرية التعبير، ولسنا في النقاش حول ما صدر عنه أو ما يبنى على المعايير المختلفة في فهم حديثه، ولكن يبدو أننا في أزمة مع التصور الديناميكي لمفهوم الحرية في التعبير، فالمفهوم السائد هنا يأتي بمعزل تام عن اعتبار الحرية في الرأي من الأسس المهمة لتثبيت الحقوق وبناء المجتمع المدني في إطار الديموقراطية التي ينطلق من مبدئها نسبة كبيرة من المتحدثين إزاء أي تعثر تنموي أو فشل إداري. وضع المنتفعون والوصوليون هذا المفهوم قاعدة ينطلقون منها كذريعة، وكان استغلالهم سيئاً حينما رأوا أن الأمر يستوجب عليهم تجديد الحضور على ساحة الرأي العام، وان بإمكانهم تمرير أفكارهم وفرض سيطرتهم على فكر الناس من خلالها، أي أنها طريقة يخدمون بها توجهاتهم لأنهم في أكثر المواقف يظهرون بحبهم لأنفسهم ورفضهم لمخالفيهم، حتى إنهم دفعوا بمن يخالفهم إلى أن يتعامل معهم بسوئهم، وكأنه لا يوجد في الحياة مجالاً للتعايش وقبول الآخر. من جانب آخر فقد أخذ الإعلام منحى متغيرا عن عهده السابق، جاء ذلك تبعا لتغيرات عدة نتجت عن تفاعلات في النظم والأدوار الاجتماعية، وهذا يتزامن مع وجود خلخلة في بعض السمات الثقافية القديمة نتيجة لنشوء سمات وعناصر جديدة أثار انتشارها تغيرات توافقية مع ما يتصل بها، ما يضطر عناصر الثقافة الأخرى إلى تنظيم نفسها لمواجهة كل تغيير حديث ومحاولة امتصاصه، ذلك أنهم يجددون أنفسهم في المواقف بنفس الحدية والإقصاء والتعصب، إضافة إلى أن بعض الجهات الإعلامية من خلال برامجها وفهمها للصراعات وطرق إدارتها، ساعدتهم وأعطتهم الفرص بوعي وبدون وعي في إدراج مفاهيم الإقصاء والنيل من الآخر ليقحموا "حرية التعبير" في توجهاتهم وبالطعن الصريح للمسؤولية، فهم يغيرون ويبدلون في أشكال الخطابات لكنهم لا يستطيعون التجرد من أفكارهم الأساسية التي تصب في نفس الوعاء ويظهر بذلك الكثير من تناقضهم. إن كان لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه، فليس من حقه أن يسيء ويعتدي على الآخرين، وإن كان لديه إيمان بحقه في حرية الرأي، فيجب أن يكون لديه مسؤولية كاملة تجاه ما يصدر عنه في هذا الإطار، فلا يمكن أن نفصل في العلاقة بين الحرية والمسؤولية، فضلا عن أن مهمة الإعلام وغيره تعزيز مفاهيمها الصحيحة في ثقافة المجتمع وليس العكس.