الاقتصادية - السعودية كثر الحديث أخيرا عن كيفية تفعيل دور القطاع المصرفي في التنمية عن طريق الإسهام بشكل فعال في مبادرات وبرامج المسؤولية الاجتماعية. وتزداد تلك الأصوات علوا إذا ما نظرنا إلى إجمالي الأرباح التي حققها القطاع المصرفي، التي تجاوزت 41 مليار ريال للعام الماضي، وكذلك إذا علمنا أن دولة مثل فلسطين قام القطاع ذاته فيها بالمساهمة بما نسبته 4 في المائة من إجمالي أرباحه لبرامج ومبادرات المسؤولية الاجتماعية رغم الظروف الاقتصادية العصيبة التي تمر بها البلاد. وبالنظر إلى المساهمات الحالية للقطاع في المسؤولية الاجتماعية يمكن القول إن تلك المساهمات انصبت في اتجاهين رئيسين الأول، التبرعات المالية للجمعيات والمؤسسات الخيرية لمساعدتها في الوصول إلى المحتاجين حسب المجالات والأنشطة الخيرية التي تغطيها تلك الجمعيات، وأما الاتجاه الآخر فيتمثل في البرامج والمبادرات التي يتم تنفيذها عن طريق شراكات مع الجهات ذات الصلة في القطاع العام أو الكيانات المختصة من القطاع العام. ونلاحظ أنه في كلتا الحالتين تكون تلك المبادرات موجهة للخارج وفي الأغلب ليست لها صلة بالنشاط الأساسي للشركة. وبتحليل تلك المساهمات التي تذكر فتشكر، نجد أن هناك عديدا من الأسئلة التي ينبغي طرحها وفي مقدمتها، هل تلك المساهمات المختلفة من قبل المصارف توازي حجم الودائع الكبيرة من قبل المجتمع بجميع أطيافه، أو حجم توقعات المجتمع منه؟ وهل تلك المبادرات بالأساس ضمن إطار لعمل منهجي حددت معايير أدائه وقياسه لتحقيق الهدف المحدد مسبقا قبل القيام بالبرنامج. أم أنها تحقق أهدافا أخرى تأتي في مقدمتها تحسين صورة المصرف وتلميعها؟ وأخيرا وليس آخرا، هل يمكن مقارنة حجم وتأثير تلك المبادرات بتلك التي تقدمها المصارف العالمية مع مراعاة الاختلافات بين تلك المصارف والمصارف المحلية مثل الحجم وغير ذلك؟ مع الملاحظة أن المصارف الخارجية تقوم إضافة إلى أنشطتها المختلفة في مجال المسؤولية الاجتماعية بدفع ضرائب يستفيد منها المجتمع بشكل مباشر، كما أن جزءا من أرباحها من نشاطها الأساسي يقدم على شكل فوائد تضاف إلى الحسابات الجارية فليس ثمة ما يسمى ودائع مجانية كما هو الحال عندنا. ويمكن أن نخلص بشكل مبسط أن معادلة مستوى المساهمات الأدنى للقطاع في المسؤولية الاجتماعية ينبغي أن تساوي إجمالي الضرائب للشركات العالمية مطروحا منها الزكاة التي تدفعها المصارف المحلية وكذلك الإعفاءات الضريبية للمصارف الخارجية على بعض مساهمات المسؤولية الاجتماعية، إضافة إلى نسبة ربح على ودائع العملاء، وأخيرا يضاف إليها إسهامات الشركات في مجالات المسؤولية الاجتماعية. هذه المعادلة تعطينا أدنى مستوى للإسهامات من قبل المصارف من حيث الكم، أما إن أردنا أن نتحدث عن نوعية المساهمات، فيمكن إفراد مقال آخر لذلك. من خلال كل ما ذكر أعلاه نعتقد أن الحكم على كمية ونوعية تلك الإسهامات من قبل القطاع المصرفي والوصول إلى مستويات إسهامات معقولة وعادلة بناء على أداء القطاع والمستويات القياسية العالمية يلزمنا أولا بناء وتطوير أداة واضحة للقياس النوعي والكمي لمبادرات المسؤولية الاجتماعية، ما يعني حتمية وجود إطار محلي لقياس مساهمات المسؤولية الاجتماعية كخطوة أولى نحو تحقيق الأهداف أعلاه. هذا الإطار سيكون له الكثير من الفوائد، إذ إنه سيبرز مستوى نشاط كل من المصارف، كما أنه يعطينا مؤشرات قوية عن مستوى مساهمة المصارف في تحقيق التنمية لمجتمعها. وأخيرا، فإن الإفصاح عن أنشطة المصارف في مجالات المسؤولية الاجتماعية هو ضرورة قصوى للأسباب المذكورة، وقبل ذلك حق شرعي جدا لمساهميها "عملاء المصارف"، ونقول مساهميها لأن أغلبية أرباح المصارف تأتي من تلك الأموال المجانية المقدمة من قبلهم.