أنحاء - السعودية نجحت إيران في جر العرب إلى ملعبها السياسي الذي تتقنه جيدا وتتحكم في وسائله وأدواته وظروفه الزمانية والمكانية. السعودية هي دولة فاعلة ولذا إمتعضت من تمدد النفوذ الإيراني وإستشعرت الخطر، وقررت المواجهة. ولكي تنتصر السعودية في مواجهتها مع إيران يجب التفكير جديا في ثلاثة قضايا: (1) أن تحدد السعودية أمرين: ماهية الدولة؛ وماذا تريد. ماهية الدولة وغايتها هي "الهوية" التي تحدد المنطلقات والمآلات، ومن دون تحديدها وتعريفها بشكل واضح ستذهب كل جهود الدولة أدراج الرياح. (2) أن لا تنجر السعودية إلى ملعب الخصم ولا تستخدم الأدوات والوسائل ذاتها بأي حال من الأحوال. (3) أن لا تنزلق السعودية إلى أي مواجهة على أساس ديني أو مذهبي بشكل مباشر أو غير مباشر مهما كانت المغريات أو تبريرات الدهماء. قد تكتشف السعودية، إذا ما أولت القضية الأولى بحثا عميقا ومركزا، أن ماهية الخطر الذي تخشاه وتخافه وتتوجس منه يكمن في أحد 3 إحتمالات: الأول، أن ليس هناك من خطر على السعودية جملة وتفصيلا؛ الإحتمال الثاني، أن الخطر موجود أو محتمل لكنه قد لا يأتي من إيران؛ أما الإحتمال الثالث، فهو أن الخطر كله أو جزء منه قد يأتي من إيران، لكن الوسائل والأدوات المستخدمة لصد ذلك الخطر ومواجهته تحتاج إلى إعادة نظر وتغيير أو تعديل. قد نتذكر، من ناحية أخرى، ونحن في غمرة البحث عن أنفسنا وإعادة إكتشاف هويتنا والخطر المحتمل، أن مصر جمال عبدالناصر (السنية) قصفتنا بالطائرات في الستينات؛ وأن جهيمان ومجموعته (السنية) قاموا بإحتلال الحرم في الثمانينات، وأن عراق صدام حسين (السني) قصفنا بالصواريخ في التسعينات، وأن أسامة بن لادن والقاعدة (السنية) فجرت مجمع "المحيا" في وسط الرياض، بعد ذلك. إذا، الخطر المحتمل قد يأتي خارجيا من دولة مجاورة أو غير مجاورة، بصرف النظر عن مذهبها أو دينها، وقد يأتي من مجموعة أفراد في الداخل أو الخارج، وفي كلتا الحالتين يكون الخطر سياسي بحت، بصرف النظر عن الثوب أو الغطاء دينيا كان أو مذهبيا أو عقائديا، وبالتالي يجب معالجة ذلك الخطر سياسيا. إيران ليست دولة ملائكية وجميع أهدافها سياسية بصرف النظر عن الملالي والعمائم واللحى، فالمكر السياسي هو أسلوب الدول، والسياسة حرب، والحرب خدعة. الذي حدث هو أن إيران إستغلت ضعف الكيانات السياسية العربية مع هشاشة واضحة في المنهج، فإستخدمت لعبة وأدوات تتقنها جيدا وتتفوق فيها على خصومها، فوقع العرب في الفخ والملعب الإيراني. البعض من المحللين قد ينجرف خلف تحليل الظاهرة والعرض وينسى أو يتناسى العلة والمرض. مع كل مانعرفه عن السعودية قوميا وعقديا، وما نعلمه من أنظمة وقوانين دولية حاكمة، وما ندركه من تغير وتطور في فكر الأجيال الجديدة وتسارع طغيانه على علاقة الدولة بالمجتمع، مطلوب منا أن نتساءل: أولا، هل السعودية اليوم كدولة، معنية بسياسات الدول العربية (أو دول الضاد) وشعوبها ومجتمعاتها وتوجهاتهم الدينية والسياسية والإقتصادية والثقافية، وإلى أي حد؟ ثانيا، هل السعودية اليوم كدولة، معنية بمن آمن أو كفر، أو من تسنن أو تشيع، أو تمنطق أو تزندق من شعوب الأرض؟ هنا، سيجتهد "القومجية" لكي يجادلوا كثيرا حول السؤال الأول، بينما سيجاهد "الأخونجية" في المحاججة حول التساؤل الثاني. كون السعودية تقع في قلب جزيرة العرب، ومكتوب على علمها الشهادتين، وتضم حدودها السياسية بيت الله الحرام (الكعبة المشرفة) فذلك أدعى لأن تكون السعودية منفتحة على جميع البشر، دار ومنزل وموطن لشعبها، وبيت لجميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها، يعني: "مثابة للناس وأمنا ". مؤسس هذه البلاد وحد وأسس دولة سياسية مدنية تدين بالإسلام وتستمد شريعتها من الكتاب والسنة. أما شرعيتها فتمت بالسيف على مدى 30 عاما، ولم يقدم "لأبن سعود" الملك أو المملكة على طبق من ذهب، كما قدم لشاه إيران، بل لقي في ذلك، رحمه الله، عنتا كثيرا وكبيرا من الداخل قبل الخارج، ولم يراعى أحد حينئذ في ذلك أن أجداده حكموا في الجزيرة العربية. أما الذين يحاولون المزايدة في ذلك فهم يريدون إدخال السعودية في لجة الإضطراب الداخلي والخارجي، بعلم أو بجهل. السعودية كدولة معنية بسلامة وأمن ووحدة أرضها وشعبها ونظامها السياسي وقوانينها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في داخل حدودها السياسية المعترف بها دوليا فقط، وإقامة علاقات دولية تقوم على الإحترام المتبادل مع سائر دول وأمم الأرض بصرف النظر عن ثقافاتها وتوجهاتها وأيديولوجياتها، وتتم المراجعة على أساس ذلك. الإنزلاق نحو قضايا قومية أو عقائدية سيعني بالضرورة الدخول في متاهات ستؤدي إلى الفشل وإهدار الوقت والجهد والمال. من حق السعوديين كأفراد أن يطلقوا العنان للأمنيات لكي تكون لغة الضاد عصية على الذوبان، وأن يتمكن الفلسطينيون من العودة إلى أرضهم وديارهم وبناء دولتهم، وان يتبع البشر في مشارق الأرض ومغاربها الرسالة المحمدية ويدخلوا في دين الله أفواجا. تلك أماني للأفراد تضل محكومة بالعاطفة والقدر المتاح من المعرفة داخل المجتمع ويستحيل أن تصبح أو تتحول إلى منهج وطموحات للدولة، وإذا أرادت الدولة أن تساهم ولو بقدر محدود فيتأتى ذلك عن طريقين: المؤسسات الدولية؛ ومؤسسات المجتمع المدني. السعودية في عهدها الجديد اليوم معنية بأسئلة الهوية التي ذكرناها آنفا أكثر من أي وقت مضى، ومع "ثورة الملك" التي بدأت خلال ال (100) يوم الأولى لحكم الملك سلمان، تزداد أهمية تلك الأسئلة لإعادة هيكلة إستراتيجية الدولة وليس الحكومة فقط. فترتيب بيت الحكم، وإعادة هيكلة مجلس الوزراء، والتعيينات الجديدة في العدل والمظالم ومكافحة الفساد وحقوق الانسان والتعليم والعمل والاسكان والصحة والإقتصاد والنفط والشئون الإجتماعية، قضايا رئيسية ستؤتي أكلها أكثر وأدوم إذا ما صاحبها مراجعة لإستراتيجية الدولة وتحديد وتعريف الهوية والمصالح بأنواعها: الإستراتيجية والحيوية والحساسة والهامشية. إختلاط الخطر الحقيقي بالوهمي أمر مزعج ومقلق، ومضني على جميع المستويات الإستراتيجية والسياسية والإقتصادية والعسكرية والثقافية، في السياستين الخارجية والداخلية. الخلط يحدث عادة مع تطاول الزمن وتسارع الأحداث، ولا يفصل في الأمر سوى وقفة صادقة مع النفس تجاه: من نحن؟ وماذا نريد؟ وهذا منوط بالملك فقط، والملك سلمان تحديدا، والدائرة المقربة جدا حوله بعيد عن أي تشويش بقصد أو من دون قصد. السبب الأول، أن الملك سلمان يملك المعرفة المباشرة من المصدر الرئيس وهو مؤسس هذه الدولة: الملك عبدالعزيز، رحمه الله. السبب الثاني، أن الملك سلمان من أحرص الناس على إستمرار وإستقرار هذه الدولة، ففي الأول تكمن فكرة الدولة، وفي الثاني يتجلى منهج الدولة. أخيرا، لو إفترضنا أن إيران هي الخصم والخطر، فمراجعتنا لأسئلة الهوية ستمنحنا بداية مزيد من القوة لمعرفة ذاتنا وإمكانياتنا، كما ستمكننا من معرفة أنجع الوسائل والأدوات لتعظيم النصر وتحجيم الخصم ودرء الخطر. عندها قد نكتشف أن خوفنا ناتج عن ضعفنا وليس بسبب قوة الآخر. ختاما، كل الموشرات الدلائل تشير إلى أن "ثورة الملك" التي بدأها الملك سلمان بن عبدالعزيز لن تتوقف حتى يطمئن الملك، فإذا إطمئن، فنحن بخير حاضرا ومستقبلا بإذن الله. كاتب ومحلل إستراتيجي [email protected]