الاقتصادية - السعودية الجميع متفق تماما على أن وزارة الإسكان لديها اليوم جميع الإمكانات التي تؤهلها لحل مشكلة الإسكان في المملكة، ومع ذلك فإن الوضع لم يزل يكتنفه كثير من الغموض، وهذه أصبحت سمة في وزارة الإسكان. والسمة الأخرى التي تتميز بها هذه الوزارة هي إطلاق المبادرات وهي لم تزل تحت الدراسة، وهذه مشكلة كبيرة بدأت مع الوزارة منذ نشأتها، فهي في سعيها إلى تهدئة مخاوف الناس تطلق المبادرات قبل أن تستكمل حلقاتها. أطلقت الوزارة أخيرا تجربة شراكة استراتيجية مع القطاع الخاص، على أساس أن يقوم القطاع الخاص بمهمة تهيئة الأرض كلها من جميع الخدمات، بينما تقوم الوزارة بالدور الإشرافي دون أن تدخل في البنية التحتية. كما ستقوم الوزارة بشراء الوحدات السكنية من شركائها المطورين في القطاع الخاص. ولتحقيق هذه الشراكة المستهدفة بدأت الوزارة بإطلاق منصة لتسجيل شركات القطاع الخاص العقاري ولعرض منتجاتها السكنية. وهذا بدروه أشغل المهتمين بالشأن العقاري بأسئلة كثيرة، فالعقارات تتفاوت فيما بينها مساحة وشكلا ومكانا، فكيف سيتم تخصيص السكن على المواطنين مع هذا التنوع الضخم، والتفاوت في العروض والإمكانات بين الشركات؟ ماذا ستفعل الوزارة مع العروض التي يعمل عليها أفراد غير مسجلين كمؤسسات، بل عقاريون من منازلهم؟ مع هذا الحجم من الأسئلة، عادت الوزارة للحديث عن إعداد دراسة تتضمن مراجعة كفاءة المطورين وما قدموه، وذلك من خلال وضع المعايير المناسبة لاختيار الشركات المطورة. وهنا تظهر الدائرة المغلقة، فالأمر لم يزل تحت الدراسة إذن، ومع ذلك فإن الوزارة تتحدث عن المبادرة وكأنها الحل المنشود والقريب. في المقابل، فإن الوزارة تتحدث عن استبعاد الشركات العقارية التي تتلاعب بالأسعار من التعاون مع الوزارة، لكن مرة أخرى لم تخبرنا الوزارة عن الآليات في ذلك، وكيف ستعرف الوزارة أن شركة ما تتلاعب بالأسعار؟ فالعقار (كأسعار) خارج السيطرة الآن، ولكل مربع سكني أسعاره، ولكل مدينة في المملكة خصوصيات سعرية، بعضها في أساسه يعود إلى العرض والطلب، وبعضها الآخر يعود إلى تلاعب من قبل مكاتب عقارية تستفيد من نسبة السعي كلما ارتفع السعر، ففي أي مرحلة ستعتبر الوزارة أن شركة (ما) تتلاعب؟ من المؤكد أن وزارة الإسكان تعي حجم المشكلة، ومع ذلك فإن الوقت يضغط بقسوة على المواطن الذي يقترب من التقاعد، أو من سن يصعب عليه الحصول على تمويل مناسب، وكل هذا ولم يزل القطاع الخاص يمارس لعبته المفضلة في رفع أسعار العقار، وهناك من يصنع اليوم ثروات ضخمة من أسعار العقار، ولم يزل موضوع الرسوم على الأراضي البيضاء محل الدراسة، والوزارة لم تقدم حتى الآن حلولا ملموسة بعيدا عن الدراسات والتخطيط والتسجيل. هناك حقيقة ماثلة أمامنا، وهي أن العقار وشركاته ومؤسساته الخاصة تعمل اليوم بعيدا عن عين الرقابة، ولا بد للوزارة أن تتجاوز المرحلة هذه بقوة وسرعة، وأن تضع القطاع الخاص تحت الرقابة بشدة، بل كل من يقوم ببناء الوحدات العقارية لبيعها، وأن تخطو الوزارة خطوات عملية ملموسة، فجميع المواطنين الذين أعلنت الوزارة استحقاقاتهم للسكن ينتظرون بشغف أن تستدعيهم الوزارة وتسلمهم وحداتهم، هذا هو الأمر الذي سيشفع للوزارة في مرحلته القادمة إن كانت تريد أن تصالح المجتمع.