اعلام.أورغ لم تكن الحالة التي عليها المحامي "إسلام بحيري" هي الأولى في العشر سنوات الأخيرة، بل كان هناك من نوع "البحيري" من هم أبحر منه في الحالة نفسها، إلا أنهم تواروا بعدما فشلوا في إيجاد أي وسيله يخرجوا من خلالها على الناس ويصنعوا مريدين لهم.. وهذه الحالة تسمى حالة "المغلوب في فهم المكتوب" فيصبح التشكيك في مالا يُفهم فكر يصفوه بالإستنارة. هل يفكر إسلام ؟ الفكر هو نقل الإحساس بالواقع إلى الدماغ التي تحوي معلومات سابقة تفسر الواقع؛ أي العقل والإدراك.. وللفكر أنواع ثلاثة: الفكر السطحي: وهو حكم على أبسط ظاهرة من واقع معين دون الالتفات إلى حقيقة هذا الواقع أو بذل الجهد لمعرفة الواقع معرفة حقيقية مع معرفة أسبابه ومسبباته، ومعرفة الأساس الذي انبثق عنه، أو بنى عليه.. وبالتالي عدم معرفة ظروفه وأحواله وما يتعلق به. الفكر العميق: وهو حكم على واقع كذلك – مثل الفكر السطحي، إلا أنه يقتضي معرفة الواقع معرفة شاملة وعدم الاقتصار على مظهر من مظاهره أو خاصية من خواصه.. فمعرفة الأشياء تقتضي معرفة جزئياتها وخواصها وصولاً إلى تركيبه الذري إن وجد، وأما معرفة الوقائع والأحداث فلا بد من معرفة أطراف النزاع والأمر المتنازع عليه فيها، والظرف أو الحالة التي جرى فيها النزاع والأسباب المباشرة له، والأسباب غير المباشرة إن وجدت. أما الفكر المستنير: فهو الفكر الأرقى، وهو الفكر المؤدي إلى النهضة الحقيقية ، وهو الفكر الذي يجلي غوامض الأمور ، ولم يكتف بمعرفة أصول الأشياء وفروعها ، أو الوقائع ومسبباتها أو النصوص ومعانيها كما هي الحال في الفكر العميق إلا أنه يتعدى ذلك لمعرفة ما يحيط بهذه الأشياء وما حولها وما يتعلق به.. فهو حين يبحث في الشيء فإنه لا يكتفي بالوصول به إلى معرفة وزنه النوعي أو تركيبه الذري بل لا بد من معرفة ظروفه وأحوله أي معرفة القوانين التي تتحكم به والخواص التي يمتاز بها ، والتي يسير بموجبها سيراً جبرياً لا يستطيع الانفلات منها ولا التخلف عنها إلا إذا تغيرت حالته ، وتبدلت ظروفه إلى أحوال وظروف أخرى، فتتحكم به القوانين والخواص الأخرى.. فحين يصل إلى هذا العمق في البحث لا بد أن يسأل عما يتعلق به؛ أي من الذي أخضع هذا الشيء لهذه القوانين وسيره حسب هذه الظروف والأحوال؛ وهذا يعني تسليط الأنوار على أجزاء الشيء والقوانين التي تتحكم فيه ،ومعرفة من أخضعه لتلك القوانين ولذلك سمي فكراً مستنيراً أي أنه لم يترك شيئاً إلا سلط عليه الأضواء وبين ما وراءه غير مكتف بالعمق ورافضاً للسطحية التافهة .هذه هي طبيعة الفكر المستنير وما يمتاز به عن الفكر العميق. كيف يرى إسلام نفسه ؟ يدعي "إسلام بحيري" على نفسه بأنه صاحب فكر مستنير.. هكذا فجأة من دون أي مقدمات ودون أن يمتلك أدنى أدوات التفكير المستنير وهي العلم فوق علم العلماء، كي يصل من خلاله إلى ما عجز سابقيه في الماضي القريب عن الوصول إلى مرحلة التنوير، ويستطيع من خلالها علمه الذي يضاهي علم ألوية الإستنارة السابقين في إستنتاج فكرٍ جديد يتحول بعد قبوله العوام وتفهمه إلى ثابت يضاهي الثوابت القديمة وبمرور الوقت يصبح الثابت الأقرب أو الأدق.. لكن خريج كلية الحقوق كان بحاجة إلى عمر فوق عمره يقضيه في الدراسة والبحث الدقيق لدراسة اللغة وإتقانها وإلمام النصوص وحفظها ثم دراسة التفاسير وفهمها والإطلاع على ما نُقد منها وتدبرها، وبعد هذا وذاك يتناقش مع كبار العلماء فيما توصل إليه، وبعد الإقتراب من مرحلة بلورة ما في عقله يتقدم بدراسة مستفيضة لرواد العلم عن مضمون رحلته من السطحية إلى التعمق في التفكير لمراجعة فكرة وضمان تنقيته من الشطط.. وبعد هذا كله يبدأ مرحلة دراسة تاريخ الإستنارة في الأمة كخطوة أولى تجاه إشعال النور في فكره. ماذا يفعل إسلام إذاً؟ بحيري ليس كإسمه فهو لم يتبحر في دراسة أي شيء، وقرر جمع بعض كتب النقد في التراث الإسلامي وقراءتها والتركيز على بعض النقاط التي تثير العوام ، والتي من خلالها يستطيع أن يشكل جمهوراً من ضعاف الدراية بتعاليم الدين وبعض ممن تستهويهم فكرة أن الدين روحانيات ليس أكثر، كي يضع أمامهم ضالتهم المفقودة وهي التشكيك في ثوابت الدين ليبرروا لأنفسهم أولاً ثم لغيرهم عن سبب بلادتهم في الإنصياع لتعاليم الدين وأحكامه.. بأن الدين ليس به ثوابت تفرض علينا أي شيء، وكل ما جرى خلال أربعة عشر قرناً لا يتعدى سوى وجهات نظر لبعض الرجال. هل يجب محاربة إسلام؟ لا يجب المساس به ولا مناقشته ولا مقاضيته، فمثل هذا لا يمتلك شيئاً يناظر به ولا وجوداً فكرياً يقاضى عنه.. يجب أن يترك هكذا كالنار المهوجة تأكل بعضها بعضاً حتى تخمد وتصبح رماداً مسحوقا.. لأن مثل هذا إذا أصبح في مرمى المواجهة ومع أول هزيمة سيجعل من نفسه شهيداً للفكر الذي لا يعلم عنه شيئا، ويضعه جمهوره في مرتبه المفكرين المناضلين وهم منه ومن أمثاله براء.