مكة أون لاين - السعودية ما قامت به الصين في عالم الاقتصاد خلال الحقبة الماضية يعتبر بحق معجزة بجميع المقاييس، فمعدل نموها الاقتصادي بلغ 10% خلال آخر عشرة أعوام، في حين عانت دول كبرى من تحقيق مجرد 2%. الصين التي استطاعت أن تتحول خلال 30 عاما فقط من واحدة من أفقر دول العالم إلى ثاني اقتصاد في العالم. الصين التي تمكنت من انتشال 500 مليون نسمة من تحت خط الفقر إلى مواطنين منتجين يعيشون في مستوى اقتصادي آمن. الصين أثبتت أن النظام الصارم والحازم قد يكون خير سبيل للنهوض بالأمم، فالعديد من الدول في أوروبا وآسيا طبقت أنظمة ديمقراطية فشلت في تحقيق جزء من نجاحها. في 2002 كان الحجم السنوي للاقتصاد الصيني 1.5 تريليون دولار والاقتصاد الألماني (الأول أوروبياً) تريليونان. اليوم حجم الاقتصاد الألماني 4 تريليونات بينما الاقتصاد الصيني 10 تريليونات! من أهم أسباب نجاح النموذج الصيني هو فهمها لمصطلح «رأس المال البشري» فتمكنت من تحويل عدد السكان المهول إلى قوى عاملة منتجة واستطاعت الاستفادة من رخص هذه الأيدي كميزة تنافسية. تميزت الثقافة الأمريكية «بالحلم» فهي أرض الأحلام والأمثلة عديدة لمن استطاع تحقيق أحلامه فيها. في المقابل تبنت الثقافة الصينية «الطموح» وهو ما حفز الصينيين للتعلم والعمل. فالجامعات الصينية تخرج سنوياً حوالي 7 ملايين طالب جامعي، 40% منهم في تخصصات هندسية وعلمية. والصين حالياً أكثر دولة تبتعث طلابها، ففي الجامعات الأمريكية وحدها يوجد أكثر من 300,000 طالب صيني في مختلف التخصصات. الميزة الأخرى في الثقافة الصينية هي «الادخار» ففي المعدل يدخر الصيني ما نسبته 25% من دخله الشخصي، ولذلك من النادر أن تجد شخصا صينيا يعلن إفلاسه. وقد ساعدت هذه الثقافة في أن تصبح الصين أكبر دولة في العالم لديها احتياطي نقدي حيث بلغ بنهاية 2014 أكثر من 3.8 تريليونات دولار، في حين بلغ الدين العام الأمريكي 18 تريليون دولار. هذه السياسة النقدية المميزة ساهمت في تخفيف الضغط على سياسة الدولة النقدية وتخفيض إنفاقها، لدرجة أن هذا الادخار الشعبي ساهم حتى في تمويل العديد من المشاريع التنموية العملاقة. وهو أيضاً ما جعل سوق الأسهم الصينية في انتعاش، فلك أن تتخيل أن هناك 170,000 حساب شخصي للمتاجرة بالأسهم يفتح يومياً في الصين. في مقابل كل ذلك تواجه الصين مشكلتين كبيرتين، الأولى هي الفساد، حيث إن النمو كبير والمشاريع ضخمة، فالسيطرة المحكمة والرقابة أصبحتا عملية معقدة جداً. المشكلة الثانية هي التلوث، فقد وصل لمراحل خطرة لا يمكن تجاهلها، وأصبح خطرا حقيقيا يهدد صحة السكان وخاصة في المدن الصناعية. إذا ما استطاعت الصين التغلب على هاتين المشكلتين، فإنها بالتأكيد في طريقها لانتزاع صدارة أكبر اقتصاد في العالم من أمريكا، التي سيطرت على المركز الأول منذ بدايات القرن العشرين.