الاقتصادية - السعودية مع إعلان الصين رسميا أنها استثمرت في المملكة العام الماضي قرابة 700 مليون دولار، يمكن القول إن هذا الحجم من الاستثمارات لا يزال منخفضاً، فيما لو قورن بغيره من الاستثمارات الصينية حول العالم. كما أنه لا يعكس الحالة السعودية المتنامية في تشجيع الاستثمارات الأجنبية، من خلال سن قوانين أكثر مرونة، وتوفير التسهيلات التي يرغب فيها المستثمرون، يضاف إلى ذلك، أن حجم الاستثمارات الصينية في السعودية لا يتناسب مع تطوير العلاقات بين البلدين، التي شهدت قفزات نوعية في العقدين الماضيين. فالصين التي أصبحت تنعم بالاقتصاد الأكبر الثاني عالميا يمكنها أن تتقدم أكثر في هذا المجال عبر سلسلة من القطاعات التي توفر العوائد المرضية لكلا الطرفين.. فالوضع العام يوفر الأرضية المناسبة لذلك. والخطوة التي أقدمت عليها المملكة بانضمامها إلى الصين في تأسيس البنك الاستثماري الآسيوي للبنية التحتية، تعد تأكيدا آخر من جانب السعودية لمزيد من التعاون والعمل الاقتصادي المشترك. وهذا البنك على وجه التحديد، ضم دولا غربية، مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا. إنها خطوة (مرة أخرى) محسوبة بعناية، وهذا ما يرفع من وتيرة التحرك الصيني نحو المملكة اقتصاديا في المستقبل. ولذلك جاءت الدعوة السعودية لبكين أن ترفع من حجم وارداتها غير النفطية من المملكة في المرحلة المقبلة. ولا شك في أن اللجنة السعودية الصينية المشتركة، أمامها الكثير من العمل في المستقبل القريب، من أجل الوصول إلى أفضل صيغة اقتصادية بين الطرفين.. فالطريق بينهما ميسر في الاتجاهين، وليس هناك سوى تمكين الحراك الاقتصادي بصورة تجسد تنامي قوة علاقتهما. والحق، أن الدور الأكبر في هذا المجال سيكون للقطاع الخاص. وهذا ما أكدته المملكة رسميا في أكثر من مناسبة، وتوفر له الصيغ اللازمة للحركة الأسرع والأشمل. والأرقام تظهر الخلل الكامن في حجم الحراك الاقتصادي بين السعودية والصين. ففي حين يبلغ الناتج المحلي الإجمالي السعودي 725 مليار دولار، لا يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 71.3 مليار دولار، وبالطبع يستحوذ النفط على أغلب صادرات المملكة. قد لا تكون الساحة مناسبة في السعودية قبل عشر سنوات لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ولكنها على مدى السنوات الماضية، أصبحت جاهزة لمثل هذا النوع من الاستثمارات، خصوصا في ظل الخطة التنموية الهائلة الماضية إلى الأمام، على الرغم من تراجع الإيرادات النفطية منذ منتصف العام الماضي. صحيح أن هناك 150 شركة صينية تعمل في السعودية تتركز في قطاع المقاولات، لكنها محصورة تقريبا في قطاع واحد. حتى إجمالي الاستثمارات الصينية البالغ 5.6 مليار دولار لا يتناسب وعدد الشركات المشار إليها. تؤكد الصين من أعلى المستويات فيها، أنها على استعداد لزيادة وارداتها غير النفطية من السعودية، وهذا أيضا موقف مساعد لبلوغ الهدف بين الجانبين. وما لا شك فيه، أن الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الرئيس الصيني للمملكة قريبا، ستضفي المزيد من الأجواء الملائمة لإعادة انطلاق الحراك بين الطرفين بالصورة الأكثر جدوى وعوائد وفائدة للجميع. هناك ساحات كثيرة متنامية للاستثمار في السعودية، وهناك أيضا الإرادة القوية التي تجعلها أكثر جاذبية، لأسباب عديدة، في مقدمتها حرص المملكة على تنويع كبير لمصادر الدخل. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن المسيرة التنموية في السعودية توفر وحدها آفاقا استثمارية واعدة ومضمونة لمن يرغب، وهي سائرة إلى أن تحقق أهدافها كلها. إن العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين، يمكنها أن تتطور بوتيرة سريعة، وعلى أسس واقعية، لأن كل الأدوات لمثل هذا التطور متوافرة على الساحة، كما أن الصين نفسها تسير بسرعة على صعيد تمكين نفسها بالاستثمارات الخارجية.