د. عبد العزيز الغدير الاقتصادية - السعودية مشكلة البطالة في بلادنا هيكلية وتتركز في حملة الشهادات دون الجامعية، كما يشير كثير من الإحصاءات، لأسباب تتعلق بضعف المواءمة بين متطلبات القطاع الخاص وبعض مخرجات التعليم والتدريب.. وتوافر العمالة الوافدة التي اعتادها المستثمر السعودي لإنتاجيتها بتكلفة منخفضة ولساعات طويلة لجهة ضعف التزاماتها الاجتماعية مقارنة بالمواطن السعودي. بيانات "حافز" تؤكد أن البطالة تتركز في النساء أكثر من الرجال، حيث تظهر البيانات أن نسبة النساء وصلت إلى 80 في المائة من المتقدمين ل "حافز" لعدة أسباب بحسب بعض الباحثين.. منها ضيق الفرص الوظيفية النسائية إضافة إلى عدم توافر فرص العمل المناسبة المتفقة مع العادات والتقاليد والأعراف للأسرة والمرأة السعودية.. ومنها عدم الرغبة في العمل 60 في المائة تقريبا. إلا أنهن سجلن في "حافز" لأن الفرصة أتيحت لهن للحصول على مبلغ لمدة سنة، فرغبن في الاستفادة منه. وبما أن البطالة في بلادنا هيكلية وغير ناتجة عن تباطؤ الاقتصاد الوطني في توليد فرص العمل فإننا نتوقع أن يتم التصدي لعواملها بعدة توجهات.. من أهمها التحسين المستمر لإنتاجية العمالة الوطنية "خصوصاً دون الجامعية" التي تعاني من البطالة للوصول بها إلى أعلى مستوى ممكن من خلال التأهيل وإعادة التأهيل والتدريب.. وربط التأهيل والتدريب بالاحتياجات الحقيقية في سوق العمل. هذا التوجه يجعلنا نتوقع أن تبادر وزارة العمل وشركاؤها.. صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، لتطوير جودة مخرجات التدريب التقني والمهني لرفد سوق العمل المحلية بمخرجات جيدة فنيا وسلوكيا من الجنسين تُقبِل عليها السوق ل "قدراتها" الإنتاجية وتواؤمها مع متطلباتها ومعقولية تكلفتها وإن ارتفعت معدلات رواتبها مقارنة بالعمالة الوافدة. بكل تأكيد فإن استراتيجية بناء "قدرات" القوى العاملة الوطنية الداخلة لسوق العمل لتكون منافسة وجديرة بالفرص الوظيفية والاستثمارية المتوافرة تتطلب بناء "قدرات" كليات التدريب التقني والمهني التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أولا لتصل إلى مستويات عالمية معيارية.. لتلحق بها الكليات الخاصة التي لا يمكن أن تعمل وتحقق الأرباح المستهدفة إلا إذا كانت أعلى من مستوى الكليات الحكومية كما هو حال المدارس الخاصة مقارنة بالمدارس الحكومية. بناء قدرات كليات التدريب التقني والمهني للجنسين وفق المعايير الدولية يتطلب تحليلاً تفصيليا عميقاً لواقع الكليات الحالي وتشخيص المشكلة وتحديد الفجوة في كافة المحاور، ومن ثم إعداد استراتيجية تطويرية تشمل أفكارا وبرامج إبداعية تنفذ مرحليا بما يتناسب والواقع بأبعاده كافة.. بما في ذلك الواقع الاجتماعي والثقافي السائد في المجتمع والمساحة الزمنية اللازمة لتغييره نحو الأفضل. ما قامت به وزارة العمل وشركاؤها من تحليل وتشخيص وإعداد للخطط وبرامجها التنفيذية والشروع في ذلك يبشر بتحول هائل في "قدرات" الكليات التدريبية.. وبالتالي تحول هائل في قدرات الموارد الوطنية الداخلة لسوق العمل المتخرجة من هذه الكليات.. وأكاد أجزم أننا سنرى نتيجة لذلك تحولاً في إقبال الجهات الخاصة والحكومية في تفضيل مخرجات هذه الكليات على مخرجات الجامعات في المجالات التقنية والمهنية.. وتحولا في تفضيل القطاع الخاص للموارد البشرية الوطنية على حساب الوافدة. ما جذب انتباهي في عملية التحليل والتشخيص في مشروع "دعم بناء قدرات الكليات" التي بدورها تدعم "قدرات" القوى العاملة السعودية أنها راعت تحليل المستقبل المتوقع.. إضافة إلى تحليل الوضع الراهن انطلاقا من توجهات الدولة الاستراتيجية والتوجهات الاقتصادية الدولية، الأمر الذي انعكس إيجابا على مستوى الخطط وبرامجها وسياساتها ومراحلها التطبيقية. تجلى ذلك في مشروع كليات التميز الحكومية التي أنشئت بهدف تقديّم أرقى المعايير العالمية للتدريب التطبيقي في المملكة للجنسين بالتعاون مع أفضل مقدمي التدريب عالميا الذين تم استقطابهم للتشغيل المستقل لعدد من الكليات الجديدة في عدد من مناطق المملكة التي تركز برامجها المقدمة بشكل مباشر على تلبية احتياجات سوق العمل المحلية وتخريج كوادر مؤهلة بمستوى عالمي من أرض الوطن ليكون لها أكبر الأثر في رفد سوق العمل السعودية بكفاءات تلبي نسبة كبيرة من احتياجاتها كما ونوعا. تجلى ذلك أيضاً في مشروع بناء "قدرات" الكليات التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني التي تضطلع باستيعاب الكم الأكبر لجهة عددها وانتشارها.. الذي انطلق تجريبياً في عشر كليات لبناء "قدرات" القيادات والمدربين والإداريين وتطوير الكليات وأدائها الشامل، حيث يقوم المشروع بإعدادها مرحليا بإشراف معاهد دولية "بعضها مشارك في برنامج كليات التميز" لتكون وحدات شبه مستقلة إداريا وفنيا وماليا في إحدى مراحل بناء قدراتها "الإدارة الذاتية" لتستطيع أن تتكيف مع المتغيرات والتغيرات في بيئتها بمرونة وسرعة وتكون جاهزة حال توسع الدولة في تطبيق سياسة الخصخصة. بناء "قدرات" نحو مليوني مواطن ومواطنة سيدخلون سوق العمل في ال 15 سنة المقبلة "40 في المائة من قوة العمل".. من خلال كليات التميز والكليات التي خضعت لمشروع دعم بناء قدرات المعاهد التقنية والمهنية ليكونوا موارد بشرية مميزة وجديرة ومنافِسة تحظى بفرص عمل واستثمار تحقق لها إيرادات مجزية تحقق لها شروط العيش الكريم.. وتمكنهم من المشاركة الفاعلة في تنمية بلادهم في جميع المجالات، ينبئ بتحولات اجتماعية واقتصادية وأمنية إيجابية متعددة وهائلة سننعم بها جميعا بإذن الله . من هذه التحولات التي ينبئ بها بكل تأكيد التحولات في التركيبة السكانية، وتقلص كم الأموال المحولة للخارج، وزيادة حجم ونوع الاستثمارات الصناعية والخدمية التي سيُقْبل عليها المستثمرون لتوفر الموارد البشرية الوطنية المؤهلة فنيا وسلوكيا، وبكل تأكيد مزيد من الاستقرار الأمني والاجتماعي نتيجة انشغال الشباب بالأعمال والاستثمارات وقدرتهم على النهوض بمتطلبات حياتهم بأبعادها كافة. ختاما.. أجزم أن تعزيز "قدرات" مواردنا البشرية الوطنية بتطوير "قدرات" منظومة التعليم والتدريب التقني والمهني بصورة شاملة لتقدم تعليم وتدريب عملي يتمحور حول المهارات، إضافة إلى المعرفة، سيحول مواردنا البشرية إلى "ثروات" تدعم قدراتنا الاقتصادية لا "عالات" نخشى سلبيات بطالتها.