الاقتصادية - السعودية كتابة عمود رأي تختلف كثيرا عن كتابة التقرير الصحافي ولن أتطاول على غير مهنتي ولكن حضور المنتدى وفي أول زيارة لمدينة جازان جعل هذا العمود أقرب إلى التقرير منه للرأي (سأرجع الأسبوع القادم برأي محدد عن الراعي: أرامكو). نغفل كثيرا عن الدراسات المعمقة عن الاقتصاد، فمثلا هناك نواح من الاقتصاد لم تعط حقها مثل الاقتصاد الإقليمي خاصة أن المملكة بلاد كبيرة لديها درجة من التنوع في الموارد واختلاف المنافذ الجغرافية وتركز في قواعد الميزة النسبية، جدول المنتدى مليء مما قلل فرصة معرفة جازان بدرجة أفضل، ولعلها خدعة بريئة لمزيد من الزيارات، هناك توجه لتطوير جازان اقتصاديا وكان واضحا أن هذا لن يتم دون دور مباشر وفاعل من الحكومة ممثلة بشركة أرامكو بعد ما بدا واضحا عجز من سبقهم في المدينة الاقتصادية للشفافية، سبق أن كتبت أن تأسيس مصفاة في جازان غير اقتصادي؛ ولذلك لم تشارك شركات أجنبية في المشروع، ولذلك كان لا بد لأرامكو من القيام بالمشروع الذي هو نواة المدينة الاقتصادية هناك، طبقا لأرامكو فإن المصفاة ستدخل الإنتاج في نهاية 2017 ولكن الهدف ليس المصفاة وحدها. منظومة المدينة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في اقتصاديات المنطقة من خلال المصفاة ومحطة الكهرباء والميناء والمرافق الصناعية ومطار دولي وبنية تحتية تخدم التنمية في نواح تكاملية مثل السياحة وصناعة صيد الأسماك والربيان وتطوير الخدمات الأخرى التي عادة تتبع نمو الدخل، هذه المشاريع ستستثمر أكثر من مائة بليون ريال في سنوات قليلة، لفت نظري شمولية كلمة وزير البترول الذي استطاع في كلمة قصيرة تجسيد رؤية تنموية مترابطة ومنطقية - راعت التوازن بين الإقليم والكل وبين المادي والبشري وبين الرفاه والاستحقاق الاقتصادي.. كلمات رئيس أرامكو أكثر تفصيلا ولكن دون تفصيل كاف، ولعل الهدف مرحليا ترويج وتعريف عام، ولكن رجال الأعمال يحتاجون إلى معلومات أدق للتعريف بالفرص الاستثمارية، لفت نظري حضور جامعة جازان خصوصا الشباب والشابات الذين كان واضحا حماسهم التطوعي العفوي مما يدل على أصالة وصدق وروح العمل الصحية، كي نعظم المصلحة الوطنية لا بد من ربط جازان بطريق أقصر إلى نجران ومدن المنطقة الأخرى، ولا بد من تسريع تطوير الجزر والنظر في منظومة تشريعية قد تختلف لجذب الاستثمارات لها. كانت أيضا هناك فرصة لزيارة مصنع حديد (صلب) الذي كان باكورة أول مصانع جازان المؤثرة تحت قيادة سليمان الحربي ومحمد الدرجم اللذين أخذا مخاطرة محسوبة وجذبا استثمارا أجنبيا ودربا أبناء المنطقة من الكفاءات التي استقطب المستثمر الأجنبي البعض منهم بسبب مهاراتهم وإخلاصهم. رأيت مدينة لا تختلف كثيرا عن المدن السعودية الأخرى التي في حجمها ولكنها واعدة بحجم الاستثمارات الجديدة، ومواهب أهلها ودرجة التنوع في بيئتها. بدا واضحا أن أمير المنطقة محمد بن ناصر واع للمرحلة التي لا بد أن تبدأ بدور حكومي مؤثر كي يقوم القطاع الخاص بدور أكثر تشعبا وأعمق تفصيلا؛ وهذا يتطلب إنشاء مكتب مشاريع في الإمارة للمتابعة الرصينة وإضفاء طابع اقتصادي علمي تكاملي، وحضور وزير العمل أعطى البعد البشري أهمية مستحقة، ولكن يا ليتنا نجرؤ على تجارب جديدة بعيدة عن النمطية المعتادة التي تنتهي بمطالب من رجال الأعمال بالتهاون مع التوطين، وكان حق الشباب والشابات السعوديين فرصة للتفاوض بين رجل الأعمال والوزارة؛ فمثلا لو عملنا استثناء ولمدة خمس سنوات في دفع مبالغ أعلى مقابل توظيف السعوديين بشرط ملاحقة نظامية صارمة لمن يوظف أجنبيا، وتطوير حقيقي للمعاهد الفنية وليس تجارب المؤسسة العامة للتعليم الفني الخجولة أحيانا والمخجلة أحيانا أخرى.. لمّا تنجح جازان كلنا ننجح ولمّا نقصر لن يستمر التقصير في جازان وحدها.