د. محمد بن سعود المسعود الاقتصادية - السعودية إدمان الإنترنت هو حالة مرضية ناتجة من الإفراط في استخدامه، مما ينتج عنه اضطرابات في السلوك والنفس، تقول كيمبرلي يونغ عالمة النفس الأمريكية وهي أول من وضع مصطلح إدمان الانترنت: إن المدمن يصاب بالتوتر والقلق عند عدم وجود النت، وتنتهي به إلى إهمال الواجبات الاجتماعية، والأسرية، والوظيفية، وعدم القدرة على شغل وقت الفراغ ببدائل أخرى، والشرق الأوسط هو من أكثر دول العالم استعمالا وإدمانا له. لقد تحولنا إلى ما نكره دون وعي منا ولا اختيار، قلوبنا حجر بارد، عقولنا في شتات، نفوسنا شاردة بعيدة كل البعد عن كل ما يردها إلى سكينتها الأولى، ورضاها الأول، وطهرها البسيط القديم. انطلقنا بقوة المنفلت من خيارات ضيقة محدودة، ودخلنا وسائل التواصل الاجتماعية باندفاعه من لا يجد له سبيلا غيره لحرية الرأي والتعبير، دخلنا إليها منفردين، كل نفس تبحث عن أنيس مفترض، يطل عليه عبر الشاشة بكلمة، ومقال، وطرفة وخبر يتنازعه الشك والظن، وبدأ التحول الذي لا نبصر، وحدث التغيير الذي لا نرى نتائجه، ولا خواتيم أمره، ولا منتهاه بنا، وما أحدثه فينا. لو رجعنا إلى قلوبنا، لوجدناها ملئت فراغا موحشا، غاب عنها حس الحب الصادق ومعناه، لو رجعنا إلى وجوهنا في المجالس لوجدنا عليها أخيلة عجاف تجوب الضغينة في رسائل كالبحر لا أمان لها.. ولا صدق فيها تتوارد علينا دون توقف. الأنس بالمعرفة، كنافلة العشق، كصلاة الليل، كلحظة ارتواء بعيدة بآيات الله، وبسط جمال السبع المثاني، كعين غائرة الحزن على توأم الروح، وأجنحة النفس، ورفيق النجوى..! لقد تبدل هذا كله في نفوسنا، لقد خسرنا هذا جميعه..! حولتنا تقنية التواصل عن بعد، إلى كائن بشري من المطاط والبلاستيك المرن، حولتنا إلى عاجزين في قلوبنا، ومعطوبين في أنفسنا وإلى ساذجين. جزء من التحول أن الناس تحولت إلى أيقونة ورقما، ورسالة مكررة، وخبرا قديما يتم تكرار إرساله. والعقل كالشعور مرتهن بما يعتاد عليه، وبما يألفه، وبما يكرره. عادات العقل تغيرت، عقلك يبحث بصبر ضئيل، بنتائج جاهزة، بعزوف يصل حد الكراهية لكل ما هو جاد وطويل، وشاق وعلمي. الكتاب هو واحد من المهجورين، والمتروكين، والمنسيين، ليس قلبك وحده، وليست نفسك وحدها، وليست أرحامك وأصدقاء طفولتك وحدهم.. كل شيء حدث فيه تبدل وتغير، غارت مشاعر الغمر والفيض والتعلق، والنجوى، تعلق الجوهر بالجوهر، تمازج الضوء بالضوء، تبادل ظلال الظهور، تاركة قوس قزح خلفها.. إن الأرواح النقية حين تلتقي، حين تقترب، حين تكون نقية وشفافة وطاهرة، يتجلى الجمال في أفق مفتوح يتسع للوجود كله وللحياة بتمامها.. كل شيء فينا يتبدل ويتغير، ونحن نعيد تكرار ذات الرسائل، وذات الصور، وذات المعاني، التي تجعلنا نتواصل مع بعضنا بعضا كما يتصل الرخام بالرخام، والحجر بالحجر، كما يسري الرمل في الرمل، قريب منفرد متباعد..! قلما يرفع الناس أبصارهم للنظر في وجوه بعضهم، حين يلتقون، إنهم يلوذون بالنظر لما يحبونه أكثر، بالذي يستحوذ على قلوبهم ومشاعرهم أكثر، إنها شاشة الهاتف المحمول، بموجه المتوالي والمتتابع.. الذي جعلنا قريبين كحبات الرمل، دون قدرة على الذوبان والقرب والحب، إن حبة الرمل تعيش لذاتها منفردة عمرها كله ونحن اليوم قلوبنا حبات رمل، فوق شاشة هاتف محمول.