د.صلاح بن فهد الشلهوب الاقتصادية - السعودية الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، حيث جاءت في ترتيبها بعد الصلاة وقبل الصوم والحج، وهي واجبة على كل مسلم، وحين تحدث عنها معظم الفقهاء وعن وجوبها أرشدوا إلى أنها تجب في المال ولا علاقة لها بالتكليف، فأي مال تجب فيه الزكاة يجب على المسلم إخراجها منه حتى لو كان رضيعا من خلال وصية القائم على ماله، والزكاة غالبا تكون في كل مال قابل للنماء وتهدف إلى تطهير المال مما قد يصيبه من أي أمر محرم أو مشبوه، كما أنها مسؤولية اجتماعية تجب على الغني للفقير، وهي تؤكد على عناية الشريعة الإسلامية بالتكافل الاجتماعي بطريقة عادلة، لا تؤثر كثيرا على الغني ولكنها بلا شك تكفي حاجة الفقير. جباية الزكاة هو نظام فرضته الشريعة الإسلامية، وطبقه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يرسل بعض الصحابة لجباية الزكاة مع الالتزام بمعايير العدالة التي تمنع من إجبار الناس على الزكاة بأفضل ما عندهم وهو كرائم أموالهم، مع استيفائها كاملة ممن وجبت عليهم. نظام الزكاة في المملكة هو أحد الأنظمة التي حظيت بعناية في نظام الحكم، وقد صدر به مرسوم ملكي رقم 17 /2 /28 /8634 في 29 جمادى الآخرة 1370ه (7/ 4/ 1951) والمرسوم الملكي الصادر بالرقم 17 /2 /28 /8799 في الثامن من رمضان 1370ه (1/ 6/ 1951). على أن يتم العمل به ابتداء من المحرم 1376ه بناء على ما جاءت به المادة الثالثة. لا شك أن نظام الزكاة ليس نظاما قابلا للتغيير باعتبار أنه أمر منصوص عليه شرعا بتفاصيله، ولكن التغيير هنا هو في تطوير أنظمة تقييم الأموال التي تستحق فيها الزكاة وتحديدها بصورة واضحة، وبيان آلية جباية الزكاة من خلال الاستفادة من التقنية في ملاحقة الأموال التي يمتلكها المواطن لإحصائها وتحديد ما يجب عليه إخراجه، فتطبيق أحكام الزكاة في حال حصل فيها تقصير من المسلم فمن حق ولي الأمر إجباره على ذلك كما هو الحال في الصلاة والصيام، كما أنها حق أوجبه الله على الأغنياء لمصلحة الفقراء يجب عليهم أن يؤدوه، كما يجب على الشخص أن ينفق على من يعول، فالمال مال الله والمسلم مؤتمن عليه. تطوير نظام الزكاة يذكرنا بالطريقة التي سلكتها الولاياتالمتحدة على مواطنيها التي تجبرهم على دفع الضريبة حتى وإن كانوا يقيمون في دول أخرى وهو ما يسمى بنظام فاتيكا Foreign Account Tax Compliance Act FATCA، وهذا النظام يجبر المصارف الخارجية على الإفصاح عما لديها من أرصدة من يحمل جنسية الولاياتالمتحدة، حتى أصبح كثير ممن يحمل جنسية غير الأمريكية أصبح يتنازل عنها حتى لا تفرض عليه الضريبة وهو يعمل ويقيم بل إن بعضهم مستقر خارج الولاياتالمتحدة، ومع ذلك نجد أن الحكومة الأمريكية تلاحقهم لدفع الضريبة وقادرة على الوصول إلى معظم دخلهم وثرواتهم. من الأمور التي يحتاج الأمر فيها إلى دراسة وبحث مسألة تحديد الأموال التي تجب فيها الزكاة خصوصا أن أدوات الاستثمار اليوم مختلفة عنها في السابق، فعلى سبيل المثال يوجد نقاش حول وجوب الزكاة في الأراضي خصوصا التي يشتريها أصحابها ويحبسونها بغرض التكسب من ارتفاع أسعارها، علما بأن الاستثمار في القطاع العقارى يعد من أكبر أسباب الثراء للبعض، وقد يحقق عوائد أكبر بكثير من الاستثمارات التي تجب فيها الزكاة مثل الاستثمار الزراعي والصناعي والتجاري. من الأمور التي ينبغي النظر فيها أيضا حسابات الأفراد التي تبلغ نصاب الزكاة في كامل الحول ولا يطالبون بالزكاة فيها، فهي وإن كانت في الأساس مسؤولية فردية إلا أنه من المهم معرفة ما إذا كانت هذه الأموال يزكى عليها وإثبات ذلك، فالفقهاء حينما ناقشوا مسألة إظهار إخراج الزكاة يرى البعض أنه فيما يتعلق بالزكاة فإن الأفضل إظهار ذلك وعدم إخفائه لكيلا يتهم الإنسان في دينه بأنه امتنع عن أمر واجب وركن من أركان الإسلام، أما الصدقة فلا شك أن إخفاءها في الظروف الاعتيادية أفضل لينطبق عليه وصف من يظلهم الله في ظله يوم القيامة. فالخلاصة أن الزكاة من الأمور التي اعتنى بها الإسلام عناية كبيرة وهي ركن، ومع تطور أدوات التجارة والاقتصاد أصبح من المهم العناية بطرق حساب الزكاة وتحديد الأموال التي تجب فيها، ومتابعة حسابات الأفراد الذين بلغت ثروتهم نصاب الزكاة وانطبقت عليهم الشروط لأخذ الزكاة منهم وإعطائها مستحقيها باعتبار أن ذلك واجب ومسؤولية على الفرد.