عربي 21 كم شخصا متأكدا من براءته خلف القضبان بحكم القانون؟ كم سارقا وقاتلا وفاسدا يثق الجميع في إدانته برأه القانون؟ كم حقا ثابتا ضل الطريق لأصحابه بسبب ثغرة في القانون؟ كم مظلوما مات دون أن تردّ إليه مظلمته لخلل في القانون؟ كم باطلا أصبح حقا وكم حقا انقلب إلى باطل بالقانون؟ أعرف إجاباتك على كل الأسئلة السابقة، لذلك أعرف أننا في أزمة. *** القانون وسيلة وليس غاية، نطيع القانون فقط لتحقيق العدل، فإذا لم يفعل فلا طاعة له علينا. تكتب الدستور لجان معينة من السلطة، وتصيغ القوانين وتعدّلها برلمانات الأغلبية الساحقة فيها لنواب السلطة، ولذلك تخرج كل القوانين لإطالة بقاء السلطة في الحكم وتأمينها بعده، وعندما نجحت الثورة في الإطاحة بمبارك انشغل الثوار بملفات أخرى، وأهملوا ملف إصلاح القوانين التي صاغها ترزيته وحزبه ونوابه، لذلك كان طبيعيا أن يفلت هو وكل مجرمي نظامه من العقاب. لم يحصل مبارك ونجلاه على البراءة من تهمة التربح، لأنهم لم يسرقوا أموال الشعب، ولم يستغلوا مناصبهم، حصلوا على البراءة فقط لانقضاء الدعوى الجنائية بمرور عشر سنوات على الواقعة، حصلوا على البراءة بقانون صدر قبل 64 عامًا، ورفضت كل البرلمانات المتتابعة تغييره للحفاظ على الثغرة التي ينجو منها الفساد من المساءلة. لم يحصل من أفسدوا الحياة السياسية على أحكام بالسجن؛ لأن هؤلاء الذين أفسدوا الحياة السياسية هم من كانوا مسؤولين عن وضع القوانين، فكان طبيعيًا ألا يضعوا قوانين تحاسب على إفساد الحياة السياسية، وكان من السذاجة تصوُّر أن رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الشورى السابقين سيحصلان على أحكام بالإدانة بقوانين خطوها بأيديهم. 103 أحكام بالبراءة صدرت لصالح ضباط شرطة في قضايا قتل المتظاهرين، إضافة إلى 59 قضية حصل الضباط فيها على أحكام مع وقف التنفيذ، ولم يصدر حكم بالإدانة سوى في قضيتين فقط، حكمان بالإدانة في أحداث مات فيها ألف شخص وأصيب ستة آلاف، حصل المتهمون على أحكام بالبراءة لأن المتهم ضابط، ومن يجب أن يجمع أدلة الإدانة ضابط، والقانون يسمح بأن يكون وكيل النيابة أو القاضي أو المحامي ضابطا سابقا! كيف يطلبون منا أن نقدس القوانين وقد كتبها مدنسون؟، وإذا كان القانون يحقق العدل، فلماذا يؤكد على احترامه دوما حكامنا الظالمون؟. *** "العقيد أشرف. ا أحد قيادات أمن استاد الدفاع الجوي يوم المذبحة تم تشويه وجهه في مدينة نصر. يعني ينفع يا باشا تمشي وحدك من غير تذكرة". هذا ما كتبه عضو في رابطة مشجعي نادي الزمالك "وايت نايتس" في صفحته على الفيس بوك بعد أيام من مجزرة الدفاع الجوي، التي قُتل فيها نحو 22 من مشجعي النادي، بعد إطلاق قنابل الغاز على آلاف المشجعين بزعم عدم حملهم تذاكر للدخول. دعك مما كتبه الشاب ومدى صدقه، لكن تابع الحفاوة التي استقبل بها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي الخبر، وتناقله على نطاق واسع مصحوبا بتعليقات مليئة بالشماتة في الضابط، والإشادة بالانتقام ممن قتل المشجعين، دون حتى أن يتحققوا إذا كان هذا الشخص هو القاتل فعلا، أو إذا كان الانتقام منه حدث بالفعل. اربط ذلك كله بالبيان الذي نشرته الصفحة الرسمية لرابطة "وايت نايتس" بعد المجزرة، وقالت فيه: "يا حضرة القاضي وفر ورقك.. احنا مش هنتسحل في السكة دي.. الحقيقة واضحة قدام العالم كله، والجاني واللي حرض على القتل عارفينهم.. واحنا مرينا في محاكمكم كتير لا نصرتم حق ولا اقتصصتم لمظلوم.. فآن الأوان تمروا لمحاكمنا.. وعلى الباغي تدور الدوائر". *** إن كان في هذا الوطن رجل رشيد فليتخيل البدائل الممكنة لكُفر قطاعات كبيرة بالقانون، والتأكد من ضياع حقوقهم إذا لجأوا إليه، وظلمهم إذا وقفوا أمامه. ستسيطر فكرة الثأر على الجميع، سيثأر أعضاء الألتراس ممن قتلوا أصدقاءهم، وسينتقم الضباط من أي إخوان ثأرًا لزملائهم، وسيبحث الإخوان عن أي شخص يرتدي الزي العسكري ثأرا لرفاقهم، وسيفكر الثوار كيف يثأروا ممن قتلوا أصدقاء الميدان دون أن ينالوا عقابًا. ستخلو المحاكم من الرواد؛ لأن قوانين العقوبات والتجارة والأحوال الشخصية لم تعد مرضية لأحد، ومن ترضيه القوانين ستزعجه البيروقراطية التي يتطلب أقل خلاف فيها عدة سنوات ليتم حسمه، وبدلا من أن نجذب رواد المجالس العرفية إلى محاكم وقوانين الدولة، ستلجأ فئات أخرى جديدة للمجالس العرفية أو السلاح لحسم قضاياها. الأمر يتجاوز الخلاف السياسي والاختلاف الفكري إلى الخوف من مصير بائس يهدد مجتمع لا يحتمل المزيد من التهديدات، إن كنتم تريدون أن يحترم المصريون قوانينكم، فالوصفة سهلة، اكتبوا قوانين محترمة، وإن كنتم تريدون عدلا يحمي الجميع من فوضى قاتلة، فدققوا في اختيار الجالسين على المنصات، بحيث يسهل التفريق بينهم وبين الواقفين في الأقفاص.