د. سعيد بن على العضاضي الاقتصادية - السعودية تطرقت من قبل إلى الفرص والتحديات التي تواجه الشركات العائلية. فذكرت أن من ضمن نقاط قوة الشركات العائلية أنها تساعد على الترابط الأسري والاحترام بين أفراد العائلة، الذين يعيشون حياتهم المهنية والاجتماعية من أجل الشركة ويرون بفخر هذا الرمز الذي يجمعهم. كما أن إجراءات تكوين الشركات العائلية أيسر بكثير من بعض أنواع الشركات، حيث تتمثل مسؤولية كل فرد من أفراد العائلة بقدر حصته في رأس المال، وهي تشبه إلى حد كبير الشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركة التوصية بالأسهم. كما أن هناك مرونة في تحديد من يتولى إدارة الشركة، فليست مقتصرة على الملاك من أفراد العائلة، بل من الممكن الاستعانة بمدير تنفيذي من خارج العائلة إذا لزم الأمر. ورغم كل المميزات التي تتمتع بها الشركات العائلية، إلا أنها تواجه كثيرا من المشكلات والتحديات. فذكرت من قبل أن المعضلة الكبرى التي تواجهها تتمثل في غياب مؤسسها، الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى أن تفقد الشركة البوصلة وتتفرق بها الطرق وتدخلها الصراعات، خصوصا صراع الأجيال. فأصحاب الفكر التقليدي في العائلة غير راغبين في التغيير نتيجة خوفهم من المخاطرة، وعدم تقبلهم دخول دماء جديدة في إدارة الشركة حتى لو كانوا من أفراد العائلة، بسبب قناعتهم بعدم كفاءة الجيل الجديد لحداثة سنهم وقلة خبرتهم. ومن ضمن التحديات أيضا الأثر الذي تحدثه أعمال الشركة على العلاقات العائلية، فقد لوحظ أن مشكلات العمل تؤثر بشكل كبير في العلاقات بين أفراد العائلة. هذا ملخص عن سلسلة مقالات الشركات العائلية التي بدأت أولى حلقاتها قبل عدة أسابيع. وفي هذا المقال أريد أن أتطرق إلى بقية المشكلات والتحديات وسيقتصر مقالي هذا حول مشكلات التخطيط والتنظيم، أما المشكلات المتعلقة بالإدارات الرئيسة وبالعمل التشغيلي فسنؤجل طرحها إلى مناسبات قادمة إن شاء الله. من المشكلات الأخرى التي تواجه الشركات العائلية، والتي لم نناقشها من قبل عدم وجود دليل لإجراءات العمل الذي من شأنه أن يوضح كيفية أداء الأعمال خطوة بخطوة دون الحاجة إلى الاجتهادات، حيث يتم تحديد آليات العمل والتسلسل الزمني للأحداث والأنشطة المختلفة اللازمة للإنجاز من بداية المهمة حتى نهايتها. ومع الأسف فإن خلو المنظمات من دليل إجراءات ليس مقتصرا على الشركات العائلية، بل هو سجية كثير من مؤسساتنا وشركاتنا ومنظماتنا في القطاع العام والخاص. إضافة إلى عدم وجود دليل للإجراءات في الشركات العائلية، فإنه لا يوجد نظام أساسي للشركة يحدد مجال عملها، ويبين هيكل رأس المال، وآلية زيادته أو تخفيضه، وعدد الشركاء وحصصهم، وأعضاء مجلس الإدارة وعلاقة الشركاء بالإدارة، وحقوق وواجبات الملاك وكل التفاصيل التي توضح حقوق المساهمين وكيفية توزيع الأرباح. ومن هنا نجد أن افتقار الشركات العائلية إلى النظام الأساسي هو الذي يتسبب في الفوضى التي نراها في بعض بيئات الشركات العائلية، بحيث يحق لجميع أفراد العائلة التدخل في إدارة وتشغيل الشركة، وقد يكون لهم الحق في أخذ شيء من المال سواء من الأرباح أو من رأس المال. ومن المشكلات الأخرى التي تواجه الشركات العائلية صعوبة إدارة ورقابة وضبط أداء الفروع. فبعض الشركات العائلية التي لديها عدة فروع منتشرة في مناطق المملكة، نجدها لا تعمل تحت مظلة إدارة واحدة، بل يعمل كل فرع بآلية تختلف عن المركز الرئيس وعن بقية الفروع، وتنظر الشركة الأم في كثير من الأحيان إلى الفروع وكأنها منظمات مستقلة. وعدم المقدرة على إدارة الفروع يضيف عبئا كبيرا على المركز الرئيس، بسبب تباين الإجراءات والمعالجة والمراجعة، ونتيجة لهذه التعقيدات نرى أن المركز الرئيس يهمل عمل الفروع ويتركها تدير نفسها بنفسها وكأنها وحدات مستقلة. وتباين عمل الفروع يؤدي إلى تباين أدوات الرقابة ومنها المعالجة المحاسبية، حيث يتعامل المركز الرئيس (الإدارة العامة) محاسبيا مع الفروع على أنها من عملاء الشركة. فعلى سبيل المثال نرى الشركة التي يكون نشاطها البيع بالتجزئة ترسل البضاعة إلى الفرع بهامش ربح للمركز الرئيس، ويتولى الفرع تسعير البضاعة بطريقته، وبهذا سيكون للفرع هامش ربح مختلف عن المركز الرئيس. ولتفادي هذا الأمر يجب توحيد السجلات المحاسبية لجميع عناصر الإيرادات والمصروفات لجميع مكونات الشركة (المركز الرئيس والفروع)، بحيث تصب جميعها في مكان واحد. وهناك مشكلة أخرى تخص بعض الشركات العائلية وليس كلها، وهي الخلط بين أعمال الشركة، وما يعتبر عملا خيريا. فقد تمت ملاحظة بعض الظواهر والحالات التي تصنف من قبل الملاك على أنها أعمال خيرية، نراها تندرج تحت الأعمال التشغيلية للشركة، وينظر إليها محاسبيا على أنها مصروفات. وممارسة العمل الخيري بهذه الطريقة تؤدي إلى ارتفاع المصروفات التشغيلية، دون أن يقابل هذا أداء أو إيراد، ما يؤثر على دقة نتائج أعمال الشركة ويتسبب في تضليل متخذ القرار. وتأخذ الأعمال الخيرية في بعض الشركات العائلية عدة أشكال، منها تلك الحالات التي تقوم بها بعض الشركات عندما تتخذ قرارا بتوظيف بعض العاملين - ليس بهدف الاستفادة من خدماتهم وفق معايير وضوابط التوظيف - بل من أجل مساعدتهم وتوفير مصدر دخل لهم، ويرافق هذا التعيين تساهل معهم في الانضباط وإنجاز الأعمال إلى حد بعيد. وهذا التصرف يشجع ظاهرة التهاون والتكاسل في أداء الأعمال من قبل العاملين الآخرين، وينعكس سلبا على أداء الشركة ككل. وهناك عدة طرق للفصل بين أعمال الشركة وبين ما هو أعمال خيرية، منها تخصيص جزء من الأرباح السنوية للشركة لبذله في الأعمال الخيرية، دون تعريض نظام وعمل الشركة للاختلال. هذه حزمة من المشكلات والتحديات التي تواجه الشركات العائلية في بلادنا، تضاف إلى ما سبق ذكره، ولنا عودة إلى هذا الموضوع إن شاء الله.