عبدالمحسن هلال عكاظ - السعودية تم في التشكيل الإداري الأخير إلغاء مجلس التعليم العالي بعد أن ران المجلس العتيد على قلوب الجامعات 22 عاما مسيطرا على أدق تفاصيلها وتوجهاتها، سلب منها استقلاليتها وتمايز شخصياتها فأضحت جميعها نسخا مكررة من بعضها، وسطا على قراراتها الإدارية فصارت تدار كمدارس ثانوية، حتى قرارات قبول الطلاب الجدد، وهو أعز ما تملك، نزع منها، استمر افتتاح الأقسام النظرية التي تنتج المزيد من البطالة، بل حملت الجامعات عبء التوظيف ومتطلبات السوق، كتبت وغيري كثيرون عن شيء من هذا لكن شيئا لم يحدث. المأمول الآن أن يعود للجامعات تميزها المعرفي وهو أمر لا يتحقق إلا بحصولها على استقلالها الإداري والأكاديمي، الجامعة ليست جهة توظيفية ولا علاقة لها بسوق العمل، هي مؤسسة تعليمية تقاس قيمتها بأداء رسالتها في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، تتيح فروع المعرفة المختلفة وللطالب حرية اختيار التخصص، علاقة التخصص بسوق العمل أمر يخص الطالب ويتعلق بوعيه وأسرته، ومعظمهم يختار تخصصا مطلوبا تقف دونه قدرة الاستيعاب، استيعاب الجامعة والطالب، أما اعتبار الجامعة ملجأ لكل من لم يجد وظيفة فيلتحق بأحد أقسامها النظرية فأمر غير مبرر، هناك نسب عالمية لمن يتم قبولهم من الثانوية، عدم وجود معاهد أو كليات متوسطة كافية أو عدم وجود وظائف ليس مسؤولية الجامعات. تتمايز الجامعات بجودة المخرجات وليس بعدد المقبولين، بل إن قلة عددهم بالتنافس عليه يعد أحد معايير تقييم الجامعات، تتمايز أيضا بالتخصص العلمي حتى تكاد بعض الجامعات أن تعرف بتخصص معين وإن كان نظريا، جامعات عدة تشتهر بكليات القانون الإدارة الحاسب الهندسة أو الطب، وربما بأقسام كالزراعة والبيطرة، أو أدبية بحتة كأقسام اللغات والترجمة، وجميعها مطلوبة اجتماعيا. هذا مجال التنافس الحقيقي بين الجامعات، وجود معايير للجودة التعليمية شيء مهم، الأكثر أهمية ما تفرضه إدارة الجامعة وما يفرضه الضمير الأكاديمي لكل أستاذ وطالب علم، الأكثر أهمية نوعية المنتج النهائي لكل جامعة، سواء كمهنيين مؤهلين كل في تخصصه، أو أبحاثا علمية تعالج مشاكل المجتمع وتدمجها فيه بإذابة أبراجها العاجية، أو ما تقدمه مباشرة لمجتمعها المحيط من برامج تنويرية وتدريبية ومعرفة عامة، فقدت جامعاتنا معظم هذا بافتقاد استقلالها، فهل آن أوان عودته إليها.