مكة أون لاين - السعودية لا أحد يستطيع التخمين إلى ماذا ستقود التغييرات الأخيرة، التغييرات التاريخية التي أصبحت حديث الشارع السعودي، وبكل تأكيد اختلفت وجهات النظر حول بعض المسؤولين وربما بعض القرارات، وهذا أمر طبيعي يحدث مع كل التغييرات ودخول وجوه جديدة وحقائب جديدة. تعددت وجهات النظر، مرة حول بعض الأسماء، ومرة حول المسؤوليات وضخامتها وحجمها أو توقيتها، ولا أحد بالتأكيد يملك الصواب المطلق. السعودية تدخل مرحلة جديدة، والمواطن مراقب ينتظر أن يقوم الجميع بواجباتهم من أجل التنمية والإصلاح والتطوير وتحريك الملفات الراكدة. الجميع يؤمل على أن هذه التغييرات ستحدث فرقا خصوصا أنها حفلت بالعديد من الوجوه الشابة، ونحن لا نزال نتذكر أن هناك أصواتا وطنية عديدة طالبت بدخول جيل جديد متنور ومتعلم من أجل رؤية حديثة تواكب التطلعات. الشاهد الوحيد الذي بقي كعلامة غير سوية، هو احتفال بعض الأفراد والتعبير عن أفراحهم بإقالة مسؤول، والإعلان عن ذلك. الشماتة ليست من الأخلاق بشيء، والكارثي الذي لا يمكن محوه أنها تأتي من مجموعة أشخاص يدعون بسلوكهم هذا إلى الفضيلة، ليس من المناسب أن تنتقم أفكارنا من الأشخاص، وليس من الفضيلة أن ننتقم ممن نختلف معهم. ذهاب مسؤول لأي سبب كان، لا يبرر أي سقوط أخلاقي مطلقا، نقل مقاعد الجماهير الرياضية وسلوك التعصب الرياضي إلى مناطق المسؤولية والقرار والأخلاق والفضيلة والعمل الجاد، لا يضيف شيئا لا من المنتقِص ولا من المنتقَص منه. من الذي وسع دائرة الخلاف إلى هذا الحد لنستبدل أخلاقنا بأخلاق القساة والمنتقمين؟ مسؤولية من إعادة الاستقرار الأخلاقي على الأقل في خصوماتنا واختلافاتنا؟ كل تيار من التيارات يدخل «وطنا» وكأنه يدخل معركة، كل المكتسبات التي تحققت ظلت منطقة خلاف كبيرة على مدى تاريخ، بيد من ولماذا؟. لم نعد ننظر لها على أنها إنجازات مشتركة ساهمنا فيها معا، هذا التعطيل المتعمد الذي نواجهه ليس له من خصال غير الانتقام والسلطة وجر المجتمع إلى هاوية الخلافات من جديد. لا أحد محق في شيء أكثر من محبته وحرصه على التنمية ورؤيتها بعين الخبير والعارف ومباركتها ودفعها لنتمكن من العيش بسلام مهما اختلفنا. انقسام المجتمع بهذا الشكل الحاد مع أو ضد، تيار ضد تيار، سيحسب كل المشاريع القادمة على أساس هذا التقسيم، وسيحسب في نهاية الأمر أي وجه وزاري جديد على أساس هذا التصنيف المَرضي عاجلا أم آجلا، مثلما فعلنا وقرأنا وتابعنا ردود الفعل تجاه معظم التغييرات السابقة ومدى نجاحها في تحقيق ما يتفق مع وجهة نظر أحد التيارات، وبالتالي إدخالها ضمن حدود معركة الانتصارات الفكرية لتيار ضد آخر. لم تسلم حتى التحليلات السياسية من رائحة التطرف منذ الوهلة الأولى للتغيير، لم تسلم التعليقات البسيطة بعد سماع الخبر من التصنيف مع أو ضد، ولن نسلم كلنا إن استمر تعليق الأمر على أساس معي أو ضدي. حالة طائفية جديدة نشأت وترعرعت في ظل غياب التقارب، وتغذيتها الدائمة ستقودها إلى مرحلة متقدمة من التطرف لتعرقل كل الأفكار التي من شأنها أن تحافظ على استقرارنا اجتماعيا وربما تنقلنا إلى مراحل أخطر منها. الحاجة ملحة إلى إعادة الثقة من المجتمع نفسه بأطرافه كلها بعضها ببعض وكلها بمسؤولياتها التي يقودها أشخاص مؤهلون وقادرون على التغيير. مستوى هذا التغيير لا يمكن أن نحدده أو نبني عليه المستقبل ونحن لا نزال لم نقرأ حتى الآن الأسماء الثلاثية لبعض الوزراء المعينين حديثا. لدينا حالة من الاستعجال مبنية على أوهام خصومات تاريخية، أحكام جاهزة، وأنا هنا أتحدث عن «الشارع» لا عن المثقف والمحلل والمفكر والسياسي بالتأكيد. لا أحد ينكر أن هذه المرحلة - التي عشنا اليومين الماضيين مع إعلانها - لم تكن متوقعة، لكن أيضا لا أحد يستطيع أن يتوقع أو يطلق أحكاما جاهزة على مستقبلها. معركة التيارات في السعودية طويلة ومرهقة، معركة - فيما يبدو - لا نهاية لها، هي معركة سلطة بالدرجة الأولى على المجتمع وتوجهاته، وخساراتها حين تكون بهذه الحدة لن يكون من السهل علاجها.