الاقتصادية - السعودية في الوقت الراهن، لا يخفى على كل متابع أو مهتم بأداء ونتائج الشركات الخاضعة لنظام هيئة سوق المال وغيرها من الشركات التي بادرت إلى تطبيق نظام الحوكمة؛ ما للمراجعة الداخلية من أهمية قصوى في تعزيز نظام الحوكمة، والرفع من مستوى الدور الرقابي، وتزويد الإدارة التنفيذية بالأخطار المحتملة؛ لمعالجتها بعد تقديم الدور الاستشاري في صورة توصيات مقترحة. تلك التوصيات المقترحة ستسهم في معالجة الأخطار وإقفالها بأسلوب احترافي، يمنع جزئيا وقوع تلك الأخطار أو تكرارها. شركة موبايلي قد تكون أبرز الشواهد على دور وأهمية المراجعة الداخلية؛ ما جعل بعض الشركات المعروفة تتدارك تقارير المراجع الداخلية والتعامل معها بجدية ومهنية قبل أن يقع "الفأس بالرأس" مثل ما وقع مع "موبايلي" أخيرا. في الحقيقة، ليس هذا المقال عن أهمية المراجع الداخلي ودورها الحيوي في الشركات؛ حيث إن الوعي المتنامي بأهمية المراجعة الداخلية جعل منها معيارا يقاس من خلاله مدى وعي ونضج بعض رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات في الشركات. إنما يهدف المقال إلى الإجابة عن سؤال يتواتر دائما من قبل بعض رؤساء لجان المراجع الداخلي في الشركات، حول آلية تنفيذ برامج المراجع الداخلي؛ هل تتم من خلال إنشاء إدارة متخصصة للقيام بمهام وبرامج المراجعة، أو التعاقد مع مكاتب التدقيق والاستشارات أو ما يعرف ب(Outsource)؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال بشقّيه الفني والمالي، أود الإشارة إلى أن تسمية المراجع الداخلي (Internal Auditor) بهذا الاسم تعود بالتأكيد على أن هذا النشاط يتم من خلال فريق خاص داخل المنشأة، حيث إن المراجع الخارجي (External Auditor) يقوم أيضا بعمليات فحص وتدقيق داخل المنشأة، ولكن لم يطلق عليه المراجع "الداخلي"، ما يؤكد أن المسميات كذلك لها دلالاتها واعتباراتها في التعاطي مع المهنة بشكل احترافي والاستفادة من مخرجاتها. للعودة إلى إجابة السؤال السابق وهو أن إنشاء إدارة متخصصة للقيام بمهام وأنشطة المراجعة الداخلية من الناحية الفنية، يعتبر أكثر كفاءة وفعالية من الاستعانة بالمصادر الخارجية؛ ذلك لكون المراجع الداخلي الذي يعمل في المنشأة لديه معرفة ودراية عميقة بأصناف الأخطار والقدرة على تخمينها، إضافة إلى أن ارتباطه المباشر داخل المنشأة يعتبر قيمة مضافة في تفعيل النظام الرقابي الداخلي، وبناء تصور متكامل عن فاعلية نظام الحوكمة وإدارة الأخطار، والقدرة على تقييم الأخطار الناتجة عن بيئة العمل من خلال معطيات واضحة تتبلور كل يوم أمام تقييمه المستمر للأخطار، فهو بكل ذلك يستطيع أن يقدم قيمة مضافة وملموسة لدى الجهة المستفيدة من تقارير المراجعة، سواء كانت هذه الجهة لجنة المراجعة أو أعلى مسؤول في المنشأة. أما على الجانب المالي فإن المراجع الداخلي أكثر اقتصاديا من خلال تحقيق المنفعة بناء على التكلفة. حيث إنه تزداد منفعته وتنخفض تكلفته من خلال استمراريته في المنشأة، وتعميق الخبرة والمعرفة بالنظام الداخلي. هذا السياق يقودني إلى ذكر مثال حيوي، حيث إن إحدى المنشآت تمكنت من زيادة برامج وأنشطة المراجعة الداخلية إلى أكثر من 70 في المائة في مدة خمس سنوات، مع انخفاض في التكلفة الناتجة عن انخفاض في عدد المراجعين بنسبة 30 في المائة تقريبا، هذا الأمر يضاف إلى مدى قدرة المراجعين الداخليين على تنمية مهاراتهم وأدائهم، ما يؤدي إلى تحقيق قيمة مضافة من البرامج والمهام التي يقومون بتنفيذها؛ فضلا عن قيامهم بتقييم مستمر للأخطار التي تعتبر تكلفة منفصلة عن البرامج المنفذة من قبل المصادر الخارجية "مكاتب التدقيق والاستشارات". أما الجانب الأهم والمرتبط كذلك بإجابة السؤال السابق؛ فهو أن كثيرا من الإدارات التنفيذية تقاوم وجود المراجع الداخلي داخل المنشأة؛ وتمارس التضييق عليه والتأثير كذلك على أصحاب القرار من خلال المحاولة بإقناعهم على الاستعانة بمكاتب وشركات خارجية لتخفيض التكلفة وتحقيق جودة مهنية عالية! ما السبب وراء ذلك؟ باختصار، بدأت عملية الثقة بمكاتب التدقيق والاستشارات تنفرط منذ الأزمة الأولى التي وقعت بين شركة إنرون للطاقة و"أرثر آندرسون" أحد أكبر خمسة مكاتب للتدقيق والاستشارات حول العالم في حينها. وعلى الرغم من صدور دراسات ومعايير تعالج تكرار "السيناريو" الذي حدث بين الشركتين عام 2001، إلا أن المفاهيم المادية "الرأسمالية" لدى بعض تلك الشركات جعل منها غطاء لتظليل المستفيدين من صبغتهم التأكيدية على صحة وسلامة كثير من القوائم والنتائج المالية المظللة، وذلك بهدف ضمان استمرارية تجديد العقد مع تلك الجهات المتلاعبة. ومع الأسف انتقلت عدوى تلك المكاتب من مسقط رأسها إلى فروعها في شتّى أصقاع الأرض، ما أفقد الثقة بها يوما بعد يوم. وما تعميم هيئة سوق المال في الأيام الماضية منا ببعيد، حيث حذرت فيه من التعامل مع كل من شركة "ديلوت آند توش – بكر أبوالخير وشركائهم" Deloitte اعتبارا من 1 يونيو 2015، كما لا يخفى على الجميع ما جرى في شركة "موبايلي" والمسؤولية التي تقع على شركة التدقيق "برايس ووتر هاوس كوبرز". المراد من ذكر ما تقدم بأن جميع التجاوزات التي تمت؛ كانت تتم غالبا ما بين الإدارة التنفيذية وبين تلك الشركات التي تبحث عن كسب ودهم ورضاهم لتحقيق مصالحها الذاتية حتى في ظل وجود معايير مهنية تضبط استقلالية المراجع، فإننا أصبحنا نرى ونسمع عن سطوة بعض الإدارة التنفيذية على إدارات المراجعة الداخلية بعد أن ابتلعوا مراجع الحسابات الخارجي، وهنا مع الأسف يكمن الخطر وتقع الأزمات.