د. محمد بن سعود المسعود الاقتصادية - السعودية لكل نفس نصيب من الوضاعة إلا من عُصم، وهم المُخلصون الذين اصطفاهم الله لقديم علمه فيهم، هذا الاستثناء ملح لنجاة مقالتي هذه من معاطب المعنى، وتصدع المسار فيها. ما من إنسان إلا وفيه ضعف يقعده، أو عجز يثقل كاهله، وعيب في النفس لا يتركه، إن ذهل عن هذه الصفات، أو إن أحاط عقله بها معرفة وإحصاء وعلما. لذا "لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى..". صفاتك الباطنة قد لا تراها، ربما لم يأت بعد المُظهر لها من المواقف، لعلك وصفت نفسك بالعفة المتولدة من العجز، وربما وصفت نفسك بطهارة اليد الناشئة من قلة المأمول والمرتجى. لا أحد وافية فضائله، ولا تامة صفات الكمال فيه، لهذا يكون الإفضاء، ويتم الانكشاف، بما يُثقل النفس من أحمالها وصفاتها المستترة. هذا ما تم، وهذا ما كان، في جدل رأي فضيلة الشيخ أحمد الغامدي وتطبيقه له، عملا وسلوكا. فتبدت من النفوس رذائل الله مخفيها عنا، واحد من الناس أنا كنتُ أجد هذا سبيلا نبيلا شجاعا طاهرا من الغرض؛ لأنه تباعد عن قوم يقولون ما لا يفعلون.. وينهون عن أعمال هم عاجزون عن الترفع عنها. لمن يتفق معه ولمن يتحفظ عن قبوله. ذهلتُ فيمن ذُهل من مستوى الإسفاف الأخلاقي الهابط، فكل موقف من مخالفيه كان يفضي إلى ما هو أسوأ، ما زال البعضُ يجيب عن الرأي بالشتيمة، وبالحرص على تهوين القائل به في شخصه، كأنه عاجز وضعيف، فيلوذ إلى البحث عن كل سبيل للفضح، وتقليل الشأن، وتصغير الشأن. وهذا كله من صفات الانتقام وعدوانية الضرر بالعباد، والتشفي، وهي أوعر المسالك في سبيل الهداية، أو الدعوة إلى الرشاد. الرغبة في الغلبة تعمي البصيرة عن حكمة الأساليب، والرغبة في إثبات النفس تباعد الأقوال عن الرحمة والترفق في الأحكام على من خالفه، ولم يستقر في قلبه القناعة برأيه. كل جواب في المسائل الخلافية يحتمل مقدارا كبيرا من الخطأ، وهذا ليس ذا شأن؛ لأن الاجتهاد هو في نفسه يقين متحرك، ولذا يتحول الفقيه من يقين إلى يقين، ومن رأي إلى نقيضه، استجلبه الدليل الغائب، والحجة الأقوى، والبرهان الأغلب، وفي كليهما هو متتبع هدي الله له، وبصيرة قلبه. ربما الذين فضحونا أمام العالم، بهشاشة صفات باطنهم، ورذائل أخلاقهم الباطنة، لعلهم يتوقفون قليلا عند تحريم الطباعة الحديثة التي حرمها علماء الدولة العثمانية ((بالإجماع)) حين ذاك، ما أخر طباعة الكتب العربية بما فيها المصحف الشريف لمدة قرنين كاملين من الزمان. ثم سرعان ما ركض المحرمون أنفسهم بورقهم الرطبة لهذه المطابع المحرمة سابقا لطباعتها والغنيمة بالجودة، وشح الخطأ فيها. الإذاعةُ كانت رسل الجن وصوت أولاد إبليس اللعين، ثم يستغشون ثيابهم ركضا إليها لتبث أحاديثهم للناس! وحرمة تعليم البنات، وإذا ببناتهم هن في المقاعد الأولى بعد محاربة الناس والدولة. لم تسلم حتى الدراجة الهوائية من أقاويل المفتين حين ذاك وتوالت فتاوى التحريم، حتى بلغنا مبلغ من يفتي في تليفون الباندا البائد! ونصدر فيه التعاميم والغرامات، وأطباق استقبال قنوات التلفزيون التي سرعان ما تم شراء قنوات بأكملها فيها ليظهروا من خلالها للناس. ذاك الموقف الغليظ المصحوب بأقذع الشتائم وأشنع الصفات لفاعلها، هو ذاته الذي سبقتم الناس إليه اليوم، وهو ذاته الذي لا تتركونه، ولستم على تركه بقادرين.