الاقتصادية - السعودية مشاركة بالوجهة القانونية حول إيقاف المراجع القانوني "ديلويت", والسؤال الذي طُرح حول: مَن له الصلاحية في إصدار مثل هذا القرار؟ أهي هيئة السوق المالية أم وزارة التجارة؟ وقد اطلعتُ على مقال الدكتور المبدع/ محمد آل عباس المنشور في جريدة "الاقتصادية" بعنوان: من له حق في إيقاف المراجع القانوني؟ وما انتهى إليه من أن مرجعية المراجعين القانونيين ومساءلتهم يُنظمها نظام المحاسبين القانونيين, وبالتالي فإن المرجعية إلى وزارة التجارة. لقد اطلعتُ على تعميم مدير الإدارة العامة للإشراف على السوق الصادر من هيئة السوق المالية والموجه إلى: الشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية السعودية, وحيث إننا سنناقشه، فمن المناسب ذكر نصه: "إشارة إلى قرار لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية رقم (1420/ل/د1/2014) لعام 1436ه وتاريخ 1/2/1436ه, الصادر في الدعوى رقم (9/36) وتاريخ 25/1/1436ه, والمتضمن إلزام شركة ديلويت آند توش وشركائهم Deloitte, المرخصة من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين برقم (96), بالتوقف عن أعمال المحاسبة القانونية للأشخاص المرخص لهم أو أي شخص مصدر للأوراق المالية, أو يعتزم إصدارها, ابتداءً من تاريخ 1/6/2015م حتى انتهاء القضية. لذا, نؤكد على ضرورة عدم التعامل مع الأشخاص المذكورين فيما يتعلق بأعمال المحاسبة القانونية ابتداءً من تاريخ 1/6/2015م تنفيذاً لقرار اللجنة المُشار إليه". وابتداءً نؤكد أننا عندما نناقش رأياً, فإننا نناقشه بحسب المعطيات التي أمامنا, حيث إنني لم أطلع على خلفيات ومحاضر ودراسات الهيئة, إنما من واقع التعميم المذكور أستطيع القول: لم تُلغ هيئة السوق المالية في قرارها ترخيص المحاسب القانوني, وهي ليست جهة اختصاص في ذلك, إنما فقط وبحكم اختصاصها بمراقبة السوق المالية والشركات المدرجة في السوق منعت تلك الشركات المساهمة من التعامل مع هذا المكتب, وذلك يدخل في صميم اختصاص هيئة السوق, فالقرار من صاحب اختصاص صحيح موجه إلى الشركات المساهمة, بوصفهم أشخاصاً يخضعون لإشراف ومراقبة الهيئة. كما أن التعميم بالمنع من التعامل استند كما جاء في صيغته, على قرار قضائي صادر من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية, وهي الجهة المختصة قضاءً في نظر منازعات ومخالفات ما ارتبط بالسوق المالية, بل أظن أنه قرار لم يكن ليصدر لولا قوة الأدلة على الاتهام والخطأ. إن اختصاصات هيئة السوق المالية المنصوص عليها في نظامها قد أعطى الهيئة الصلاحيات الواسعة, ومن ذلك الرقابة والإشراف على الشركات المساهمة، وتنظيم ومراقبة أعمالها ونشاطاتها, وحماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات غير العادلة، أو غير السليمة، أو التي تنطوي على احتيال أو غش أو تدليس أو تلاعب. إننا في بيئة استثمارية مالية تُشكل الثقة والأمان عنصراً مهماً فيها, ما يستدعي باستمرار مساءلة المُخطئ والمُقصر.. إننا في بيئة ثقافية لم نعتد فيها مساءلة المخطئ والمقصر، بل لم نعتد حتى مساءلة المجرمين وهم كثير، ما ولد جرأة كثير، كل في اختصاصه ومجاله على تجاوز الخطوط الصفراء، بل حتى الإشارات الحمراء, على اختلاف الدروب والمسارات. لأجل ذلك فإننا نثني على قرار لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية, بوصفه قراراً عاجلاً, ليواكب الحدث, وهو ما كنا قد دعونا إليه سابقاً من أهمية إنشاء قضاء مستعجل في داخل اللجان القضائية المستثناة, خاصة اللجان ذات الاختصاص بالمال, وأهمهما لجنة المنازعات المصرفية، ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، ولجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية, وذلك لأهمية عامل الوقت في تعاملاتها والفصل فيها. لقد نظمت مهنة المراجعة مجموعة من المعايير, لتُضفي الثقة على عمل المراجع, وبالذات في حكمه على القوائم المالية التي أعدتها إدارة الشركة لتُعرض على الجمعية العامة للشركة المساهمة, لتُعرض على المساهمين (أي الملاك والشركاء) الذين بقرارهم وثقتهم عينوا المراجع القانوني لتكون مهمته تدقيق القوائم المالية والحكم عليها, وبالتالي يجمعه معهم علاقة الوكيل بالموكل, مُلتزم نظاماً وأخلاقاً بدور رئيس في مراقبة إدارة الشركة. إن مسؤولية المراجع الخارجي بوصفه من أعطي الثقة من المساهمين - بل جميع المتعاملين مع الشركة من دائنين وعملاء - واعتبروه خبيراً عدلاً, ليس كمسؤولية الرجل العادي, حينما يخطئ أو يقصر. وعلى ذلك جاءت الأنظمة لتعتبر المراجع القانوني ضامناً متى ما تعدى أو فرط, وعدت من أمثلة تفريطه: محاباة إدارة الشركة بإخفاء ما اطلع عليه من خلل في القوائم المالية, بغض النظر عن تأويله ومهما كان. من أجل ذلك ولجسامة ما قد يقع من أخطاء من المحاسبين القانونيين, قد يتولد عن بعضها مسؤولية جنائية توجب المساءلة والعقاب, وقد أفرد نظام المحاسبين القانونيين مواد للجزاءات, يُلاحظ عليها أنها تدرجت, ففي حين أن النظام عندما صدر عام 1412ه لم تتضمن جزاءاته السجن, سوى إن رأت اللجنة المختصة أن المخالفة تشكل جريمة فتقوم حينها بإحالتها إلى الجهة المختصة, نجد أن تعديل النظام الصادر عام 1424ه قد نص في مادته (28) على أن من ضمن الجزاءات العقوبة بالسجن مدة لا تتجاوز سنة واحدة، إضافة إلى الغرامات, ثم إنه قد طالعتنا الأخبار بتوجه وزارة التجارة والصناعة لرفع تعديلات جديدة على نظام المحاسبين القانونيين, تتعلق بتشديد العقوبات لتشمل السجن بحد أقصى خمسة أعوام, وذلك لمعالجة الأخطاء الجسيمة غير المغتفرة، وبالذات ما انطوت على غش أو تزوير أو تحايل. لقد أوجبت المادة (229) من نظام الشركات العقوبة على كل مدير أو عضو مجلس إدارة أو مراقب حسابات أو مصفٍّ ذَكَر عمداً بيانات كاذبة في الميزانية، أو في حساب الأرباح والخسائر، أو فيما يُعد من تقارير للشركاء أو للجمعية العامة، أو أغفل تضمين هذه التقارير وقائع جوهرية بقصد إخفاء المركز المالي للشركة عن الشركاء أو عن غيرهم. في مقابل ما سبق الذي تعلق بأهمية مهنة المراجعة وأهمية مساءلة المخطئ والمتعدي, نؤكد أهمية هذه المهنة وحمايتها وحماية المجتهدين فيها, واحترام اجتهاداتهم المقبولة ضمن معاييرهم المهنية, وحماية أصحاب المهن قاطبةً من قرارات ردة الفعل، فالسوق أساسها الثقة، وبالذات في أهل التخصص والمهنة. وبقي سؤالان: قد علمنا قرار هيئة السوق بخصوص المراجع القانوني محل التعميم المذكور, ولكننا لم نعلم إجراءات هيئة المحاسبين القانونيين ووزارة التجارة وقراراتهما, وهل نسقت كل من وزارة التجارة وهيئة السوق المالية فيما بينهما بشأن الخطأ؟ وهل اتخذت وزارة التجارة ما يخصها من إجراء؟ أما السؤال الثاني: فإن كان السؤال الأول يتعلق بمن له الحق في إيقاف المراجع القانوني إن أخطأ، فالسؤال الأهم: هو من يوقف أعضاء مجلس الإدارة إن أخطأوا؟ وهو موضوع مقالنا التالي بإذن الله.