د. محمد بن سعود المسعود الاقتصادية - السعودية قبل عام 1946م كتب فيلهلم رايش كتابه -خطاب إلى الرجل الصغير- هذا الباحث العلمي والطبيب العظيم، عاش كما يعيش كل عربي اليوم -مع هذا الفارق الزمني الهائل 69 عاما- عاش عقودا طويلة بسذاجة في البداية، ثم بدأ يشعر بالدهشة مما حوله، ثم بخوف كبير مما حوله، وما يقترفه جيله فيمن حوله، غير مصدق ولا متصور النتائج المروعة والمخيفة. كان يعتقد هذا العالم -الذي لم يحالفه الحظ كثيرا ليكون مشهورا- أن حقبة إنتاج الإنسان الصغير قد بدأت في السنة التي كتب فيها هذه الوثيقة عام 1946م هي بداية زوال الشرف، والرفعة، والنبل، والطهارة والصدق، في السلوك الاجتماعي الجمعي، بداية التحول في صناعة الإنسان الصغير. ليس بجديد ألا يتصف الإنسان بالشرف، وليس بجديد أن يكون قليل الشأن حتى يَنفق، ولكن الجديد الذي بدأ يتكون في أفق ونظرة هذا الدكتور العظيم هو الدخول في إنتاج جمعي لمخلوق جديد يظل صغيرا في نفسه، وصغيرا في أخلاقه، وصغيرا في وعيه حتى يموت، وهو تقريبا حال الكثيرين من العرب الآن. الدكتور رايش اكتشف أن في كل مجتمع إنسانا كبيرا في عقله، استطاع أن يطور ميزة واحدة مهمة جدا، وهي أنه تعلم أن يكتشف متى يكون صغيرا في الوقت المربح والمناسب له. وأما الباقون فهم صغار دون علمهم بذلك، صغار دون وعيهم بأنهم صغار، صغار في عقولهم إلى درجة أنهم من الممكن أن يعيش الواحد منهم 70 عاما وأكثر وهو لا يزال صغيرا، وليس هو سيدا لنفسه، ولا سيدا لقراره، ويرمل برجله مع القطيع من حوله، إلى ما لا يعلم سببه ولا يعرف منتهاه. يقرر الفيلسوف غير المشهور فيلهلم رايش أن وزر عبودية كل إنسان يقع عليه وحده، وهو الذي قد اختار ألا يكون سيدا على مصيره. الشاب السعودي الذي فجر نفسه في سورية، وآخر في العراق، وثالث على بوابة حدودية، هم وحدهم يحملون وزر صغر عقولهم. واختيارهم، وكل واحد منهم اختار أن يكون مدفئة من حطب عظامهم في مزرعة وحوش. وإن فكرة قتل من لا يؤمن بما يؤمن هو به هي فكرة مجنونة فعلا، هي فكرة تبطل علة الاختبار، والاختيار وحرية الانتقاء، الذي أنزل الله آدم وذريته إلى الأرض من أجلها، ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وأيهم أطهر قلبا، وأيهم أهدى إليه سبيلا. الإنسان الصغير في عالمنا العربي اليوم والآن بات كالفطر السام، يتوالد من الجذور ذاتها، ويرتوي من الينابيع ذاتها، وكثير من الإنسان والنبات والحيوان سيكون ضحية له عاجلا أم آجلا ما لم نملك اليقظة الشاملة، والمعرفة بالطرق التي تجعل كل إنسان منا كبيرا في وعيه، وكبيرا في قلبه، وكبيرا في نفسه، وكبيرا في رحمته. وكبيرا بالمقدار الذي يحول دون أن يكون حطبا لموقد في مزرعة خنازير السياسة والصراع عليها. وأحسب أن الوعي لا ينال بموعظة، ولا يُرتقى إليه بمقال.