د. أمين ساعاتي الاقتصادية - السعودية في الأسبوع الماضي سعدت بحضور ندوة مهمة عقدت في إحدى قاعات الجامعة الأمريكية في القاهرة، وكان موضوع الندوة يتمحور حول أسباب تراجع كفاءات الموارد البشرية في عالمنا العربي بشكل لم يسبق له نظير. المشاركون في الندوة يزعمون أن الفعاليات العربية تنظم كثيرا من الورش التي تتناول موضوعات الموارد البشرية، ولكن هذه الورش لم توفق في وضع البرامج لتحقيق الحلول وإزالة العوائق، بل يرون أن الندوات التي عقدت في أماكن مختلفة من المدن العربية لم تناقش المشكلات الحقيقية التي تعانيها الموارد البشرية وبالتالي لم تساعد على تحسين أداء العنصر البشري في عالمنا العربي. بل أكثر من هذا فإن القائمين على المؤتمر يؤكدون أن المورد البشري العربي في سوق العمل لم يعد له وجود ضمن زمرة المبدعين وأصحاب الحلول غير التقليدية، لذلك هم يرون أن من أهم أسباب فشل الإدارة العربية هو وجود موارد بشرية ضعيفة في الإعداد والاستعداد. إن الإدارة في عالمنا العربي في العقدين الأخيرين حققت كثيرا من التخلف، ولم يلح مدير تنفيذي واحد في أي دولة عربية قام بوضع الحلول لأرتال المشكلات الإدارية التي تعانيها الإدارة في عالمنا العربي. والواقع أن عالمنا العربي لم يمر بوعكات إدارية كالتي يمر بها في هذا العقد حيث سقط كثير من المؤسسات وساد الفساد في أوصال الإدارة وهبطت معدلات النمو بشكل لم يسبق له مثيل. ولكن مع ذلك فإن المؤتمر ما زال يعوّل على الموارد البشرية في النهوض بالإدارة العربية وتمكينها من الارتقاء بالعمل الإداري وتحقيق معدلات نمو أعلى من المعدلات اللاهثة التي تحققها الإدارات العربية في هذه الأيام. ومن هذا المنطلق فإن استثمار الإنسان وإخراج إبداعاته من مكانها إلى أرض الواقع .. هما الشغل الشاغل للبشرية في القرن الحادي والعشرين. ومع تداعيات النظام الدولي الجديد طرأ تغيير مهم في مفهوم القوى العاملة، وقام كثير من مؤسسات الإعلان في العالم المتقدم، كما قام كثير من مؤسسات القطاع الخاص في الدول المتقدمة بتغيير أسماء أقسام الموظفين إلى اسم إدارة الموارد البشرية، لأهمية القوى البشرية المدربة في النهوض بالعمل وتطويره، أي أن الدول المتقدمة والنامية أصبحت تراهن على أن "التدريب" هو الوسيلة المثلى لتحقيق النمو والتنمية، وأن التدريب هو الوسيلة المهمة لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة واستخدامها بكفاءة عالية للمضي قدما على طريق الرخاء والتقدم. وتسعى مختلف مؤسسات المال والأعمال - في ضوء هذه المتغيرات - إلى التكيف مع البيئة الخارجية التي تحيط بها محليا وعالميا. حتى تستطيع مواكبة ما يطرأ على البيئة الخارجية من تغير مستمر وتحديات متواصلة. لقد أصبح من المسلّمات المطروحة أمام المؤسسات الحكومية ومؤسسات رجال المال والأعمال أن التدريب أصبح عنصرا فاعلا في منظومة الارتقاء بالأداء الإداري والجودة بالمنتج، سواء على صعيد إنتاج السلع أو على صعيد إنتاج الخدمات، كما أنه بات من المسلّم به أن إدارة الموارد البشرية أصبحت علماً مستقلا في الجامعات، وأصبح هذا العلم من العلوم المرشحة للعب دور أساسي في القرن الحادي والعشرين، ولا سيما بعد أن توافر الاقتناع الكامل لدى المخططين والعلماء بأن الإنسان هو المورد الرئيس لتحقيق التنمية الشاملة، ولذلك الحكم على الدول بأنها متقدمة أو متخلفة هم البشر ومواهبهم ومستوياتهم وإسهاماتهم في التنمية والتطوير. والواقع أن التطورات الهائلة في مجالات الإدارة التي رافقت التكنولوجيا، والتحولات التي تشهدها العلوم الإنسانية في مجالات علوم الاقتصاد والإدارة والموارد البشرية، وضعت التدريب في مقدمة الوسائل المؤدية إلى الحصول على الوظيفة والترقي وملاحقة المستجدات في ثورة المعلومات التي باتت تشدد على أهمية التدريب كخيار استراتيجي في تنمية الموارد البشرية، وبطبيعة الحال فكلما كانت أجهزة التدريب والتنمية متطورة وتتعامل مع الجديد بكفاءة، أدت دورها بكفاءة وفاعلية أكبر. لا شك أن التطورات التكنولوجية في مجالات الإعلام والاتصالات والمعلومات .. سجلت تقدما يفوق حدود الوصف، والعالم يركض بإيقاع سريع لم يسبق له مثيل في التاريخ القديم والحديث. ويجب أن نعترف بأن مفهوم التدريب لم يعد مفهوما تقليديا يقتصر على تنظيم الدورات التدريبية التقليدية ومنح شهادات الاجتياز، بل أصبح خيارا استراتيجيا في منظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية، إن الإنسان لم يعد يطلق عليه اسم العامل أو الموظف، بل أصبح يطلق عليه اسم المورد البشري، ولذلك يعتبر الإنسان من أهم الموارد التي تقوم عليها صروح التنمية والبناء والتنوير في أية دولة وفي أي مكان فوق كوكب الأرض. ولقد تسابق العلماء في تخصصات مختلفة على تعظيم الإنسان، فأطلق عليه الاقتصاديون اسم رأس المال البشري. كما أطلق عليه المحاسبون اسم الأصول البشرية .. أما الإداريون فقد سمو الإنسان "رأس المال الذكي أو رأس المال المبدع أو رأس المال المعرفي". وفي إطار هذه التعظيمات لقدرات الإنسان، فإن التدريب لم يعد مجرد حلقات دراسية تقليدية، بل هو استثمار كامل للثروة البشرية التي أضحت - دون جدال - الثروة الحقيقية لكل الدول والشعوب، وأصبح التدريب - تبعا لذلك - في قلب التنمية الحقيقية الشاملة، سواء بالنسبة للقطاع الخاص أو القطاع العام أو القطاع الحكومي أو قطاع المنظمات غير الحكومية. نعرف جميعا أن الثورة الصناعية في القرن الماضي أفرزت ما كان يعرف باسم العملية الإدارية التي تمخضت عنها طبقة جديدة في الإدارة، وهي طبقة المديرين، إلا أننا في بداية القرن الحادي والعشرين فإن ثورة المعلومات أفرزت ثورة إدارية اتجهت نحو تغيير الأسلوب والمنهج التقليدي في إدارة المنظمات، وأصبح التركيز على الإنسان القادر الكفء على التعامل مع التغييرات والمستجدات والتطورات، بحيث يصبح الثابت الوحيد في عالم اليوم والغد هو "التغيير" وأصبحت الإدارة هي إدارة عمليات التغيير وصولاً إلى إدارة الجودة الشاملة TQM. والخلاصة، إذا كانت مؤتمرات الموارد البشرية قد أخفقت في تحقيق أهدافها، فإن مؤتمر أزمة الموارد البشرية في عالمنا العربي الذي عقد في الجامعة الأمريكية في الأسبوع الماضي يعتبر من المؤتمرات ذات الفائدة الكبرى لمواردنا البشرية.