د.صلاح بن فهد الاقتصادية - السعودية عناية بريطانيا بالتمويل الإسلامي ليست وليدة اللحظة، بل المتابع لتطور التمويل الإسلامي في بريطانيا يجد أنه بدأ منذ أكثر من عقدين حتى أصبحت اليوم أهم دولة تعتني بالتمويل الإسلامي خارج نطاق الدول الإسلامي، وباستثناء بعض الدول الإسلامية مثل منطقة الخليج وماليزيا، فإن بريطانيا تتفوق في حجم الاستثمارات والعناية على كثير من الدول الإسلامية في العالم، وتتميز التجربة البريطانية بالعناية بتوافر العناصر التي تهيئ بناء منظومة متكاملة للتمويل الإسلامي، إذ إنها تعتبر من أكثر دول العالم تقديما للبرامج الأكاديمية والتدريبية في مجال التمويل الإسلامي بوسائل ومستويات وطرق متنوعة، وهذا ما عزز من استقطاب مجموعة كبيرة من الخبرات المتميزة، كما أنها اعتنت بأحد أهم قطاعات التمويل الإسلامي الذي يعنى باحتياجات الأفراد وهو التمويل العقاري أو ما يسمى بالرهن (Mortgage)، وهذا ما عزز استقطاب استثمارات للقطاع العقاري من خلال هذا النوع من التمويل الذي يستهدف المسلمين، سواء من خارج أو داخل بريطانيا، ومعلوم حجم العناية، التي توليها بريطانيا للقطاع العقاري وحجم الاستثمارات التي يستقطبها هذا القطاع. كما أنها حاليا تعتبر أول دولة غربية تصدر صكوكا إسلامية، بغرض توسيع القاعدة الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة واستقطاب الاستثمارات، التي تبحث عن البيئة الأكثر أمانا واستقرارا للاستثمارات، خصوصا إذا ما علمنا أن الفترة الماضية شهدت تدفقات كبيرة للسيولة في منطقة الخليج بسبب العوائد الجديدة لأسعار البترول، ما عزز من حجم الاستثمارات في المنطقة، وكان له أثر في تضخم الأسعار لكثير من برامج الاستثمار، إذ أصبحت تغطية بعض الأدوات الاستثمارية تتجاوز أضعاف حجم الطرح، فبعض أطروحات الصكوك الإسلامية تجاوزت أضعاف حجم الطرح، والطرح الأخير للبنك الأهلي أظهر حجم السيولة الهائلة لدى المصارف والأفراد، ما يعني أن التطورات الكبيرة في الأسواق المالية وأدوات الاستثمارات التي عملت عليها المنطقة ما زالت لم تستوعب حجم السيولة المتوافرة، ومن هنا ستجد دول مثل بريطانيا التي تأثرت بسبب الأزمة المالية العالمية أن مثل هذه السيولة يمكن أن يتدفق جزء منها لأسواق لندن إذا ما توافرت البيئة المناسبة، ومنها تهيئة البيئة الاستثمارية لاستقطاب التمويل الإسلامي. ففي خبر نشرته «رويترز» في موقعها الإلكتروني ذكرت "أن المبادرات الحكومية أخيرا في بريطانيا والقطاع الخاص ساهمت في توسيع نطاق التمويل الإسلامي، حيث إن مجموعة سيتي يو.كيه قالت في تقرير لها "إنه يوجد في بريطانيا 22 شركة تقدم أدوات مالية متوافقة مع الشريعة بلغت أصولها نحو 19 مليار دولار في العام الماضي من بينها ستة مصارف إسلامية مثل بنك لندن والشرق الأوسط والبنك الإسلامي الأوروبي للاستثمار وجيتهاوس بنك والبنك الإسلامي البريطاني.. وقال مسؤول في الحكومة البريطانية إن البنك المركزي يعتزم طرح أداة لإدارة السيولة تستخدمها المصارف الإسلامية، بينما تتوقع وكالة ائتمان الصادرات البريطانية أن تضمن صكوكا للمرة الأولى في العام المقبل. والصكوك المعنية لعميل لشركة إيرباص الأوروبية لصناعة الطائرات". فالتمويل الإسلامي كما هو ملاحظ يحظى بعناية واضحة في بريطانيا، وتعمل المؤسسات الحكومية لتهيئة البيئة التنظيمية لتشجع المعاملات المتوافقة مع الشريعة، بل وتحتضن كثيرا من اللقاءات العلمية المتخصصة في هذا المجال، والنشاط الذي يستقطب ما يقارب تسعة عشر مليار دولار (71.25 مليار ريال) رغم أنها دولة ليست إسلامية، ويمثل المسلمون فيها أقلية قد لا تتجاوز 6 في المائة من عدد السكان، مع وجود التفاوت فيما بينهم في نظرتهم إلى التمويل الإسلامي، أن حجم هذا النشاط لا يتجاوز ال 1 في المائة من مجمل النشاط المالي في بريطانيا، وما زالت الفرصة قائمة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات والسيولة في حال نجحت الحكومة في إصدارات الصكوك التي تعتزم طرحها مستقبلا، والسؤال هنا كيف يمكن الاستفادة من التجربة البريطانية في استقطاب الاستثمارات المختلفة والمتنوعة باعتبار أن التمويل الإسلامي يختلف عن النسق العام للاستثمار فيها؟ لا شك أن استقطاب الاستثمارات في أي منظومة اقتصادية ليس بالأمر السهل في ظل المنافسة المحمومة بين الدول في ذلك بغرض تعزيز النشاط الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، والوصول إلى الرفاه في المجتمع، ومعالجة مشكلات المجتمع الاقتصادية بصورة عامة، ومن هنا تأتي أهمية العناية بمواءمة الأنظمة والتشريعات، وبناء القدرات وعناية المؤسسات التعليمية، إضافة إلى تنشيط وتشجيع الأنشطة في هذا المجال. فالخلاصة أن التجربة البريطانية رغم أنها نشأت في بيئة لا تؤمن بالتمويل الإسلامي، إلا أنها استطاعت أن تستقطب كثيرا من الاستثمارات في هذا المجال وذلك بأن هيأت البيئة التنظيمية والتعليمية، واستقطبت الكوادر لتعزيز إمكانات الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة، ومن هنا تأتي أهمية العناية بتكامل العناصر المشجعة لاستقطاب الاستثمارات بمختلف أنواعها، خصوصا التمويل الإسلامي.