مكة أون لاين - السعودية في ظل المستجدات المتسارعة وانتشار العنف الخارج عن سيطرة الدول، حدث خلط كبير بين العنف والتطرف، فأصبح كل عنف تطرفاً، وهذا ليس صوابا بكل الأحوال. فالعنف في أبسط تعريفاته هو استخدام القوة، وهو لا يعدو كونه خيارا متاحا ضمن خيارات عديدة. بخلاف التطرف الذي يتمثل في التزمت الفكري والتعصب لفكرة واحدة واعتبار العنف كمبدأ وليس خيارا، واستخدامه لفرض هذه الفكرة المعينة، مع ازدراء كافة الخيارات الأخرى كالحوار على سبيل المثال. ومما يضفي لبسا مركبا على موضوع العنف التضليل الإعلامي الممنهج إزاء كل عنف، ووصم العنف بالتطرف لإسقاط شرعيته وسلبه الحاضنة الشعبية. ولو اعتبرنا أن الثورة المجيدة في بريطانيا التي استخدمت العنف ثورة متطرفة لربما انقلبت مفاهيم الحرية والعدالة والديمقراطية رأسا على عقب، ومثلها كذلك الثورة الأمريكية والبلجيكية وحروب التحرير والاستقلال الوطني والعديد من حركات التحرر في العالم كله. فلو وصمنا كل حركة وطنية اتخذت من العنف خيارا بالتطرف لبقي أعداء الشعوب وحدهم هم المعتدلون وذلك لاحتكارهم استخدام العنف واحتكار خلع صفة التطرف على هذا الفصيل أو ذاك. الثورة السورية ظلت سلمية في وجه إرهاب عصابة الأسد حتى بعد توالي الانشقاقات واستمرت المظاهرات والاحتجاجات السلمية تحت القصف المتبادل بين قوات الأسد والجنود المنشقين الذين حاولوا بكل شجاعة حماية المظاهرات السلمية من بطش الأسد وإرهابه. وحتما سيسجل التاريخ شجاعة الشعب السوري الذي ظل يواصل الاحتجاجات والمظاهرات تحت وقع المدافع بعد مضي ما يقارب السنة والنصف على بدء الثورة. تلاشت المظاهرات بعد أن أدار العالم وجهه لهذه الثورة المجيدة وغض الطرف عن الدول الداعمة لنظام الأسد كروسيا وإيران ونظام المالكي وحزب الله، فلم يبق أي صوت للسلمية. ثم ما لبث العالم أن تجاهل ثورة الشعب وركز على الفصائل المسلحة المتطرفة، واتخذ منها فزّاعة لحصار الشعب السوري وثورته المجيدة. هنا في ظل هذه البروباجندا المنظمة أصبح العنف رديفا للتطرف وبات كل من يلجأ للعنف كخيار أخير هو بالضرورة متطرف، وربما غدت هذه اللعبة مسلية ومغرية للنظام السوري الذي يريد التخلص من الاحتجاجات السلمية الموجهة ضده وضد فساده وانحلاله السياسي، فعادة ما يشرع في قمع الاحتجاجات حتى إذا لجأ المحتجون سلميا لخيار العنف لمواجهة الطغمة الحاكمة التي فقدت شرعيتها سرعان ما يتهمها بالتطرف والإرهاب! وقد يبدو ضربا من ضروب الكوميديا السوداء عندما نقول إنه ليس هناك أشد جرما من ممارسة التعقل في هذا العالم المجنون الذي تسيطر عليه طغمة من تجار السلاح والإعلام والتي هي بدورها تعيد تعريف الأشياء وفق مصالحها المحضة، وتوزع صكوك الغفران والاعتدال على الخانعين لسياساتها الإمبريالية. في هذا العالم المجنون وفي ظل سياسة القطب الأوحد يعد الرأي العام مجرد غنيمة يتهافت الجميع لخطفه وتعليبه بقناعات تجعله يؤمن بمشروعية هذه الفكرة أو تلك!