الحياة - سعودي كتب الأمير تركي الفيصل مقالة بعنوان: «نحلم بقيادات فلسطينية أكثر حذراً»، انتقد فيها إسرائيل وحماس وصواريخها وعرقلتها للقضية الفلسطينية وتماهيها مع قطر وتركيا اللتين تريدان سلب الدور المصري، وسأل الكاتبُ الله تعالى «أن يمنح الفلسطينيين قادة يضعون جانباً توقهم المستمر للحرب وأن يبذلوا جهدهم لتوفير السلام لشعبهم (العدد 13024، الشرق الأوسط). وسنطرح في هذه المقالة بعض الأسئلة والملاحظات، ونتمنى أن يتسع صدر الأمير وفكره لذلك. أولاً: هل كانت فرنسا ستتخلى عن الجزائر وتعيد حقوق الجزائريين لولا جهادهم وإجبار فرنسا على منحهم الاستقلال؟ وهل كانت إيطاليا ستوافق على استقلال ليبيا وسيادتها لولا تضحيات الليبيين ودماؤهم؟ وهل كان بالإمكان إقناع القادة الأفغان بعدم التوق إلى الحرب بعد الاحتلال السوفياتي؟ ثانياً: عن عرقلة القضية الفلسطينية نتساءل: أليست إسرائيل هي من أجهض المبادرة السعودية الأولى التي تبناها مؤتمر القمة في فاس عام 1982، بغزوها لبنان؟ أليس إرييل شارون هو من حاصر ياسر عرفات ومنعه من حضور قمة بيروت في عام 2002، وقدم أقسى رد على ما بات يعرف بالمبادرة العربية للسلام؟ ألم يسِر العرب ومعهم القضية الفلسطينية شوطاً طويلاً من مدريد إلى أوسلو إلى جورج ميتشل إلى الرباعية الدولية ومنسقها سيئ الذكر توني بلير إلى جون كيري وزياراته المكوكية حتى أوقف نتنياهو المفاوضات مع أبومازن قبل أشهر؟ فمن هو المعرقل؟ وهل المطلوب من المقاومة بعد ذلك كله، إضافة إلى الحصار والذل، أن تنتظر سلاماً من إسرائيل؟ ثالثاً: أما قطر وتركيا وإيران وأدوارهم المستجدة في المنطقة فهي نتيجة طبيعية لثلاثة أمور: الأول: سقوط النظام العربي وركائزه التقليدية في بغداد ودمشق والقاهرة. الثاني: ندرة دور قيادي عربي مستقل وجريء يعيد رسم الأولويات بعد الارتباك السياسي الناجم عن موجة «الربيع العربي». الثالث: التطور التاريخي الذي يحتم ظهور قيادات جديدة ونظام جديد بمعايير جديدة على أسس جديدة. أما الحديث عن دور مصري اليوم فهو وهم تم ترسيخه في اللاوعي الجمعي العربي في عام 1956 وانتهى في حزيران (يونيو) 1967، ولذا فعلى كل من يحب مصر ويرجو لها دوراً ريادياً حقيقياً ومؤثراً أن يعفي مصر من أي دور لعقدين على الأقل حتى تتعافى. رابعاً: إن رد فعل المقاومة هو نتيجة منطقية لتعنت إسرائيل والبديل المنطقي لسياسة التعقل والاعتدال التي انتهجها بعض العرب والسلطة الفلسطينية ولم تُقابَل من إسرائيل سوى بالرفض والازدراء ومزيد من المستوطنات. كما أن الرد الصلب للمقاومة، مهما كانت حماقته من وجهة نظر بعضهم، يشكل قوة الدفع الإيجابية الوحيدة نحو الجهود التي يقوم بها الأمير تركي الفيصل في المحافل الدولية لإقناع الساسة في العالم بأن المبادرة العربية للسلام هي الأفضل لكل الأطراف. خامساً: نقول للأمير الكاتب: سنحلم معك في قيادات فلسطينية أكثر حذراً، لكننا نرجو أن تحلم معنا قبل ذلك، في قيادات سياسية عربية أكثر واقعية وجرأة. فالاضطراب السياسي والإرهاب المتنامي الذي يشوب العالم والشرق الأوسط تحديداً هو محصلة لثلاث قضايا: الأولى: عجز ميثاق الأممالمتحدة. الثانية: عجز الدولة القطرية العربية عن إدارة مكوناتها. أما القضية الثالثة فتتلخص في ارتباك الرؤية لدى بعض الحكام والقادة السياسيين في العالم العربي وعدم قدرتهم على إعادة الموضعة والتعريف والتحديد واستيعاب المتغيرات. ولذا فالحل يكمن في أمرين: إعادة التعريف وإعادة التحديد، في ثلاث قضايا: الهوية، والعدو، والمصالح، بأنواعها الأربعة: الاستراتيجية والحساسة والحيوية والهامشية. أخيراً، سيعيش الشرق الأوسط فترة التخبط الحالية أمداً بعيداً، وستظل إسرائيل «الدولة الإرهابية» بامتياز، ولذا، نقترح أن تعود السعودية فيما يخص القضية الفلسطينية إلى سياسة المغفور له الملك عبدالعزيز في دعم وتسليح الفلسطينيين وتركهم وشأنهم، أسوة بما تفعله الدول الداعمة لإسرائيل وفي مقدمها الولاياتالمتحدة. ختاما، نهدي هذا البيت من الشعر الشعبي إلى الأمير الكاتب: قوم بلا عقال تسلب حقوقها***وقوم بلا جهال تمسي مذلة. Saudianalyst@ [email protected]