الاقتصادية - السعودية يعترينا القلق كمواطنين على مستقبل بلادنا وأولادنا وأحفادنا عندما نعلم أن النفط يشكل أكثر من 85 في المائة من إجمالي دخل الدولة وأن النفط الناضب متذبذب الأسعار هو المصدر الاقتصادي الأساسي، وبالتالي نتمنى ونشجع دولتنا العزيزة على العمل الجاد لتنويع اقتصادنا لنتحرك بعيداً عن الاعتماد الكامل على النفط كمورد أساسي للاقتصاد. مما اطلعت عليه هناك توجه كبير لاقتصاديات المعرفة ووزارة التخطيط تشير لذلك كبديل وخطة وزارة التعليم الاستراتيجية تؤكد على ذلك ودور الجامعات في تحقيقه وهو شيء جميل، فاقتصاديات المعرفة التي تعتمد على المنتج المعرفي من عقول الموارد البشرية يجعل من الموارد البشرية ثروة لا عالة ولكنني أعتقد وبرغم واعدية هذا القطاع وأهميته أننا بعيدون عن المنافسة فيه بالشكل الذي يجعله قطاعاً اقتصادياً يخفف من اعتمادنا على النفط، وأعتقد أن لدينا قطاعاً ذهبياً، لدينا به مميزات نسبية يمكن أن يلعب هذا القطاع دوراً كبيراً في توفير تخفيف اعتمادنا على النفط بشكل حاسم. القطاع الذهبي من وجهة نظري هو القطاع السياحي، حيث تتميز المملكة بالحرمين الشريفين مقصد أكثر من مليار ونصف مليار مسلم للحج والعمرة، كما تتميز بالصحارى الشاسعة التي يقصدها أهالي الخليج العربي للتنزه في فصلي الشتاء والربيع، إضافة لموقع المملكة الجغرافي بين دول الخليج، حيث تمر كافة سيارات النقل وسيارات المسافرين من وإلى الدول الخليجية، وكما تتميز المملكة بآلاف الكيلومترات من الشواطئ البحرية والمناطق الجبلية الباردة صيفاً كالطائف والباحة وأبها وغيرها، فضلاً عن الكثير من الجزر التي يمكن أن تكون منتزهات مميزة للسائحين من الداخل والخارج، كما تتميز المملكة بالكثير من الآثار التاريخية التي تجذب السياح الأجانب بشكل كبير. الجميل والمشجع بالقطاع السياحي أنه قطاع مولد للوظائف بشكل كبير بخلاف قطاعات أخرى تتطلب استثمارات بالمليارات كقطاع البترول والبتروكيماويات الذي يعتمد على الآلات والتقنية بشكل كبير، والجميل والمشجع أيضاً بهذا القطاع أنه يتقاطع مع قطاعات أخرى كثيرة تنتعش بانتعاشة متى ما تم تنظيمها وتطويرها ودعمها وحمايتها لتلعب دورها المهم والحيوي بتنمية الحراك السياحي الذي يقاس بمؤشرات واضحة وهي عدد السياح وحجم إنفاقهم. من هذه القطاعات القطاع العقاري في مجال عقارات الضيافة؛ كالفنادق والشقق المفروشة والاستراحات والشاليهات السياحية، وقطاع النقل الجوي والبري والبحري وخدماته، وقطاع الترفيه؛ كالمدن الترفيهية والأسواق والمولات والبرامج الترفيهية السياحية، وقطاع محطات البترول على الطرق التي يستخدمها مئات الآلاف يومياً للتزود بالوقود والغذاء والراحة. نحمد الله أن بلادنا انتبهت لأهمية هذا القطاع، حيث صدر قرار مجلس الوزراء رقم (9) في 12 /1 /1421ه، والذي قضى بإنشاء "الهيئة العليا للسياحة" تأكيداً على اعتماد السياحة قطاعاً إنتاجياً رئيساً في الدولة ثم صدر قرار مجلس الوزراء رقم (78) في 16 /3 / 1429ه بتغيير مسمى "الهيئة العليا للسياحة" ليصبح اسمها الجديد "الهيئة العامة للسياحة والآثار"، تأكيداً على أن قطاع السياحة بالمملكة أصبح واقعاً وطنياً تقف خلفه الدولة، ويستلزم قيام الجهات المسؤولة بالتخطيط لتطويره وتنميته، انطلاقاً من العديد من المقومات السياحية المتميزة التي تتمتع بها المملكة. لا شك أن الهيئة العامة للسياحة والآثار حققت نجاحات كبيرة ووضعت "السياحة" بكافة أبعادها ومكوناتها على خريطة الاقتصاد الوطني إلا أنني على ثقة بأن بالإمكان أفضل مما كان بأضعاف مضاعفة لو أن القطاع وجد اهتماماً ودعماً أكبر بكثير مما هو عليه الآن من صناع ومتخذي القرار ومن الأجهزة الحكومية ذات الصلة ومن القطاع الخاص ومن صناع الفكر والرأي العام خصوصاً المعنيين بالشأن الاقتصادي والشأن العام بما يتناسب وواعدية وأهمية ومميزات هذا القطاع، الذي يمكن أن يكون رافداً اقتصادياً كبيراً يخفف من اعتمادنا على النفط بنسبة كبيرة يمكن ملاحظتها كحقيقة لا وهم، كما هو حال وهم قطاع الاقتصاد المعرفي الهلامي الذي ما زالت مشاريعه تنطلق من عدة جهات لا ينظمها ناظم يركزها في أهداف استراتيجية واضحة وبالتالي لا أرى له شكلاً يُبشر بخير كالقطاع السياحي المُبشِر. ليس المجال لتعديد إنجازات ومبادرات هيئة السياحة والآثار وأثر تلك الإنجازات والمبادرات، فهي كثيرة ولا يكفي المقال لتعديدها وآثارها، كما أنني لست بصدد انتقاد هيئة السياحة أيضاً، فليس هذا مقصدي من وراء هذا المقال ذلك أن مقصدي التنبيه لضرورة "موضع" القطاع السياحي بما يليق به من مكانة لما تتمتع به بلادنا من مميزات سياحية متعددة تجعله يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تخفيف قلقنا جميعاً من أحادية المصدر الاقتصادي. إذا كان دخل البترول حالياً يصل ل800 مليار ريال تقريباً ومساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العام الماضي وصلت إلى 75 مليار ريال سعودي بما يمثل 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حسب التقرير الإحصائي لمؤشرات قطاع السياحة في السعودية عام 2013 الصادر عن مركز المعلومات والأبحاث السياحية التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار، فأعتقد بكل تأكيد أننا أمام قطاع واعد ويمكن الاتكاء عليه خصوصاً أن مساهمته بالناتج المحلي الإجمالي داعمة للحد من مؤشرات البطالة، حيث إن إجمالي السعوديين العاملين في قطاع السياحة وصل بنهاية عام 2013 إلى 203.2 ألف يمثلون ما نسبته 27.1 في المائة من إجمالي العاملين في الوظائف المباشرة ما يشير إلى إمكانية توطين المزيد من الوظائف في هذا القطاع النامي. ختاماً أتطلع إلى أن يدعم صناع القرار والرأي هيئة السياحة في موضع القطاع السياحي في منظومتنا الاقتصادية كقطاع واعد يمكن أن يسهم بشكل فاعل في تعزيز قوتنا الاقتصادية ويخفف من اعتمادنا الكبير على النفط، خصوصاً أن المملكة تتقدم في المراكز من حيث عدد السياح السنوي وحجم الإنفاق السياحي وتقترب من تحقيق أرقام دول كبرى لها باع طويل بهذا المجال.