مكة أون لاين - السعودية وقفتُ متأملاً في معاني الصفات التي كان عبدالله الداود يتهم بها فئات واسعة من المجتمع السعودي، في الحوار الذي قدمه معه عبدالله المديفر في برنامجه «في الصميم» المبثوث في قناة روتانا خليجية. ثم تضاعفت فجيعتي حين فهمت من صيغ الأسئلة أنه لم يتفوه بها في التو واللحظة التي يتحدث فيها، وإنما هي إجابات تقريرية عن استفهامات يستعيد فيها مقدم البرنامج أقوالاً سابقة للداود في أوقات مختلفة تتضمن تلك التهم! ذلك أن الوصف للعاملين في القطاع الصحي بممارسة التحرش الجنسي بنسبة 100%، أو القذف لآباء المبتعثات الذين لا يرافقونهن بالدياثة، أو القول بأن حصة الرياضة في تعليم البنات ستنتهي بالبنات إلى الدعارة، يؤدي إلى إلحاق أذى اجتماعي ونفسي كبير بالأفراد الذين يندرجون في الفئات الموصوفة. وهو أذى كان ينبغي على القناة أن تحسب حسابه، فلا تتيح مزيداً من الإشهار والإشاعة لتلك التهم التي لا يصح أن نصفها بالرأي أو وجهة النظر، ولا مسوغ لإفساح حرية التعبير لها ما دامت تنطوي على جناية في حق معينين. إن تأمل المعنى الذي استقر اصطلاحاً لكل تهمة من تلك التهم، في ضوء السياق الذي يسقطها عليه الداود، يرينا مقدار الجناية التي اقترفها الضيف المدعو بكل ترحاب وتكريم، والقناة التي قدمت ضيافة من نوع جنائي! فالتحرش «وصف لفعل أو قول ذي طابع جنسي يتم اقترافه عدواناً على من يقع عليها (أو عليه)». والدياثة هي «صفة الرجل الذي يقود على أهله». أما الدعارة فهي «ممارسة الجنس مقابل المال». هكذا ترينا هذه المعاني فظاعة أن تنال أحداً التهمة بإحداها، لا سيما في مجتمعنا السعودي. وترينا –أيضاً- كيف استسهل الرجل أن ينطقها! وكيف أجرمت القناة في حق الغافلين الأبرياء! وحين كان الضيف يوضح – مثلاً - وصفه لآباء المبتعثات بالدياثة، كان يضرب مثالاً بأن «يترك أحد أهله على طريق مكة لوحدهم في غرفة»!. أما ابتسامته المنسابة بعفوية وبساطة بين حين وآخر، فإنها تحمل معنى الرضا عن الذات والثقة بها واليقين بأن ما يقوله محل اتفاق إلا من حفنة العالقين في تلك التهم، والمتآمرين على الدين والفضيلة! هل أجرم الداود في إلقاء التهم والطعن في الأعراض؟! لا يجيب على هذا السؤال –طبعاً- إلا من شعر أن في الأحكام والتوصيفات التي أطلقها تعدياً عليه، وطعناً في عرضه، وتلويثا لشرفه ونقاء ضميره. وليس تنادي الأطباء والطبيبات إلى مقاضاته إلا واقع الشعور بالجرم الذي لا تبرأ منه –أيضاً - القناة ومقدم البرنامج. وما دامت التهم عامة لمجموعات عملية بأكملها فإن السؤال عن مقاضاته يتجه إلى الإدارات المسؤولة عنهم: لماذا تصمت وزارة الصحة وهيئة التخصصات الصحية عن النيل من أعراض منسوبيهما؟! وأين وزارة التعليم العالي ووزارة التربية من التصدي لما يمس الطالبات وذويهن؟! أما أكثر العجب وأشد الألم فإنهما يتجهان إلى صمت العلماء والوعاظ: لماذا لم نسمع صوتاً واحداً ينكر عليه؟! أين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! أليس هذا الصمت إقراراً بما قال وتغاضياً عنه؟!